Translate

الأحد، 20 يناير 2013

لا... للربيع العربي في الجزائر

أبو البراء... قائد عمليّة عين أميناس الإرهابيّة
برهنت الأحداث الأخيرة في "عين أميناس" بالجزائر على أن هذه الدولة التي تمكّنت من تجاهل ثورة الربيع العربي، قد تكون في طريقها للنجاة منها وتفاديها.
 الجزائر برهنت من خلال أحداث "عين أميناس" المؤسفة على أنّها قادرة على فرض إرادتها وسيادتها على كل أراضيها. هذه الميزة التي تتمتّع بها الجزائر كانت وللأسف قد فقدتها كل دول ما يسمّى ب"الربيع العربي" والتي فقدت مع هذه الثورة بوصلة أتجاهها بعد أن سلّمت أمرها راضية أو مغصوبة لأصحاب اللحي والعقليات المتكلّسة.
الجزائر برهنت للعالم من خلال أحداث منشأة الغاز ب "عين أميناس" بأنّها ربما تعتبر اليوم هي السد المنيع الوحيد المتبقّي في المنطقة والذي بإمكانه أن يوقف زحف المتأسلمين للسيطرة على القرار في المنطقة.... وأكدت على أنّها قويّة وقادرة.

المتأسلمون (الإسلاميّون) بدورهم لم يتركوا سانحة إلاّ وإستغلّوها بهدف فرض سيطرتهم على المنطقة والتي يعني بكل وضوح فرض أجندتهم التي تنبذها وتتوجّس منها أغلب شعوب المنطقة التي عصفت بها ثورات الربيع العربي.

لقد برهنت الشواهد - على الأقل حتى الآن - على أن ثورات الربيع العربي نجحت بالفعل في القضاء على الديكتاتوريّة العسكريّة، لكنّها وللأسف مهّدت لديكتاتوريّة جديدة أشد خطراً وأكثر ضرراً من الديكتاتوريّة العسكريّة... ألا وهي الديكتاتوريّة الدينيّة.

الديكتاتوريّة العسكريّة في الغالب ترتبط إرتباطاً وثيقاُ بفرد - أو ربّما في حالات إستثنائيّة بأفراد، كما هو الحال في سوريا وكما كان مخططاً له في ليبيا - وما إن يزاح ذلك الفرد حتى تنتهي ديكتاتوريّته وطغيانه إلى الأبد. حدث هذا في شرق أوروبّا، وحدث ذلك في الكثير من دول أمريكا اللاتينيّة، وحدث ذلك في الكثير من الدول الأفريقيّة. الديكتاتوريّة الدينيّة في المقابل قلّما ترتبط بشخص، فهي في العادة تعكس رأي مجموعة متشدّدة من الناس تلتقي في قضيّة التشدّد والتزّمت، وهذه المجموعة تجتمع على إمتلاك القدرة "العنفوانيّة" في الأغلب على فرض أجندتها وأفكارها على الناس، وبذلك يكون لها في أغلب الأحيان الكثير من المتعاطفين والأتباع نظراً لأن هذه الجماعات المتطرّفة تستخدم "الدين" لتحقيق أهدافها التي كثيراً ما تكون عبارة عن طموحات شخصيّة، وأحلام من نسج الخيال (إفتراضيّة) تكون بعيدة كل البعد عن الواقع المعاش.. بل إنّها كثيراً ما تتصادم معه وتحاربه.
الديكتاتورية الدينيّة بحكم عدم إرتباطها بأفراد، فإنّها بمجرّد تمكّنها من فرض نفسها على الناس يصبح بعدها من الصعب عليهم إجتثاث جذورها لأنّها كما ذكرت تستغل عاطفة الدين لتحقيق أهدافها التي تبدو في ظاهرها نبيلة، لكنّها في واقع الأمر تعتبر مدمّرة ومهلكة.

أثار الديكتاتوريّة العسكريّة في العادة لا تعمّر طويلاً بعد إزاحة رأس النظام كما حدث في كل دول شرق أوروبّا التي وفي أقل من عقدين من الزمان إستطاعت أن تنهض من جديد وأن تمحو كل أثار ذلك الطغيان. أثار الديكتاتوريّة الدينيّة مثلها مثل السوس تماماً.. تنخر في كل مكان وتترك أثارها المدمّرة في كل إتجاه، وهي بذلك تتشابه مع مرض السرطان الذي إن لم تستأصله من بدايته فإنّه ينزرع في كل مكان ليقضي على حياة المصاب به بعد أن يوهنه ويحوّله إلى كيان مريض لا مقدرة له على المقاومة، وإذا ما عولج بمضادّات السرطان فإنّه عادة ما يعاني من أثارها الجانبيّة أكثر من إستفادته من تأثيراتها الإيجابيّة، وهذه المضادّات السرطانيّة لن يكون في مقدورها القضاء على السرطان بل إنّها ربّما تؤدّي في نهاية المطاف إلى القضاء على المصاب نفسه. ذلك ربّما يمكن إعتباره تشبيهاً دقيقاً لتحكّم الجماعات المتشدّدة في جسم الدولة، وهذا ما قامت دولة الجزائر بإستيعابه بكل دقة من خلال تجاربها المريرة مع هؤلاء "المخرّبين" الذين صبرت وصابرت على مقارعتهم لأكثر من عقدين من الزمان خسرت خلالهما الجزائر ما يقارب من ربع مليون فرد من سكّانها ومئات المليارات من ثرواتها، لكن الجزائر تعلّمت الكثير من صراعاتها مع هؤلاء المنغلقين على أنفسهم وكانت دروس تلك الصراعات مفيدة جدّاً للقيادة الجزائريّة حين قامت بالرد السريع والحاسم لإستئصال هذا الورم الجديد بمجرّد إكتشافه بدون أيّ تردد وبدون أيّ إنتظار لمساعدات من الغير.
تمكّنت الجزائر من القضاء على خلايا سرطانيّة خطيرة تتميّز بقوة إنزراع سريعة وفتّاكة، وبذلك إستحقت دولة الجزائر كل عبارات الشكر والثناء على موقفها الحاسم من أتباع القاعدة الذين لو تركوا هذه المرّة لكانوا إنزرعوا في كل المنطقة مستغلّين الفراغ السياسي والأمني في الدول المجاورة مثل تونس وليبيا ومصر التي مازالت تعاني من سيطرة طغمة متأسلمة تحاول هي بدورها فرض أجنداتها الخبيثة وسلطتها المستديمة على المواطن المنهوك.
تحيّة تقدير وتبجيل للجزائر، وأسأل الله أن يحميها من شبيه ب"ثورة الربيع العربي" التي وللأسف تم إغتصاب أهدافها النبيلة من قبل أولئك المتطفّلين الذين كانوا ينتظرون مثلها منذ زمن طويل لكنّهم لم يكونوا بقادرين على بدء الحسم لعدم مقدرتهم على الأخذ بزمام المبادرة نتيجة لثقافتهم المنغلقة التي لا تعلّمهم كيف يفكّرون ولا كيف يتصرّفون عند حدوث الشدائد.
السؤال الذي يطرح نفسه دائماً على كل متأمّل ومتدبّر للطريقة التي يفكّر بها هؤلاء المنغلقين على أنفسهم.. لماذا يصر هؤلاء على العيش في غياهب الماضي السحيق، ولماذا لا يحاولون فتح أعينهم وعقولهم على العالم المحيط بهم فعساهم أن يروا الدنيا بشكل وبلون مختلف؟. الإجابة بكل تأكيد من المفترض بأنّها موجودة لديهم، ولكن سؤال يبرز من عبارة السيّد "جاسم السلطان" الجميلة: رهاب المعرفة داء عضال... فالبعض يكره المعرفة خوفاً من أن تهزّ له فكرة يرتبط بها عاطفيّاً ( وهي من إختيار الدكتور هاني بن عامر بارك الله فيه).. السؤال هو: لماذا يحارب المتأسلمون العلم ويمنعون التفكير؟. وإجابتي على هذا السؤال كانت:  نعم... هناك الكثير من العوامل التي تدفع بالمتشدّدين في الدين إلى محاربة المعرفة ومن يعرفها. هؤلاء الناس لا يستطيعون مواجهة متطلّبات العصر وذلك لفقدان الثقة في أنفسهم وقدراتهم. إنّهم يهربون من الحاضر ويتجنّبون التفكير في المستقبل نتيجة لعدم ثقتهم في الحاضر وتوجّسهم من المستقبل. هؤلاء الناس لا يوجد لديهم بعد نظر ولا يستطيعون رؤية أو إدراك أبعد من مرمى أصابع أقدامهم. إنّهم في واقع الأمر لا يكرهون المعرفة، بل إنّهم يخافون منها. المعرفة بالنسبة لهم لا بد وأن تؤدّي في نهاية الأمر إلى البحث عن اليقين، وتلك حسب تصوّرهم سوف تؤدّي إلى بروز عامل الشك في عقليّة المتبحّر في العلم وذلك لوحده بكافٍ - حسب تصوّرهم - للدفع تجاه الكفر بوجود الله.  
  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق