بقلوب
حزينة وبعيون دامعة سمعنا خبر إغتيال رجل الأمن الوطني في بنغازي العقيد فرج
الجرسي الذي قيل عنه بأنّه هو ربّما الرجل الوحيد الذي كان بمقدوره أن يفرض سيادة
القانون في المناطق الشرقيّة بعد كل الإغتيارت والتفجيرات وعمليّات نبش القبور
والإعتداء على القنصليّات ومراكز الصليب الأحمر.
بعد كل
عمليّة إغتيال يتسارع الناس إلى شجب ما حدث، وتتحدّث الحكومة والمؤتمر الوطني
(المجلس الوطني من قبله) إلى إستنكار ما حدث والتلويح بالبحث عن الفاعلين وتقديمهم
للعدالة، لكنّنا مطلقاً لم نسمع عن أحدٍ منهم تم مسكه دعك من تقديمه للعدالة.
حين يحدث
أي تفجير إرهابي أو بعد إغتيال أي رجل من أجهزة الأمن أو الشرطة أو الجيش يتم
إتّهام مرتزقة قادمين أو مموّلين من خارج البلد، وسرعان ما تتجه أصابع الإتّهام
إلى أزلام الطاغية القذّافي... ولكن هل بالفعل أن كل الأعمال الإرهابيّة في
المناطق الشرقيّة يقف خلفها أو يدّعمها أزلام الطاغية القذّافي؟.
أنا أرى
بأن الفاعلين ليسوا هم من أزلام الطاغية القذّافي، ولا هم من يحصلون على الدعم منهم
أو أية جهة خارجيّة... وإنّما هم من "أبناء" ليبيا في الداخل وللأسف.
القضيّة
تبدو بالنسبة لي واضحة وضوح الشمس. فكل ما جرى في المناطق الشرقيّة - وبنغازي على
وجه الخصوص - تقف وراءه جهة واحدة وهذه الجهة داخليّة وتقيم على التراب الليبي وهي
بكل تأكيد لاتريد الإستقرار لليبيا لأسباب فرديّة وشخصيّة وقد تكون هذه الأسباب "عقائديّة"
أو "فئويّة". إنّ المسئول عن كل الإغتيالات الأمنيّة التي حدثت في
المنطقة الشرقيّة بما فيها إغتيال اللواء عبد الفتّاح يونس هو "الميليشيات
المسلّحة" الخارجة عن سلطة الدولة والتي لا تريد أن تخضع لسلطة الدولة، لأن
ذلك يعني بكل بساطة إنتهاء أعمال السرقة والإغتصاب والتعدّي على حقوق الغير.
أنا
مازلت أتّهم "السلفيون" على أنّهم وراء كل الإغتيالات التي حدثت في
بنغازي، لأن هؤلاء الناس على وجه الخصوص يكرهون الأمن ويكرهون الشرطة ويكرهون
الجيش... إنّهم يكرهون مؤسّسات الدولة العصريّة لأنّهم يعتبرونها "بدعة"
غربيّة من حيث الظاهر، لكنّهم في واقع الأمر يخافون من تكوين مؤسّسات قويّة تخضع
لسلطة واحدة وهي سلطة الدولة لأن مؤسّسات الدولة تحول بينهم وبين أعمالهم
الإرهابيّة.
نحن نعرف بأنّه بعد
حادثة القنصليّة الأمريكيّة في بنغازي وقتل السفير الأمريكي في ليبيا توصّلت
المخابرات الأمريكيّة إلى حقيقة مفادها أن "تنظيم القاعدة" يقف وراء هذه
العمليّة. تنظيم القاعدة كما نعرف هو تنظيم سلفي أسّسه "اسامة بن لادن"
خرّيج مدارس الإرهاب السلفي (الوهابي) في السعوديّة. بعد تأكّد أمريكا من ضلوع
القاعدة في تفجيرات قنصليّتهم في بنغازي فكّر الأمريكيّون في الرد المناسب وكانوا
بكل تأكيد يرغبون في إصطياد أنصار القاعدة في درنة وفي بنغازي. الحكومة الليبيّة
بما في ذلك المؤتمر الوطني لم يكونوا براغبين في تأجيج الموقف في ليبيا ولم تعجبهم
فكرة قيام أمريكا بهذه المهمّة. بعد إتصالات على مستوى عالي بين المؤتمر الوطني
والولايات المتحده توصّل الطرفان إلى حل وسط يجنّب ليبيا خطر الإنجرار إلى شبيه
بما يحدث في العراق الآن. تقرّر القيام بتدريب مجموعة من الشباب الليبي في بنغازي -
والذين كانت لهم إمتيازات جسديّة وذهنيّة راقية - من قبل قادة من ال سي أي إيه. الشهيد
العقيد "فرج الدرسي" كان يعتبر من أكبر المهتمّين بإستتباب الأمن في كل
ليبيا وفي بنغازي على وجه الخصوص، وهو يحسب من كبار المناوئين للميليشيات المسلّحة
بإعتبارها تقف ضد إستتباب الأمن وتكوين الدولة العصريّة. العقيد الدرسي بدون شك هو
على علم تام وربّما كان يعتبر من المتحمّسين لفكرة "القوّات الخاصّة"
التي كانت أميركا تنوي تشكيلها في ليبيا بهدف محاربة عناصر القاعدة وتنظيف ليبيا
من وجودهم فيها، ومن هنا كان العقيد فرج الدرسي مستهدفاً من قبل مسلحي القاعدة حتّى
تمكّنوا الليلة البارحة من إغتياله والقضاء عليه ثم لاذوا بالفرار وهم يعرفون
يقيناً بأنّ أجهزة الدولة سوف لن تلاحقهم وسوف لن تتقفّى أثارهم لأسباب ربما هم
يعرفونها، لكنّنا نحن الليبيّون لا نعرف عنها شيئاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق