Translate

الخميس، 2 مايو 2013

التتلمذ والإحتراف في الديكتاتوريّة

حين كان العالم العربي يعاني من موضة الإنقلابات العسكريّة، كان الناس ربّما جاهزون وقتها لقبول العسكري كقائد مع إستعدادهم بالتغاضي عن الديكتاتوريّة التي جاء يبشّر بها ذلك العسكري والتي بدأ يخفيها تحت سترته العسكريّة في أوّل الأمر، لكنّه ما يلبث بأن يكشفها للناس حين يطمئن إليهم ويستشعر مقدرته على حماية نظام حكمه.
تلك كانت الصورة وحتى عهد قريب، ولكن بعد ثورة البوعزيزي من أجل الكرامة وقبول غالبيّة الناس في عالمنا المتخلّف ثورة البوعزيزي كمبدأ للدفاع عن الكرامة أصبح لزاماً على العسكر إحترم إرادة الشعب من ناحية، وأصبح لزاماً كذلك نبذ مبدأ الإنقلابات العسكرية بسبب دخول معادلة جديدة إسمها "الشعب" لتحل محل الجونتة العسكريّة ومن هنا بدأ الإنقلاب على الشعب يعد في حكم المستحيل.
الذي قامت به عصابات مسلّحة في ليبيا خلال الأيّام القليلة الماضية من إستيلاء على وزارات الدولة السياديّة كان بمثابة محاولة للإنقلاب على سلطة الشعب الحقيقيّة من قبل متتلمذين على فكر ونظريّة الديكتاتوريّة المطلقة التي كان الطاغية القذّافي قد تركها من بعده بعد القضاء عليه من قبل هذا الشعب نفسه.
التعقيد الذي أضيف إلى هذا الإسلوب الهمجي في فرض الأمر الواقع بقوة السلاح على أعضاء مؤتمر وطني منتخب من قبل الشعب   هو وقوف أصحاب اللحي وراءه بكل قوّة، حيث وجدوا فيه الوسيلة الوحيدة لإستعادة سلطة كانوا قد حلموا بها كثيراً لكنّهم عجزوا عن إكتسابها من خلال صناديق الإقتراع، ولا عيب عليهم من وجهة نظري في ذلك فربّما يظل ما فعلوه عبارة عن موقف لهم الحق في إتخاذه ولنا الحق في رفضه. المعضلة أن الذين يقفون وراء هذه المحاولة الإنقلابيّة من قبل تلاميذ مبتدئين في الثقافة الديكتاتورية ظلّوا صامتين ولم يعلنوا تحمّلهم مسئوليّة ما قام به تلاميذهم بما يتماشى مع نفس عقليّة "الإجرام والفرار" التي يبدوا أن أصحاب اللحي الطويلة كانوا قد إعتمدوها منهجاً جديداً لممارساتهم في ليبيا بهدف رفض الديموقراطيّة ورفض منهج "الدولة العصريّة" على إعتبار أن فكرة الدولة العصريّة هي "بدعة" حسب إعتقادهم، بعد أن كان أترابهم ممن سبقوهم يعلنون مسئوليّتهم عن التفجيرات التي كانوا يقومون بها في بلاد كثيرة من العالم.
التعقيد الآخر الذي إضيف إلى هذه المعادلة الجديدة التي ترتكز على فكرة "التتلمذ في الديكتاتورّة" على غرار الإحتراف فيها هو دخول الشيخ الصادق الغرياني في تركيبة هذه المجموعة الإنقلابيّة الجديدة بحيث أنّه بذلك كان قد ساهم في الإنقلاب على الدولة من داخلها بإعتباره يشغل منصب "المفتي" فيها. الشيخ الصادق الغرياني يبدو أن كل الشواهد تشير إلى أنّه هو رئيس هذه الجونته الجديدة التي حاولت فرض ديكتاتوريّة من نوع جديد على ليبيا بعد ثورة الشعب فيها على الطاغية الذي حكمهم بإنقلاب مشابه لكنّه كان أكثر نضوجاً وأكثر إحترافاً. الشيخ الصادق الغرياني لم يخرج علينا هذه المرّة ليحذّرنا من مغبّة الخروج على "ولي الأمر" بإعتبار أن ذلك يعتبر مخالفاً لأمر الله لكنّه قد يؤدّي إلى الفتنة التي هي عند الشيخ المفتي أشد من القتل كما سبق له وأن قالها بعد ثورة البوعزيزي في حق الطاغية القذّافي حين خرج على وسائل الإعلام ليحرّم على الليبيّين الخروج على الطاغية بإعتبار أنّه كان وليّاً للأمر، والخروج عليه إعتبره الشيخ فتنة التي إعتبرها "أشد من القتل".  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق