Translate

الخميس، 8 أغسطس 2013

عروس البحر الأبيض المتوسط، وعريسها


مع اقترابنا من نهاية شهر رمضان المبارك والاحتفال بعيد الفطر السعيد، أكون قد أمضيت في ليبيا أقلّ من سبعة أسابيع بقليل. وخلال تلك الفترة القصيرة، سنحت لي الفرصة للاجتماع مع ليبيين من جميع أنحاء البلاد ومن جميع أطياف الحكومة: القادة السياسيين وقادة المجتمع الأهلي والفنانين والطلبة، وبعض أفراد الأُسر والأشخاص، وقد أعرب جميعهم عن رغبة مشتركة في أن يروا بلادهم تتقدّم وتنمو في بيئة آمنة ومزدهرة وحرّة تحترم مواطنيها وتخضع لسيادة القانون. ويشتركون جميعهم في الرغبة في العمل والمحبّة بكرامة، وهي تطلّعات مشتركة بين جميع البشر. وهذه هي المثل العليا والقِيَم التي ناضل من أجلها الشعب الليبي بمشقّة وضحّى بالأرواح في سبيلها. إنّ تحويل تلك التطلعات إلى حقيقة واقعة، يتطلب العمل الشاق والصبر، وهي مهمّة لا تنتهي أبدًا بالنسبة للحكومات والشعوب على حدّ سواء، وكما نعلم جيدًا في بلادي، الولايات المتحدة الأميركية، والتي لا تزال تسعى جاهدة لترقى إلى مستوى مُثلنا العليا الثورية التي تصبوا إلى "الحياة والحرية والسعي لتحقيق السعادة".
والآن هناك من يسعى لاختلاس المكاسب التي ناضل الشعب الليبي من أجلها بمشقّة، من خلال حملة اغتيالات خسيسة وأعمال عنف وترهيب، تنفَّذ خلال هذا الشهر الفضيل المخصّص للتجديد الروحي. وأتمنّى من كلّ قلبي أن يرفض الشعب الليبي هذه الجهود التي تهدف لترهيبهم وتثبيط هممهم، وأن يواصلوا بدلا من ذلك سعيهم لتحقيق آمالهم وأحلامهم بليبيا حرّة. وتتنبأ رؤيتي بقيام ليبيا نابضة بالحياة، ومُنتجة، وفخورة بتراثها الثقافي مثل فخرها بكونها رائدة أعمال وخلاّقة.
في كلّ مرة أقود فيها سيارتي على طريق الكورنيش عبر مرفأ طرابلس، وأنا في طريقي لعقد اجتماعاتي، أتصوّر مستقبل ليبيا، حيث ترتبط طرابلس ببنغازي عن طريق البحر، والسياحة، ومن خلال الجهود الاقتصادية والابتكار التكنولوجي. وأرى ميناء قد تمَّ تنظيف مياهه الضحلة من الأوساخ وأُعيد تهيئته لاستقبال العبّارات والرحلات المكوكية التي تقوم بها السفن السياحية التي تنقل آلاف السياح القادمين لزيارة هذا البلد الجميل، الممكن الوصول إليه بسهولة من أوروبا ومن أماكن أخرى، والذي يتمتع بهذا الطقس الرائع ويضم ما لا يقلّ عن خمسة مواقع للتراث العالمي. وأرى السيّاح وهم ينزلون من السفن في طرابلس، "عروس البحر الأبيض المتوسط"، لقضاء عدّة أيّام يتجولون خلالها في "البلدة القديمة" الساحرة التي أعيد ترميمها، ويتناولون أطباق الأسماك اللذيذة في المطاعم المنتشرة على الواجهة البحرية، ويقيمون في فنادق من فئة الخمسة نجوم المنتصبة على خلفية من الهندسة المعمارية الصديقة للبيئة. وبعد زيارة لبدة الكبرى وصبراته وواحة غدامس الرائعة، حيث يتعرّفون على سلالة الأمازيغ القديمة والفخورة، يتوجه هؤلاء السياح البيئيون جنوبًا إلى رمال الصحراء لمشاهدة الثقافة الفريدة للطوارق النبلاء. وهنا سيتمتعون، كما فعلت أنا عندما سافرت إلى تونس في عام 1989، بالصمت المطبق للصحراء وبقُرب نجومها المهيب الذي لا يقاوم. وعندما يعودون إلى طرابلس، يركبون سفينة رحلات مكوكية لزيارة عريسها، بنغازي، التي تضمّ شحات، الموقع الثالث المصنف كتراث عالمي. وسوف يجدون في بنغازي مستشفيات حديثة من الفئة العالمية التي توفر خدمات إلى سكان منطقة الساحل/المغرب العربي الكبرى، ومركزًا لتوزيع البتروكيماويات تُشرف عليه الشركة الوطنية للنفط، وفي شراكة مع شركات نفط دولية، آمل أن تكون شركات أميركية، من أجل تطوير منتجات طليعية مستدامة بيئيًا. ويُمكنني أن استمر في الوصف إلى ما لا نهاية. فالإمكانات في الحقيقة لا حصر لها.
نعم، هذا ليس سوى حُلمي، لكنّه ليس ضربًا من الخيال، إذ يمكن تحقيقه، ولكنه سيستغرق ردحا من الزمن. وها هي حكومتي تعمل الآن مع غيرها من دول مجموعة الثماني لدعم وتدريب قوة للأغراض العامة في ليبيا من أجل تعزيز الأمن اللازم لخلق فسحة آمنة للتنمية. وفي الوقت نفسه، ينبغي على كلّ مواطن ليبي أن ينهض لتولّي مسؤولية بناء بلاده ومستقبلها. فأمامكم جميع التحديات والاحتمالات مثل أيّ دولة ناشئة. والأمر متروك لكم لتسعوا إلى الأمور التي توحّد صفوفكم، وتملأ الفراغات التي يستطيع ملئها سوى المجتمع المدني، بينما تقومون بحياكة نسيجكم الوطني الرائع الذي سيشكل الدستور وسيادة القانون خيوط سداته وخيوط لحمته، والذي يشكل الأمن الوطني أطرافه المعقودة، وتعكس خيوطه الملوّنة الرمال والبحر، والزيتون والنخيل، والإثنيات الغنيّة والمتنوعة والثروة الهيدروكربونية لهذا البلد الذي تحبّون. إنّ أصدقاءكم وحلفاءكم موجودون هنا لدعم ما تبذلونه من جهود، ولكن يتعيّن عليكم أن تحيكوا النسيج الأساسي. وسنعمل سويّة على تغيير القصة من قصة العنف والشلل إلى قصة للتجديد والأمل.... وكلّ عام وأنتم بخير. ديبورا جونز - سفيرة الولايات المتحده الأمريكيّة بليبيا

التعليق

إنّها تحدّثت بلسان حالنا، فنحن عجزنا عن التعبير بما يتخلج في نفوسنا وذلك لعمري ليس هو بعجز منّا على صياغة العبارات الجميلة وإنّما بسبب الإحباط الذي أصابنا بعد كثرة الكوارث التي حلّت علينا لأنّه يوجد في بلادنا... يوجد بيننا وبين ضهرانينا من لا يحبّنا ومن لا يحب لبلادنا بأن تنمو وتزدهر. نحن الأن نقف أمام تحدِّ كبير وخطير علينا بأن نكون مستعدّين لتقبّله والتعامل معه كما يجب. علينا بأن نقف في وجه هؤلاء الإرهابيّين ونقل لهم "توقّفوا" فإن لم يستمعوا إلينا فإنّه والله سوف لن يبقى أمامنا غير مواجهتهم. علينا بأن نواجههم وعلينا بأن نهزمهم، فهم طغاة أكثر من الطاغية الذي هزمناه..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق