Translate

السبت، 30 أغسطس 2014

لماذا هكذا.... يرخص الوطن في عيوننا ؟


منذ أن كنت صغيراً، كنت أعرف دوماً بأنّ الوطن هو أعز شئ في حياة الإنسان... فهو يعني الإنتماء وهو يعني الآمان وهو يعني الإعتبار. كانوا يعلّموننا بأن الوطن هو أكبر منّا ومن رغباتنا مهما كبرت، وبأنّه أثمن من كل أشيائنا الثمينة مهما بهظ سعرها، وبأنّ الإنسان الشريف تهون عليه حياته في سبيل سلامة وأمن الوطن. كنّا نتغنّى في الصغر: نموت...نموت ...ويحيا الوطن.

حينما أرى الناس تتكالب على المقتنيات وتسعى للإستحواذ وبأي ثمن، أقول في نفسي: لماذا؟. حينما يتآمر أي إنسان على وطنه في سبيل تحقيق مكاسب شخصيّة نقول عنه بأنّه خائن للوطن، وحينما يعتدي أي إنسان على تراب الوطن أو يهين بلده نقول عنه بأنّه فاقد للوطنيّة، وحينما يتعدّى المواطن على قوانين البلد ويخرقها نقول عنه بأنّه مجرم ونطالب بمحاكمته... لماذا نحن هكذا نقدّس الوطن، ولماذا نحن هكذا تهون ارواحنا في سبيل الذود عنه؟. لأنّه - وبكل بساطة - وطننا. لأنّه حياتنا ومرجعنا وشخصيّتنا... لأنّه رمزنا الذي نفتخر بالإنتماء إليه. الوطن يا إخوتي ويا أخواتي قيمته كبيرة وعالية جداً لو ننا فقط حاولنا في زحمة الأحداث والمتناقضات الجلوس والتفكير في معنى وقيمة الوطن.

عندما أنظر حولي وأجد الناس وهي تتكالب على السلطة وتتقاتل من أجل بعض المغانم وتدمّر الوطن في سبيل ذلك،،، أحس بالأسى... أحسّ بالمرارة... أحس بالحنق.... أحس بغضب كبير وعميق ... أحس بألم يعتصرني فيتركني وأنا لا أعرف ماذا عساي أن أفعل.

إنّني والله أستغرب أن أرى خيرة رجال ونساء ليبيا وهم يتقاتلون من أجل مجد زائف وسلطة زائلة، ومن أجل تحقيق مطالب هي نفسها لا تنتمي إليهم وإنّما يوشوش لهم بها غيرهم ممّن لا يحسّون بقيمة الوطن لأنّه لا ينتمي إليهم ولآنّهم لا ينتمون إليه.

أعود لموضوع الفوضى التي تعاني منها بلادنا الآن... لماذا يا أهل ليبيا؟. لماذا هكذا نحن نتقاتل ويشرّد بعضنا البعض؟. لماذا يا سادتي بلغت بنا الآنانية هذا المبلغ، ولماذا ترتفع قيمة الأشياء عندنا فوق قيم البشر؟. إنّني والله أستغرب كيف يتغوّل الإنسان على أخيه الإنسان؟. كيف يقدم شخص على قتل شخص آخر لمجرّد أنّه يعتبره كعدو له؟. لماذا يا سادتي ترخص عندنا قيمة الإنسان بهذا الشكل؟. 
لا أدري... ولنترك الدين جانباً، ولنترك الأعراف جانباً..... ألسنا بشر نحسّ ونتألّم ونمرض ونعطش ونجوع؟. هل فكّر أحدنا في غيره من بين أولئك الذين يسبّب لهم الألم ويشعرهم بالأسى حينما يطردهم من بيوتهم أو يسرق قوتهم أو يكون السبب في معاناتهم؟. هل فكّرنا يوماً بأن نتقاسم مع بعض ما نجده بين أيدينا ونستطيب بذلك عن قناعة ورضاء؟. هل فكّر أحدنا في معاناة الغير... في شقائهم... في ألامهم... في آحاسيسهم؟. هل فكّر أحدنا بأن غيره أيضاً يحس ويتألّم ويحلم ويتمنّى ويريد أن يعيش؟. لماذا هكذا نحن أصبحنا مثل الحيوانات المفترسة.... ألسنا من كرّمنا الله على بقيّة مخلوقاته بمقدرتنا على التفكير والتدبّر وبرقي الأحاسيس عندنا؟.

لماذا يا سادتي لا يجلس أحدنا مع نفسه يحاكيها ويتواصل معها... يراجعها ويحاسبها فيوقظ المشاعر الإنسانيّة في داخلها؟.
أقول لكل من يجري وراء "قسورة" و"فجر ليبيا" وبقية المطامع.... ليبيا هي أكبر منكم جميعاً، وفي ليبيا من الخير ما يكفينا جميعاً فلماذا هذا التكالب، ولماذا هذه الأنانية؟.

أتقوا الله يا أيها الناس وعودوا إلى صوابكم. من يرد منكم السلطة فليتعامل مع الناس بلطف وسوف يحصل عليها. من يرد منكم المال، فليتق الله وسوف يحصل عليه. من يرد منكم الجاه، فليسعى له بحب الناس وطاعة الرب وسوف يحصل عليه. من يرد منكم أن يحكم فليرحم هذا الشعب وسوف يحكم. خيركم من يحكمكم بحلم ورحمة وحنان بدل أن يقتلكم ويخيفكم ويسوّد حياتكم فيضعفكم ويرهقكم وبعدها يتسيّد عليكم.... أي فخر في هذا، وأي مجد أنتم تتحدّثون عنه يا أتباع الطواغيت.

فليذهب الإخوان إلى الجحيم، وليذهب الطمّاعون وعشاق الكراسي إلى الجحيم، ولتبقى ليبيا لأهلها الذين يحبّونها كوطن وليس كغنيمة.... وليذهب أولئك الذين يسيل لعابهم الآن وهم يحلمون بوظيفة تقذف إليهم يتنغّمون من خلالها... فليذهبوا بطمعهم إلى مآسيهم وكآباتهم وشقائهم وعنائهم، فإنّهم والله سوف لن يحسّوا بالسعادة أبداً. قسماً بالله فإنّ فلاحاً في إحدى البراري، أو راعياً في إحدى الفيافي لهو أسعد منهم وإهنأ بالاً لو أنّهم يفقهون.... لكنّهم قطعاً سوف لن يفقهوا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق