الإسلام لا يحتاج إلى من يدافع عنه، ولا من يجاهد نفسه أو يحمّلها العناء من أجل نصرته أو نشره.
الإسلام أنزله الله متكاملاً وأرسله إلى الناس كاملاً، والخطأ إن حدث فهو بسبب من ربّما حاول تطبيق جزئيّة من الدين حسب فهمه وحسب معرفته فأخطأ أو أصاب.
الإسلام ظهر من حيث لم نكن نعرف، وكان قد بدأ بشخص واحد لا يملك سلاحاً ولا يملك مالاً ولا يملك نفوذاً كما نعرف، لكنّه اليوم ينتشر في كل بلاد الدنيا وهو لا يحتاج إلى كتائب فرقان أو جبهة نصرة أو أنصار شريعة أو أنصار إسلام أو جماعات جهاديّة...
الإسلام يحتاج إلى شئ واحد يتوجّب على المسلمين - كل المسلمين - فعله، وهو تركه "لحاله" هكذا وبدون وصاية، فهو سوف يجد طريقه إلى قلوب وآحاسيس البشر بدون طنطنة وبدون حملات دعوية أو دعائيّة، وبدون الحاجة لإستخام العنف أو اللجوء إلى إستخدام القوّة.
كنت أتناقش بالأمس مع شابّة مسيحيّة، متعلّمة ومهنيّة - وهي خبيرة في مجال تخصّصها - عن بعض القضايا التي تواجهنا كأطباء والتي من بينها إحساس بعض المرضى بفقدان الأمل وتلك النظرة التشاؤمية لبعضهم حينما يخبرون عن إصابتهم بعلّة ما وخاصّة لو كانت مزمنة ولا علاج لها في الوقت الحاضر. جرّنا هذا الموضوع إلى الحديث عن الطرق والوسائل التي نتبعها نحن الأطباء لبناء ثقة أمثال هؤلاء المرضي بأنفسهم وبقدراتهم الكامنة في داخل أنفسهم، وحدث أنّني ذكرت ترجمة لأية قرآنية تتحدّث عن "اليسر بعد العسر" وذكرت لمحدّثتي بأنّني أتلوا هذا الكلام في سرّي كل صباح قبل خروجي من البيت ذاهباً إلى العمل حتى أبقى متفائلاً رغم مصاعب الحياة. لم أذكر لها بأنّها من القرآن حتى شدّها فضولها إلى أن سألتني عن مصدرها، فقلت لها بأنّني مسلم وبأنّ هذا الكلام مأخوذ من أية من كتابنا المقدّس وهو "القرآن" فحدث أنّني قرأت لها تلك الآية وآية أخرى من نفس السورة آتت بعدها لتأكيدها.. وكنت قرأت ذلك عفوياً بالعربي ( لاتعرف هي عربي !)، فطلبت منّي ترجمتها للإنجليزيّة وأخذت تكتب الترجمة بشغف في مفكّرتها قائلة بأنّها سوف تناولها لأمّها وبعض معارفها لأنّهم حسب قولها فاقدون للأمل في الحياة، ويكثرون من التشاؤم والسلبية تجاه أنفسهم.
أعطيتها الترجمة الرسميّة للأية: {{فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا }}، فكتبتها كاملة وهي فرحة مسرورة لأنّها سوف تحمل لأمّها شيئاً ما يساعدها على القناعة والرضاء بنصيبها في الدنيا كما قالت لي Emma وهي محدّثتي.
قلت في نفسي بعد أن ذهبت محدّثتي إلى حال سبيلها.... هكذا يمكننا نقل وحي وروح الدين الإسلامي إلى الآخرين الذين لم يقرأوا عنه ولم يمارسوه من قبل، وسوف نجد حينها إن فعلنا ذلك بكل هدوء وبكل تآخي وبكل محبّة للآخرين... بأنّ الناس سوف تتلقّف هذا الدين بكل شغف وبكل إهتمام (هذه القصّة حقيقيّة وليست نسجاً من الخيال لتثبيت الفكرة). تصوّرت نفسي بعد ذلك تاركاً شعر ذقني (لحيتي) إلى منتصف صدري وهو غير موظّب وغير مهذّب، وكنت أرتدي جلابيب واسعة وسروالاً(بنطلوناً) مشمّراً وصندالاً (شبشب) وكان كرشي يتدلّى أمامي وكنت أنظر إلى تلك الشابّة بكل ريبة لأنّها "من الكفّار"، ثم أخذت أرتّل عليها من القرآن كل ماتحدّث عن "عذاب جهنّم وبئس المصير" وكنت ربّما ذكرت لها كيف سوف يشوي الله يوم القيامة كل فرسخ تركته عارياً من جسدها... ثم قلت متحسّراً: ترى كيف كانت ستكون ردود أفعالها، وكيف كانت ستكون نظرتها للإسلام؟. إكتفيت للإجابة على تلك التساؤلات بترديد قول الله تعالى في كتابه العزيز: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}.
نعم.... إنّه هو دين الإسلام، دين الرحمة، ودين المعاملة الحسنة، ودين الكلمة الطيّبة الرقيقة، ودين التآلف بين بني البشر بغض النظر عن معتقداتهم وأشكالهم وعرقياتهم وأماكن تواجدهم. ذلك هو دين الله الذي أرسله للبشر ليساعدهم على فهم حياتهم وفهم كنههم، وهو الدين الذي يمكّنهم من التعرّف على قدراتهم الكامنة في أنفسهم... وهذا الدين لو تركناه لوحده لتمكّن من عقول وقلوب البشر بكل يسر وسلام وبدون الحاجة لمحاولات فرضه بالقوّة أو نشره بالعنف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق