Translate

الخميس، 9 أغسطس 2012

ليبيا تطوي الصفحة الانتقالية رسمياً: أي مستقبل ينتظر السلطة المُنتخبة؟

عن جريدة السفير اللبنانيّة
الديموقراطيّة... تعني تسليم وإستلام بقلب رحب وبإحساس وطني

دخلت ليبيا، أمس الأول، وبشكل رسمي، عهد «الجمهورية الأولى». سجلت عملية تسليم السلطة للمؤتمر الوطني العام، المنبثق عن انتخابات السابع من تموز الماضي، أول انتقال سلمي للحكم بعد أكثر من 40 عاماً. حُلّ المجلس الوطني الانتقالي، وبات المؤتمر الوطني، المؤلف من 200 عضو، مولجاً العمل على اختيار حكومة جديدة وإعداد دستور للبلاد والتحضير للانتخابات النيابية والرئاسية المقرّرة في أواسط العام 2013. 
ما يجري في ليبيا اليوم يعاكس جميع التوقعات التي أُطلقت طيلة الفترة السابقة، ويوحي بأن البلاد تسلك مساراً مغايراً عما بدا بعد سقوط الزعيم معمّر القذافي. أما الخصوصية الليبية فبقيت ملازمة لكل المسار الذي قطعه الليبيون طيلة الفترة الماضية سواء في ثورتهم، أو في انتخاباتهم وصولاً إلى ما تمخضت عنه تلك الانتخابات من نتائج. 
توقع كثيرون لليبيا الغرق في حرب أهلية طاحنة. حصل الكثير من المواجهات، لكن الصورة لم تأت على مستوى «دموية» التوقعات. تحدث الجميع عن فوز إسلامي محتم، يؤكده نسيج المجتمع الليبي وطبيعة القوى التي قادت انتقاله، لكن تحالف القوى الوطنية، ذا الخلفية الليبرالية، فاجأ الجميع، وتصدّر المشهد الانتخابي بحصوله على غالبية المقاعد. 
في الحقيقة، ليست الصورة الليبية وردية بهذا القدر، فثمة تحديات كثيرة تلوح في الأفق، كما أن التجربة تفيد بأن ما نرصده لا يقدّم بالضرورة حكما قاطعاً على ما هو قائم حقاً. فتراجع الإسلاميين انتخابياً على سبيل المثال قد لا يعني خسارة لنفوذهم على الأرض. من هنا حذر العديد من المحللين بعد صدور نتائج الانتخابات الليبية من مغبة التورط في أحكام متسرعة تتعلق بمستقبل ليبيا بعد الانتخابات. 
وفي كل الأحوال، يبدو الحراك الحاصل في ليبيا اليوم مبشراً، ويستأهل التوقف عنده ملياً، بدءاً من محاولة فهم النتائج الانتخابية وما ستسفر عنه وصولاً إلى التحديات القائمة التي لا ينبغي الاستخفاف بها إذ تهدّد بتخريب كل ما حصّله الليبيون من «نجاح» مؤخراً. 
بداية، خالفت النتائج الليبية جميع التوقعات حيث احتل الليبراليون، بقيادة محمود جبريل، الصدارة في الانتخابات. ورغم أن تلك النتائج تتعلق بالقوائم الانتخابية (80 مقعدا فقط) ولا تخص الترشيحات الفردية التي تستحوذ على الجزء الأكبر (120 مقعدا)، فإن ذلك لا يقلل من الدلالة السياسية لما حدث. وقد أشار العديد من المراقبين إلى أن جبريل استغل بقوة، في خطابه السياسي، حصاد الفترة التي وجد فيها على رأس حكومة ما بعد الثورة، حيث يسود انطباع بين الليبيين أن جبريل كان عراب الاعتراف الخارجي بثورتهم. 
ومن بين نقاط قوة التحالف أنه استطاع جمع عدد كبير من الأحزاب والشخصيات ذات المكانة الاجتماعية والقبلية، كما أنه لم يتبن خطاباً «علمانيا» بل حافظ على الالتزام الديني فكان كمن يتقاسم الدعوة ذاتها مع الآخرين، وهو ما منعهم من التفوق عليه في مجتمع مسلم بأكمله. 
في المقابل، أضرّ الانقسام بالإسلاميين، حيث دخل الإسلاميون الليبيون بكيانات موزعة وطاقات مبددة، عبر نحو ستة أحزاب سياسية وعدد من المرشحين المستقلين. 
ويشير في هذا السياق باراك بارفي من «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» إلى أنه لم يكن لدى «إخوان» ليبيا المبرر الاجتماعي والاقتصادي الذي كان سبباً لجاذبية الإسلاميين الكبيرة في مصر وتونس. ففي دولة غنية بالنفط، لا يحتاج الليبيون إلى الكثير من ذلك النوع من شبكات الرعاية الاجتماعية التي يوفرها «الإخوان» لفقراء مصر وتونس، كما أن رسالتهم الاجتماعية كانت بعيدة عن تلبية تطلعات الليبيين. 
وفيما استطاع تحالف جبريل فهم طبيعة الشعب والاقتراب من نبضه العام، انشغل الإسلاميون بالتكوين التنظيمي والضبط الإداري لأحزابهم وكياناتهم السياسية الناشئة للتو بدل الاتصال بالناس. 
ما سبق، حذرت مجلة «أوبن ديموكراسي» من السقوط في «فخ» تحليله. فنجاح جبريل لا يعني نجاح الليبراليين. ما حصل، وفقاً للمجلة، نتيجة «القانون الانتخابي المعقد الذي قضى بألا يحصل أي حزب على أغلبية، لان 80 من المقاعد فقط، من أصل 120، كانت مخصصة للأحزاب»، مشيرة إلى ضرورة الانتباه إلى أن «الإسلاميين ما زالوا يشكلون كتلة واحدة كبـيرة في المجلـس المنتخب». 
أما في الشق الثاني المتعلق بالتحديات التي تنتظر السلطة المقبلة فالقائمة تطول. وفي تقرير نشرته صحيفة «واشنطن بوست»، تحت عنوان «ليبيا في مرحلة ما بعد الانتخابات»، تشير إلى أن المجلس التأسيسي المنتخب يواجه «تحديات عميقة حيث ما زالت الميليشيات المسلحة تسيطر على أجزاء من ليبيا، وتندلع اشتباكات متواصلة بين القبائل العربية وغير العربية في منطقة الجنوب ذات الكثافة السكانية المنخفضة، في حين تهدد الخصومات الإقليمية بعرقلة عملية صياغة الدستور. ورغم أن الجمعية شُكلت في الأساس لكتابة دستور جديد، إلا أنها جُردت من هذه السلطة قبل أيام من الانتخابات استجابة لاحتجاجات المنطقة الشرقية للبلاد ومركزها مدينة بنغازي». 
وبدورها، توضح مجلة «كاونتربانش» حجم خطر الميليشيات الليبية، بتوصيف ليبيا بأنها «الصومال الثانية» حيث الحكم الفعلي هو بيد القبائل والميليشيات المسلحة. وتقول المجلة إنه سوف يتعيّن على الحكومة المنتخبة أن تكبح جماح الميليشيات، ويتمثل التحدي في تقديم بديل مناسب للميليشيات لتشجيعها على العودة إلى الحياة المدنية. 
وفي تحد آخر، يشير باراك بارفي إلى ضرورة أن يستمر جبريل في التودد إلى الكثير من أعضاء المجلس التشريعي غير المنتمين لأحزاب معينة، وسيضطر جبريل إلى الاستمرار في مراقبة الجماعات المتنافرة التي تشكل جوهر «تحالف القوى الوطنية». كما أن المجلس يواجه تحدياً آخر من مصراتة التي ما يزال مسلحوها هم الأقوى في البلاد. وقد كان أداء «تحالف القوى الوطنية» ضعيفاً بين ناخبي هذه المدينة حيث فاز فقط بنسبة 8.7 في المئة من الأصوات. 
ونتيجة لذلك، يرجح متابعون أن يكون المجلس التشريعي الحالي مجرد حكومة تسيير أعمال إلى أن يتم اجراء انتخابات لاختيار برلمان لفترة أطول في العام المقبل. وإذا سار الأمر على هذا النحو، فستفتقر الحكومة على الأرجح إلى الوقت اللازم لحل مأزق الميليشيات، تاركة الليبيين محبطين مثلما كان حالهم مع الحكومة الانتقالية السابقة. 

التعليق
الذي حدث في ليبيا الحبيبة إنّما هو يعكس تلك العبارة الشهيرة التي ردّدها كل الليبيّون بمختلف أعمارهم وفئاتهم ومستوياتهم التعليمية والثقافيّة والتي تقول "دم الشهداء ما يمشيش هباء".
برهن الليبيّون على أنّهم لا يمشون في طريق بدون فهم تعرّجاته وبدون معرفة مسيرته ومآله في نهاية المطاف.
لقد برهن الليبيّون على أنّهم أذكى من جلاّدهم فقبل أن يثوروا عليه ويتخلّصوا منه عملوا في صمت على تجريده من بهارجه وتبجّحاته بحيث أشعروه بدون أن يقولوها له بأنّه مجرّد "طرطور" لا تساوي أفكاره عند الليبيّين أكثر من قيمة الورق الذي كتبت عليه.
أفشل الليبيّون في صمت نظريّة القذّافي وجعلوا ما كان يسمّى بسلطة الشعب تبدوا للعالم على أنّها مجرّد تمثيليّة هزلية لا قيمة لها.
هؤلاء هم الليبيّون أنفسم من أذهل العالم المحيط حين ذهبوا للإنتخابات وحين إختاروا ممثلّيهم في المؤتمر الوطني بكل حريّة وبكل إستقلاليّة برغم معرفتهم بنتائج إنتخابات جيرانهم في كل من مصر وتونس وحتى المغرب.
الليبيّون أبهروا العالم أيضاً حين ذهبوا إلى الإنتخابات في وجود مئات من الميليشيات المسلّحة التي كانت تسيطر على كل مفاصل الدولة مستقلّة عن الحكومة وعن المجلس الوطني الحاكم. الليبيون أبهروا العالم للمرّة الثالثة حين قام السيّد المستشار مصطفى عبد الجليل بتسليم السلطة كاملة وبكل إحترام وتقدير لرئيس المؤتمر الوطني الذي إختاره أعضاء المؤتمر على أساس أنّه أكبرهم سنّاً كحل توافقي، وتمت عمليّة التسليم بكل شفافيّة وبكل ممنونيّة ورضاء من جميع الأطراف على عكس الكثير من التوقّعات التي كانت تقول حتى الجزم أحياناً بأن السيد مصطفى عبد الجليل قد لا يسلّم السلطة لأحد غيره.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق