Translate

الثلاثاء، 5 يونيو 2012

إعتداء سافر على السيادة الليبيّة

قال شهود عيان من داخل مطار طرابلس، إن مسلّحين إقتحموا المطار من جهة المهبط على متن عشرات السيارات المسلّحة بأسلحة ثقيلة، وقاموا بالإنتشار في المهبط وساحات المطار، فيما قامت مجموعة منهم بإنزال المسافرين من الطائرات التي كانت تستعد للمغادرة.

التعليق
هذه بكل تأكيد تعتبرأموراً مؤسفة، ودلالة واضحة على سيادة الفوضى وغياب الأمن في ليبيانا الحبيبة. مرّة أخرى يتجسّد أمام أعيننا فشل المجلس الإنتقالي وفشل الحكومة في الحفاظ على أمن البلاد، وفي مقدرة هذين الكيانين السياسيّين في إدارة شئون البلاد.
مطار البلد الرئيس يتعرّض للإحتلال من قبل مجموعة من المسلّحين وكأنّ البلد لا توجد بها حكومة ولا يوجد بها نظام حكم. أنا أريد أن أذكّرهنا بأن مثل هذه الحادثة المؤسفة لا يمكن أن يكون لها شبيهاً في أي بلد آخر في العالم بما في ذلك الصومال. دولة بكاملها تهان أمام جميع دول العالم من قبل مجموعة خارجة عن القانون تأتي بسلاحها ولا أحد يعترضها، ولا أحد يحاول إيقافها من أجل تفادي شرورها، ومن أجل صون أمن وسلامة وكرامة وسيادة البلد. الآن إقتنعت بأن المجلس الإنتقالي بدأ بالفعل ينحدر إلى الهاوية، وأخذ وللأسف هذا المجلس يحرق أوراقه واحدة تلو الأخرى.
كلّ منّا كليبيّين وليبيّات يعرف بأن المجلس الإنتقالي إستطاع إدارة شئون البلاد بشكل نال إعجاب وإستحسان العالم المحيط بنا إلى درجة أن قام ثوّار اليمن وثوّار سورية بمحاولة إنشاء مجالس مشابهة؛ لكن مجلسنا الإنتقالي فشل فشلا دريعاً في إدارة البلاد بعد الإنتصار على نظام الطاغية القذّافي.
لا أحد ينكر بأن المحافظة على الإستقلال أصعب من نيله، ولا أحد يقلّل من الصعوبات الكبيرة التي تواجه كل من يحكم ليبيا في الوقت الراهن؛ ولكن يجب علينا أن نقرأ الأحداث كما هي بدون المحاولة في التغطية أو التشويش عليها بهدف التغاضي عن الأخطاء. المجلس الإنتقالي بدأ جيّدا أثناء القتال، لكن عوراته ونواقصه بدأت تتجلّى أمام العيان بمجرّد إنتهاء الحرب وكان خطاب التحرير للسيّد مصطفى عبد الجليل أوّل ذلك الإنكشاف.
بدأ واضحاً حينها بأن السيّد مصطفى عبد الجليل لم يكن يتحدّث عن رأيه هو بل كان مضطرّاً لأن يتحدّث بإسم مجاميع أخرى. كان السيّد عبد الجليل يتحدّث بإسم الجماعات الإسلاميّة المتشدّدة، وكان خطابه يعكس ذلك الإنطباع بكل جلاء، وبدأت أظن الآن بأن السيّد مصطفى عبد الجليل ربّما هو نفسه ينتمي إلى أحد هذه الجماعات لكنّه أخفى ذلك عنّا، أو أنّه ربّما هو نفسه في الواقع عضواً فاعلاً في جماعة الإخوان المسلمون المتلوّنة.
لم يتوقّف تدخّل الجماعات الإسلاميّة وخاصّة جماعة "الإخوان المسلمون" في طريقة أداء وتصرّفات المجلس الإنتقالي عند ذلك الحد، بل إننا لاحظنا بأن سيطرة الإخوان على المجلس الإنتقالي كانت قد فاقت حدود المعقول. إتّخذ المجلس الإنتقالي من السيّد محمّد الحريزي ( من تنظيم الإخوان) متحدّثاً رسميّاً له، وإتخذت الحكومة من السيّد ناصر المانع (من الإخوان) متحدّثا رسميّاً لها وأنا على يقين بأن كلا الكيانين لم يفعلا ذلك من باب إختيار الأصلح، وإنّما كان السيناريو معداً مسبقاً حيث أن فكرة الإستحواذ والسيطرة موجودة من الأساس في عقليّة وتنظير الإخوان المسلمون في ليبيا الذين يستلمون أوامرهم من المرشد العام للإخوان المسلمين في مصر وفق برنامج الولاء الذي يتوجّب على كل أعضاء الجماعة إتباعه بكل دقة.
المجلس الإنتقالي كما نعرف بدأ بحوالي 11 عضواً، ثم إرتفع العدد تدريجيّاً إلى 33، وبعدها إلى 63، ثم إلى 85، وأخيراً قيل لنا بأن عدد أعضاء المجلس الإنتقالي كان قد وصل إلى 103. حدث كل هذه في أقل من 6 أشهر بعد إعلان التحرير... فكيف حدث، ولماذا حدث، وكيف كان الإختيار، ومن هم الأعضاء الجدد، وإلى أي تنظيم ينتمون؟. هذه الأسئلة قد لا نسمع لها إجابة من قبل المجلس الإنتقالي الذي يستعين دائماً على قضاء حوائجه بالصبر والكتمان.
بعد الذي حدث بالأمس في مطار طرابلس الدولي، وبعد تلك الفوضى الهمجيّة التي أحدثتها ميليشيات ترهونة المسلّحة، وبعد ذلك الإسلوب الفجّ الذي تصرّفت به تلك الميليشيات (العصابات)، وبعد ذلك التراخي والإهمال الذي ردّ به المجلس الإنتقالي وردّت به الحكومة إقتنعت بأنّنا نواجه مشكلة حكم كبيرة جدّاً، وبأن الإنتخابات المتوقّع إجراءها بعد إسبوعين قد لا يحدث منها شيئاً، وعلى أنّها حتى لو حدثت فإنّها سوف تكون إنتخابات صوريّة تفتح الباب واسعاً أمام سيطرة أكبر ل"الإخوان المسلمون" الذين يتربّصون بهذا البلد ولا يوجد في خيالهم غير فكرة السيطرة على مقاليد الحكم فيه بأية وسيلة وبأي شكل ولو كان ذلك مبنيّاً على الخداع والتغفيل والضحك على ذقون الليبيّين.
بكل تأكيد توجد الكثير من الأشياء التي كان يتوجّب على المجلس الإنتقالي والحكومة عملها لمنع العبث بكرامة البلاد لو كان هذين الجسمين السياسيين بقادرين على إدارة شئون البلاد. كان بإمكان وزارة الدفاع إصدار إنذار لهذه العصابة بعدم التقدّم نحو طرابلس، أو التفكير في  الدخول إلى المطار. كان بإمكان وزارة الدفاع إرسال طائرات مقاتلة إلى الجو لتحلّق فوق رؤوس هؤلاء فتشعرهم بأن هناك دولة وبأن هناك نظام وقانون. كان بإمكان وزراة الدفاع إنزال إنذارت مكتوبة على هؤلاء المشاغبين من الجو تأمرهم بالتوقّف حالاً عن التحرّك خارج حدود سيطرتهم في ترهونة وما جاورها، وبأنّهم إن هم تقدّموا خطوة خارج النطاق الذي تحدّده لهم وزارة الدفاع فإنّهم سوف يعاملون كقوّة مخرّبة. كان بوسع وزارة الدفاع إعطاء هؤلاء التافهين حين إقترابهم من المطار مهلة مدتها 30 دقيقة  بالتوقّف أو تحمّل العواقب الوخيمة. كان بوسع وزارة الدفاع إطلاق قذائف تحذيريّة من الجو حول رتل عصابت ترهونة المسلّحة المتحرّك والتعامل معه وكأنّه من أزلام النظام السابق. كان بإمكان وزارة الدفاع تدمير هذه القوّة عن بكرة أبيها لو أنّها تجاهلت أوامر وتحذيرات وزارة الدفاع من أجل حماية أمن وسيادة البلاد. لماذا لم تفعل وزارة الدفاع أي من ذلك، وهل يجوز ترك وزير الدفاع أو رئيس الأركان يوماً واحداً في منصب كل منهما بعد الذي حدث؟.
إننا يا أيها السادة نتحدّث هنا عن أمن وسيادة بلد بكامله؛ فكيف سوف تتصرّفون لو كانت هذه القوة تابعة لأزلام القذّافي، أو أنّها قوة غازية من الخارج؟. هل أصبحت بلدنا مباحة لمن هب ودب بهذا الشكل المخزي أمام العالم أجمع؟.
هذه الواقعة يا إخوتي وأخواتي الليبيّين تدعونا بكل جديّة لأن نبدأ بالتفكير في مصيرنا ومستقبلنا، وتدفعنا لأن نقول للمجلس الإنتقالي وللحكومة أذهبوا فلم تعد لدينا حاجة إلى بقائكم لأنّكم فشلتم في تسيير شئون البلاد، وعجزتم عن حماية كرامتنا.
الحل يكمن بكل وضوح في القيام بإنتخابات محليّة في كل مدينة (المجلس المحلّي) بهدف تشكيل مؤتمر وطني منتخب من القاعدة بعيداً عن تلك المسرحيّة المعدّة الآن. إننا حين ننتخب مجالسنا المحليّة فإننا بذلك نفرض إرادتنا على من يريد أن يستغلّنا أو يضحك علينا سواء في ذلك المجلس الإنتقالي (الفضيحة)، أو الجماعات المنافقة المتلوّنة التي لا يهمّها شيئاً غير الإستحواذ على شئون البلاد والسيطرة على عقول وتفكير العباد. علينا أن نلتقي لنبدأ التفكير الجدّي في الخطوات اللاحقة وأن نرفض الدستور المؤقّت لأنّه بكل صدق لا يعبّر عن إرادتنا فلم يستشيرنا أحداً حين صاغت بنوده، ولم نقول رأينا فيه، ولم يستفتينا أحداً في شأنه... فكيف بنا نلتزم بتطبيقه وكانّه منزّلا من السماء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق