Translate

الخميس، 9 أبريل 2020

محمود جبريل في جوار الجليل

 إنتقل صباح هذا اليوم في القاهرة الدكتور محمود جبريل إلى جوار ربّه بعد معاناة قصيرة مع الإصابة بفيروس كورونا. وكان الدكتور محمود جبريل قد ظهرت عليه علامات فيروس كورونا يوم 28 مارس 2020 نقل على أثرها إلى أحد المستشفيات في القاهرة، وكانت حالته قد تحسّنت بعض الشئ في البداية، لكنّه سرعان ما بدأ يعاني من مضاعفات هذا الفيروس وأخذت صحّته في التدهور منذ يوم ما قبل الأمس حتى إنتقل إلى جوار ربّه هذا الصباح... فرحمة الله عليه، ودعواتنا بالصبر والسلوان لأسرته وأصدقائه ومعارفه والمعجبين بطريقة تفكيره.
المرحوم الدكتور محمود جبريل يعتبر من كبار الذين يؤمنون بالفكرالعلماني في ليبيا، وهو شخصيّة مبدعة في طريقة تعامله مع الأشياء، وكان كما نعرف أوّل رئيس لوزراء ليبيا بعد ثورة 17 فبراير عام 2011.
ولد الدكتور محمود جبريل في مدينة البيضاء الليبيّة عام 1952، وكان قد درس تعليمه الإبتدائي والإعدادي هناك، ثم الثانوي في مدينة بنغازي، ومنها إلى جامعة القاهرة حيث تحصّل على البكالوريوس في الاقتصاد والعلوم السياسية من هناك عام 1975. بعد ذلك تم إيفاده للدراسة بالخارج، حيث تحصّل على الماجستير في العلوم السياسية من جامعة بتسبيرج بولاية بنسلفانيا في الولايات المتحدة عام 1980. تحصّل بعد ذلك على شهادة الدكتوراه في التخطيط الإستراتيجي من نفس الجامعة في عام 1984، حيث عمل فيها أستاذا للتخطيط الاستراتيجي عدة سنوات، ثم تولّى بعد ذلك تنظيم وإدارة العديد من برامج التدريب لقيادات الإدارة العليا في كثير من الدول العربية والأجنبية منها مصر والسعودية وليبيا والإمارات العربية المتحدة والأردن والمغرب وتونس وتركيا وبريطانيا.
وكان المرحوم محمود جبريل قد تقلّد منصب أمين مجلس التخطيط الوطني، ومدير مجلس التطوير الاقتصادي في عهد حكم العقيد معمّر القذّافي، كونه أحد أهم الخبراء الدوليين في المجال الاقتصادي.
وكان المرحوم قد سطع نجمه بعيد ثورة 17 فبراير، حيث عيّن رئيساً للحكومة في المجلس الوطني الانتقالي يوم 23 مارس 2011، وقام قبيلها بجهود كبيرة من أجل إقناع الدول الغربية بالإعتراف بالمجلس الإنتقالي كممثّل شرعي للشعب الليبي.
بعد ذلك، أسّس حزب تحالف القوى الوطنية الذي شارك في إنتخابات يوليو عام 2012 حيث تحصّل على الأغلبية فائزاً بذلك على الأحزاب الدينيّة والتي من بينها حزب العدالة والبناء التابع لجماعة الإخوان المسلمون. وكان نجاحة الكبير في تلك الإنتخابات قد خلق له أعداء ضمن التيّار الديني المتشدّد، وكان على رأس من حاربه علانيّة الدكتور علي الصلّابي العضو البارز في جماعة الإخوان المسلمون والذي كما نعرف كانت إمارة قطر تقف من ورائه وتدعمه بكل شئ من أجل فرض تنظيم الإخوان المسلمون لحكم ليبيا.
واصل التيّار الديني بما في ذلك بقايا الجماعة الليبيّة المقاتلة تضييقه الخناق على الدكتور محمود جبريل مما أضطرّه للهروب إلى خارج الوطن حفاظاً على حياته وحياة أفراد أسرته.
بعد خروج الدكتور محمود جبريل من المشهد السياسي في ليبيا، بدأ حزب تحالف القوى الوطنيّة في الخبوت والتحلّل حتى إنتهى ذلك الحزب كما إنتهت كل معالم الحياة السياسية الديموقراطيّة في ليبيا منذ يوليو عام 2014، حينما قامت الجماعات الدينيّة بالإنقلاب على النظام الديموقراطي الوليد، ومن حينها دخلت ليبيا في حروب داخليّة بين التيّار الديني والقوى الوطنيّة المناهضة لها؛ وكان أن برزت دول خارجيّة على مسرح الأحداث في ليبيا بقيادة إمارة قطر ومن خلفها كانت تركيا وإيطاليا وبريطانيا من بين القوى التي ناصرت التيّارات الدينية وحاربت التيّار الوطني في بلادنا الحبيبة.
رحم الله الدكتور محمود جبريل، وأتمنّى أنّنا في يوم من الأيّام نتمكّن من تحقيق رؤيته لمستقبل ليبيا كدولة عصريّة وديموقراطية ومتمدّنة بعيداً عن أفكار وعقليّات شيوخ الدين الذين يريدون فرض سلطة "العباءة الدينيّة" على الشعب الليبي والعودة بليبيا إلى عهود "الخلافة" الإسلاميّة التي كانت تحكم بسلطة الأمر الواقع وفق نظام المبايعة الذي تجاوزه الزمن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق