Translate

الاثنين، 7 يناير 2013

محنة الإخوان أفكارهم..

عن صحيفة "السفير" والمقال دلّني عليه الدكتور بشير أبو خذير


سار الإخوان على نهج سيد قطب. ميّزوا بين الإسلام والمسلمين. فصلوا بين الاثنين واعتبروا المسلمين بحاجة إلى الهداية والأسلمة من جديد، إن لم يكن بالدعوة فذلك يكون بالسلطة والعنف. اعتبروا المجتمع الإسلامي جاهلية جديدة فكأن جمهور المسلمين هم من الكفرة خارج الدين. اعتبروا مهمتهم الأساسية هي القبض على جميع مفاصل الدولة، بالتحالف مع الأجهزة الأمنية والعسكرية، من أجل انجاز المهمة. الدين بالنسبة لهم هو ما يعتقدونه هم، لا ما يعتقده الناس. لا يأبهون للتنوع في المجتمع ولا في التفسيرات الدينية. يضعون الفقه، فقههم هم، في مكانة الوحي؛ فكأن أفكارهم حول الدين هي ما أنزلته السماء. كل ما يحتاجونه هو التطبيق والممارسة لأفكار جاهزة. لا مكان للنظر والنظرية. تقنيات الدين والعباءة، الطقوس وأسلوب الملبس والمشرب، هي ذات الأولوية الأولى. الأفكار جاهزة. البرنامج منزل. ما على الناس إلا التطبيق، فيما يتعلق بشؤون العبادة وأمور الدنيا. لا يميِّزون بين الدين والدنيا، ولا يعترفون بأن الناس أدرى بشؤون دنياهم. لأول مرة في التاريخ يُلغى الاجتهاد. يُعطَل العقل لمصلحة النقل، والنقل يأتي عن طريقهم. هناك طريق واحدة للاتصال بالسماء لا يعرفها أحد غيرهم. يحتكرون القنوات، ويغلقون القنوات الأخرى. يتولون الرسالة بعد صاحب الرسالة. وضعوا أنفسهم مكانه. وفي ذلك ادعاء يخرجهم من الاعتقاد بانتهاء النبوات بعد خطبة الوداع: اليوم أكملت لكم دينكم.
حوّلوا الثورة إلى صراع هوية، صراع حول الهوية، حرب على هوية المجتمع. مهمة الحاكم في تاريخ مجتمعاتنا هي الدفاع عن الأرض وحفظ النفس والعرض والمال. مهمة الدولة الحديثة هي إيجاد الحلول لمشاكل المجتمع الاقتصادية والاجتماعية، إضافة إلى الدفاع عن أرض الدولة في وجه الاعتداءات من الخارج. مهمة الديموقراطية هي جعل السلطة تعبر عن المجتمع، عن إرادة المجتمع، لا تقرير هويته. مهمة السلطة تتعلق بأسباب العيش لا بأشكال الهوية. يتجاهلون كل ذلك ويجهلون ان الهوية يقررها التاريخ، ويقررها الناس كمشروع للمستقبل. يريدون كتابة التاريخ، ولا يعرفون ان التاريخ يصنعه الناس بعملهم وجهدهم وإنتاجهم وسعيهم.. ليس من يكتب التاريخ هو من يصنعه. وفي المجتمع تنوع، ولدى كل فرد تعدد هويات. يريدون فرض هوية واحدة على المجتمع. في ذلك قسر وإكراه. فرض هوية واحدة على المجتمع يقود إلى الحرب الأهلية، وقبل ذلك نظام توتاليتاري يفتت المجتمع. حكم الطغاة لا يوحد المجتمع، بل يفتته ويكسّره، لأنه يمنع إمكان العيش سوية بالسياسة والفهم والتفاهم المتبادل. التنوع واقع أنتجه التاريخ، وتطور المجتمع، ولا يلغى بسلطة مهما كانت ديكتاتورية وتوتاليتارية. صراع الهوية هو في كل الظروف والأحيان حرب على المجتمع. توحيد الهوية حرب على المجتمع. لا ينتج توحيد الهوية إلا بوسائل العنف. يتوحد المجتمع بالسياسة ويتفتت بالاستبداد والإكراه. يتوحد المجتمع بالتسوية بين الهويات.
العنصرية هي الوجه الآخر للتكفير وفرض الهوية. لا تحتاج العرقية إلى أعراق كي توجد. العنصرية والعرقية تعبيران عن شيء واحد يتلخص في اعتبار المجتمع منقسماً بين «نحن» و«هم». نحن الذين على صواب وامتلاك الحقيقة؛ نحن النبلاء؛ وهم الأرذال والآثمون والمخطئون. أصحاب الفضيلة في مواجهة أصحاب الرذيلة. وما يقرر أفعال الفضيلة أو الرذيلة ليس الإرادة بل «الأصل». في هذه الحالة الأصل هو ما يُفترض ان يكون الدين والمعتقد اللذين يأخذان مكان الجينات البيولوجية. يتكون «عرق» الإخوان المسلمين على أساس ديني أصولي. هم يعتبرون أن لديهم أصل الدين. الأصل جذر يقرر الجذع، والجذع يقرر الأغصان. الأصل سابقة تقرر النوازل اللاحقة. كان الأصل لدى الإخوان المسلمين، قبل سيد قطب يتعلق بالعبادات لا بالمعاملات، صار يتعلق بالعبادات والمعاملات. يتوقف التاريخ. يبطل التطور. نهاية التاريخ ليست نظرية إمبراطورية وحسب؛ هي أيضاً نظرية توابع الإمبراطورية.
عند أصحاب النظريات العنصرية، الرذيلة ليست خروجاً على المألوف بل هي جريمة لا يتحمل الفرد المرتكب مسؤوليتها بقدر ما تتحملها الجماعة التي ينتمي إليها هذا الفرد، أو يفترض انه ينتمي إليها. يتحلل الفرد من المسؤولية، لا يعود مسؤولاً عن أفعاله، تحمل جماعته المسؤولية. ما يبدأ تسامحاً يصير جريمة جماعية، قتلاً جماعياً، إبادة جماعية. يستوي الكذب والصدق مع المماهاة بين الجريمة والرذيلة. تتلاشى الأخلاق. يصبح الدين غير ذي قاعدة. بدل أن يكون الدين تنظيماً للأخلاق، يصير على أيدي هؤلاء خطراً عليها.
السياسة عندهم ليست غاية بل وسيلة. الأمة وسيلة. الشعب وسيلة. الديموقراطية مسألة تقنية. الناس أدوات لتنفيذ برامجهم المسبقة. لا يهمهم تمكين المجتمع بمقدار تمكين جماعتهم. قيل إن تمكين جماعته برنامج سري وضع منذ سنوات.
السؤال هو: هل يستطيعون إدارة شؤون الأمة في القرن الواحد والعشرين بأدوات ذهنية يكون فيها الاستبعاد والتكفير، والعرقية والعنصرية، وصراع الهوية، وبقية الأفكار الرديئة الباقية من بدايات القرن العشرين؟ 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق