Translate

السبت، 12 ديسمبر 2015

نصيحة أخوية لإخوتنا في المناطق الشرقيّة

لقد كثر ترديد كلمة "إقليم" وأقاليم على أسماعنا من الكثير من المنتمين للمناطق الشرقيّة وكأنّهم يريدون أن يعيدونا إلى ما قبل الستّينات.
أنا أود أن أقول وأن أصر على أن ليبيا هي بلدنا جميعاً وهي ملكاً لنا جميعاً، وأنا شخصيّاً يعلم الله بأنّه لا يوجد في عقلي ولا تفكيري ولا في إعتقاداتي أي شئ إسمه شرق أو غرب أو شمال أو جنوب. أنا لا يوجد في عقليتي ولا في تفكيري ولا في ثقافتي شيئاً في ليبيا إسمه عربي أو أمازيغي أو توارقي أو تباوي. أنا كل ما يوجد في عقليتي وفي تفكيري هو "ليبيا" وبأنّنا كلّنا وبكل إنتماءاتنا... إننا أبناء وبنات هذا الوطن، وهذا الوطن هو ليبيا.

أقول للكثير من إخوتنا وأخواتنا في الشرق الليبي الذين بدأوا أخيراً يكثرون من إستخدام "إقليم برقة" بدل الشرق الليبي، ويصرّون على فرض كلمة الإقليم علينا في المناطق الغربية بأن ينعتوننا - بالنيابة عنّا - بالساكنين في "إقليم طرابلس" و"إقليم فزّان"، أقول لأهلنا في الشرق الليبي إنّكم وحدكم من يصر على تكرار الماضي الذي إنتهى، وإنّكم أنتم فقط من يحفل بالإقليميّة.
إنّ سكّان المناطق الغربيّة والجنوبيّة تأثّروا مبدأيّاً بنزعة التقسيم ونغمة التقاتل التي فرضها عليهم تجّار الدين ومرتزقة الثوريّة، لكنّهم سرعان ما إنتبهوا إلى الخدعة بمجرّد أن رأوا أبنائهم يموتون لغير سبب ومناطقهم تدك بالأسلحة الثقيلة لغير هدف. تنبّه سكّان المناطق الغربيّة والجنوبيّة إلى أولئك الذين بدأوا يعزفون على نغمة القبليّة والجهوية والعنصريّة فإجتمع أعيانهم وعقلائهم وقرّروا بأنّ لعبة العنصرية وخدعة الإنفصال سوف لن تنطلي عليهم فإتفقوا على أن يتصالحوا بعيداً عن سلطات الأمر الواقع في طرابلس وبعيداً عن السلطات المتنافسة والمتصارعة والمتشرذمة في طبرق. قرّر عقلاء المناطق الغربية والجنوبيّة بأن مصالح أهلهم هي أكبر وأقوى من الإنجرار وراء تفاهات الإخوان وتجّار الدين الآخرين الذين إستخدموا نغمة الثوّار والتديّن لإستعطاف مشاعر البسطاء. قرّرت المناطق الغربيّة والجنوبيّة التصالح فيما بينها وأنهت بذلك حروباً تافهة كادوا إن يتحوّلوا إلى وقود فيها، وبدأت المناطق الغربية تنعم بالسلام وبدأ الأمن ينتشر بين المناطق وبعضها، وبدأت الكثير من المدن الغربيّة والجنوبية تبني نفسها من داخلها وبعيداً عن الحكومة أو السلطات الأخرى التي برهنت على فشلها وعقم وتفاهة تفكير أصحابها.
تمكّنت مناطق الغرب والجنوب الليبي من تجاوز الفتنة وبدأت تتقارب وتتصالح مع بعضها، في حين ظلّت المناطق الشرقية تتصارع فيما بينها وتتقاتل ودمّرت بنغازي بالكامل من قبل أهلها والمنتمين إليها ولا أريد هنا أن أتحدّث عمّن يزوّدهم بأسلحة الدمار أو من يمدّهم بأعتدة الموت؛ فالسلاح وأعتدة الموت لا تقتل لوحدها وإنّما تحتاج إلى أيادي قاتلة تحملها وإلى عقول غبيّة تستخدمها وذلك هو ما حدث في بنغازي والكثير من المناطق الشرقيّة. إن ما تعاني منه بنغازي وبقية مدن الشرق هو من صنع أهلها والمنتمين إليها وليس من صنع الغرباء، وإذا وجد بعض الغرباء هنا أو هناك فهم يجدون من يرحّب بهم ويوفّر لهم الحواضن والمآوي.
إن نغمة "إقليم" التي تصرّون على تكرارها علينا إخوتنا في الشرق الليبي هي من سوف يفرّق ليبيا ويقسّمها. رجائي أن تحترموا بقيّة الليبيّين وتتوقّفوا عن تكرار عزف نغمة التهميش التي يستغلّها البعض لفرض منطق "الأقاليم"، فالأقاليم الثلاثة التي أصبحتم تكرروها في كل يوم أكثر من تكراركم لإسم الله كان قد عفى عليها الزمن وإنتهت بقرار من مجلس نوّاب الشعب الليبي في عام 1963. أما موضوع أن "آقاليم طرابلس وفزّان سوف تعاني من إنقسام أكبر وتناحر داخلي" كما يظن البعض من آهالي المناطق الشرقيّة، فأقول لهم وبكل تجرّد، أنّكم بذلك إمّا أنّكم لا تعرفون الحقائق أو أنّكم تحاولون تجاهلها.
المناطق الشرقيّة (إقليم برقة كما تحبّون أن تسمّوها) هي من تعاني من قبليّة متزمّتة ومتعصّبة وهي من سوف تتناحر وتتقاتل في حالة تقسيم ليبيا. المناطق الغربية يقيناً سوف لن تتقاسم وسوف لن تتناحر، فلا وجود لنفوذ القبيلة المتخلّفة فيها، وأنا ولدت وترعرعت هنا وأعرف ذلك جيّداً. نحن لم تعد توجد بيننا قبائل منذ ام 1968 وذلك بتحويل كل القبائل إلى محلًات عصرية يتولاها رئيس محلّة. أنا لم أكبر على ثقافة القبيلة بل كنت أنتمي إلى محلّة منذ نعومة أظافري. رجائي - ومن أجل ليبيا - أن تتخلّوا يا مناطق الشرق عن تكرار لغة "الأقاليم" فهي ثقافة إنتهت من تفكير الليبيّين منذ آواخر الستينات، والذين يحاولون إحياءها هم فقط من يفكّرون في الإنقسام. ليبيا إمّا أن تكون دولة موحّدة كما أراد لها الأجداد منذ عام 1963 أو أن يكون مصيرنا كمصير السودان.
علينا أن نعيها وأن ننتبه إليها، وليكن إخوتنا في الشرق على بيّنة بأن إنقسام ليبيا هو ليس في صالحهم هم على وجه الخصوص، وعلى من يختلف معي أن يراجع الحقائق الديموغرافيّة في كل ليبيا. على إخوتنا في الشرق الليبي أن يضعوا أمام أعينهم ما آل إليه السودان، وكيف أن أهل الشمال قد شعروا بالإرتياح وأنتهى بينهم شبح الحروب والإقتتالات بمجرّد إنفصال الجنوب عنهم. أنا أريد كل من يعيش في الشرق الليبي ويعتقد بالفيدرالية بأن يكون على بيّنة بأن الفيدرالية في عالمنا المتخلّف سوف تؤدّي إلى مصير واحد وهو الإنفصال. نحن لسنا سويسرا ولسنا ألمانيا ولسنا أمريكا... نحن نعيش في عالم متخلّف وثقافتنا هي من ثقافة هذا العالم الذي نعيش فيه وللأسف...
بعد أن تستقر أوضاع بلادنا وتعود ليبيا دولة كما كانت ويسود فيها القانون والنظام... حينها سوف نناقش كليبيّين وليبيّات في كامل تراب الوطن مستقبل بلادنا ومستقبل نظام الحكم عندنا. عندها قد نناقش معاً إمكانية تطبيق النظام الفيدرالي في بلادنا، ولكن ليكن معلوماً لديكم جميعاً بأننا حينها سوف لن نناقش مخلّفات الماضي ونغمة "الأقاليم الثلاثة" وكأنّها كان قد نزل بها قرآناً. سوف نناقش إعادة تقسيم ليبيا إلى مناطق جغرافية قد تكون 5 وقد تكون 10 مناطق، لكنها حتما سوف لن تكون 3 مناطق. إذا ليبيا أصبحت فيدرالية في المستقبل، فسوف لن تكون برقة وطرابلس وفزّان، لكنّها قد تكون تلك مع مصراته وغدامس والكفرة وغريان وطبرق والزاوية وزوارة. تلك الأمور سوف تطرحها فئات ليبيّة مثقّفة في زمن السلم والرخاء، وحينها سوف تتبادل حولها الآراء وسوف يكون بوسع الشعب الليبي بكل فئاته وثقافاته التصويت عليها بكل حرية وبكل مصداقية بعيداً عن سيطرة السلاح أو نفوذ المليشيات والجماعات التي تدعمها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق