انشقاقات عميقة تهدد بتفجير تحالف "فجر ليبيا" (عن قناة الجزيرة الفضائيّة)
يتعرض تحالف "فجر ليبيا" في الآونة الأخيرة إلى شلل في جل فصائله، بسبب موجة من الخلافات والتصدعات، قد تتسبب في تفككه وزواله نهائيا.
ويتكون هذا التحالف من عدة ميليشيات غير متجانسة التقت مصالحها عشية خسارة التيار الإسلامي في الانتخابات البرلمانية منتصف العام الماضي، ليخوض حربا منذ أغسطس الماضي، بداية في طرابلس لتتوسع تدريجيا، شاملة مناطق عدة غرب البلاد، وأخيرا الهلال النفطي وسط البلاد، إضافة لمدن بنغازي ودرنة شرقاً، وحول قواعد عسكرية في الجنوب.
ويرى مراقبون أن عدة أسباب عرّضت هذا التحالف لهزات قادته إلى تفكك وشيك، بدا واضحا خلال هذه الأيام وربما يقودها إلى الزوال النهائي.
ومن هذه الأسباب طول فترة الحرب وبدء تأسيس قيادة عسكرية للجيش الوطني منحت شرعية كاملة من مجلس النواب المعترف به دولياً، وتغير الموقف الدولي تجاه الميليشيات التي اتضحت علاقتها بدعم الإرهاب. وبالإضافة لانشقاق تام لميليشيات أنصار الشريعة في سرت، التي كانت أهم مكون لعملية "الشروق" باتجاه الحقول النفطية وسط البلاد، لتصل إلى مرحلة المواجهة المسلحة منذ أكثر من شهر مع ميليشيات مصراتة بموازاة تصريحات وإعلانات مكتوبة ومرئية أعلنت فيها أنصار الشريعة في سرت وبنغازي ودرنة، ولاءها الكامل لتنظيم داعش وخروجها من تحت عباءة فجر ليبيا، بل حكمها بكفر وردة قادة فجر ليبيا، وإعلان الأخيرة أنها تحارب الإرهاب الممثل في تنظيم داعش "أنصار الشريعة سابقا".
ميليشيات "الحلبوص" وتنامي الانشقاقات
وتنامت خلال الأيام الماضية ملامح انشقاقات جديدة يبدو أنها هذه المرة أكثر أهمية، إذ أعلنت ميليشيات "الحلبوص" أكبر تشكيل عسكري بمصراته دخولها في مفاوضات مع قادة الجيش بمنطقة ورشفانة والعزيزية، انتهى بوقف إطلاق النار وانسحابها من طرابلس.
ودعا هذا التطور، صلاح بادي القيادي البارز في الميليشيات وقائد معركة مطار طرابلس إلى الخروج في تصريحات متلفزة، اتهم خلالها ميليشيات "الحلبوص" و"المحجوب" بخيانة من وصفهم بــ"الثوار في جبهات طرابلس والغرب".
وسبقته إلى هذا الوصف "غرفة ثوار ليبيا" التي يقودها المتشدد أبو عبيدة الزاوي، الذي يقاتل الجيش من مدينة الزاوية إلى وصف ميليشيات الحلبوص بالخيانة بقطع الإمداد العسكري على قواته وتخليه عنها.
خسارة معقل العزيزية
وتناقلت وسائل إعلام محلية ليبية أنباء عن خلافات حادة داخل مصراته، وصلت إلى حد الصدام الشخصي بين صلاح بادي وعبدالرحمن السويحلي أبرز قادة العمليات العسكرية بالمدينة وبين فتحي باشاغا وسليمان الفقيه ممثلي المدينة في حوار الصخيرات اللذين اتهمها الأولان باستغلال التأثير القبلي والاجتماعي، من أجل سحب مسلحي مصراتة من عملية فجر ليبيا وعملية الشروق.
بل نقلت وسائل إعلام محلية فيديو مسجلاً لصلاح بادي يتهم فيه "الحلبوص" بأنه كان السبب في خسارة "فجر ليبيا" لمنطقة العزيزية جنوب العاصمة بسبب انسحابه من المنطقة وسعيه لعقد اتفاقات صلح مع قادة منطقة ورشفانة.
صادق الغرياني يدخل على الخط
ويبدو أن الانشقاقات والخلافات طالت دوائر السياسة الداعمة لفجر ليبيا، فقد خرج المفتي المعزول الصادق الغرياني بفتاوى قبل يومين تحرم على قيادات مصراتة الدخول في حوار مع من وصفهم بـ "أعداء الثورة" في إشارة لقادة ورشفانة، تلاه بيان من البرلمان منتهي الولاية، يحذر فيه القادة المنضوين تحت إمرته من الدخول في حوار وتصالحات من دون الرجوع إليه.
وبحسب مراقبين، فإن قوة "فجر ليبيا" التي تعتمد أساسا على ميليشيات مصراته، أصحبت مهددة بالزوال، خصوصا أنها فقدت مجموعات أنصار الشريعة.
ورغم استمرار رغبة بعض القادة المتبقين مثل صلاح بادي وأبوعبيدة الزاوي في القتال، فإن مراقبين يرون أن صلاح بادي لم يعد يمتلك قوة عسكرية كبيرة، خصوصا وأن الرفض الاجتماعي بات يزداد في مصراته بسبب حجم الخسائر التي لحقت بالمدينة.
كما أن عمليات الجيش الليبي باتت أكثر تنظيما إذ قطعت خطوط الاتصال والإمداد بين ساحات ومناطق القتال، حيث عزلت مناطق القتال وهي "الوطية والزاوية وطرابلس وغريان"، مقابل سيطرة الجيش على أهم المناطق الحيوية، مما يعزز من احتمال بدء العد التنازلي لاضمحلال تحالف فجر ليبيا.
التعليق
الثورة كما هو متعارف عليه تغيّر ولا تستطيع البناء. الثورة في العادة يقوم بها أناس أوفياء ومخلصين للوطن يكون عندهم الحسّ الثوري قوياً ويكون حرصهم على الوطن أقوى. لكن الثوّار هم في العادة ليسوا من المهنيّين أو المتعلّمين ولا يمتلكون خبرة سياسيّة، وإنّما هم مجموعة من المتحمّسين يتمكّنوا بعملهم الجماعي من تغيير الأوضاع بأي ثمن وبأية وسيلة يكون العنف من بين وسائطها. الثوّار ليسوا مبرمجين للإنتقال من عملية التغيير(الثورة) إلى عملية البناء(الدولة)، وبذلك فكثيراً ما يحدث فراغاً سياسيّاً بعد كل ثورة يفسح المجال للطامعين في السلطة من الإستحواذ عليها، وهؤلاء هم في العادة يكونوا من الإنتهازيين الذين يستغلّون الفرصة لفرض وجودهم؛ وبذلك فقد قيل قديماً: الثورة يقوم بها النبلاء ويستغلّها الحقراء... وهذا ما حدث في ليبيا تماماً.
الطاغية القذّافي حكم ليبيا لأكثر من 42 سنة بالسلطة الثوريّة أو ما أطلق عليها بكل خبث "الشريعة الثوريّة"، لكنّه بحكم أنّه ثوري لم يتمكّن من بناء دولة في ليبيا طيلة تلك العقود الطويلة، وحتّى لو أنّه إستمر في الحكم لأكثر من ذلك فإنّه حتماً سوف لن يكون قادراً على بناء دولة.
في البلاد التي قامت فيها ثورة وتم تسليم السلطة فيها إلى الكوادر المهنيّة والفئات المتعلّمة (التكنوقراط) نجحت تلك الثورات في فسح المجال لبناء دولة مثل تونس ومصر بعد تصحيح المسار. أما البلاد التي إستمرّت فيها الفوضى الثورية مثل العراق واليمن وليبيا فإن الدولة ظلّت تطل من وراء الأفق بدون أدنى أمل في إقترابها من الواقع إلّا بعد أن يقتنع من يسمّون بالثوّار أو يؤمنون بإستمرار الثورة بأن الثورة يجب أن تنتهي وأن مؤسّسات الدولة يجب أن تتكوّن، ومؤسّسات الدولة كما نعرف هي السلطة التشريعيّة والسلطة التنفيذيّة والسلطة القضائيّة والجيش والشرطة مع وجود صحافة حرّة تراقب سير العمل وتكون قادرة على الإنتقاد بكل حريّة، وكذلك تكوين نقابات مهنية حرّة وتنظيمات للمجتمع المدني يكون المنتمين إليها من المتعلّمين والمثقّفين والقادرين على المراقبة والمتابعة من جهة والإنتصار للمواطن من جهة أخرى.
من هنا أرى بأن المخرج الوحيد لليبيا من هذا اليم الهادر هو بإبتعاد من يسمّون أنفسهم بالثوّار عن الواجهة والإلتحاق بمراكز التدريب التي قد تؤهّلهم للقيام بأعمال شريفة توفّر لهم دخلاً مناسباً يساعدهم في الحفاظ على كرامتهم وبناء مستقبلهم الأسري والإجتماعي. لابد من إنتهاء الثورة في ليبيا لإفساح الطريق نحو البناء وتكوين الدولة المدنيّة، وبدون إنتهاء الثورة فإنّنا سوف نكتشف بعد العديد من السنين بأنّنا إنّما كنّا نكرّر كل أخطاء الطاغية القذّافي بدون المقدرة على إحداث البديل المنشود حين قمنا بالثورة على نظام حكمه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق