Translate

الجمعة، 5 سبتمبر 2014

لا... وألف "لا"... للهجوم على طرابلس

الإنتخار ليس بالضرور هو أن تقتل نفسك، وإنّما الإنتحار هو أنّك تتخذ القرار الخطأ في التوقيت الخطأ، فيؤدّي ذلك إلى حدوث كارثة تكون أكثر كارثيّة من الإنتحار نفسه.

صرّح الرائد محمّد حجازي الناطق الرسمي بإسم جيش "عمليّة الكرامة" بأن الجيش الليبي يستعد الآن للهجوم على طرابلس لتحريرها من الميليشيات، وبأن الهجوم سوف يكون كاسحاً.
أقول للرائد حجازي... أنا من انصار "عمليّة الكرامة" ليس حبّاً في اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وليس عداء لأي طرف آخر، وإنّما أنا من أنصار "عمليّة الكرامة" لأنّني رأيت فيها إنتصاراً لكرامة جيشنا الليبي الذي أهين وقطّعت أوصاله من قبل مجموعة من القتلة ممّن يرتهبون من مجرّد سماع كلمة "الجيش" لأنّهم يرون في الجيوش النضاميّة خطراً يهدّد وجودهم، فوجودهم من حيث الأساس يتعارض في جوهره مع وجود مؤسّسات الدولة الرسميّة والتي يعتبر الجيش من أهمّها، فهم في حقيقتهم وطريقة تفكيرهم لا يؤمنون بالدولة ولا يعترفون بمؤسّساتها.

أنا من أشد المؤمنين بالدولة العصريّة بكل متطلّباتها، ولا يمكن أن يقنعني أي إنسان على وجه الأرض بأن أعيش بمعطيات الماضي مهما كانت مقدّسة بالنسبة له. أنا إبن اليوم ولا أقبل بالعيش إلاّ بمعطيات وقواعد اليوم، لأنّني إنسان واقعي والواقعيّة عندي تعني العيش بما يحيط بي وبما أشاهده بعيني وألمسه بيدي ويمكنني التفاعل معه والتأثير فيه.
أنا لا أحفل كثيراً بالماضي، فيكفي بالنسبة لي أنّه مضى وذهب ولا يمكنني تغييره أو التأثير فيه. قال أرسطوطل "حياة لا تستطيع أن تؤثّر فيها لا معنى للعيش فيها"، بمعنى أن الإنسان الذي يعيش الحياة ويستطيبها لابد وان يكون جزءاً مؤثّراً فيها بما يستطيع.

 من هذا المنطلق ومن هذه البديهة، أنا لا أستطيع العيش بمعطيات الماضي ذلك لأنّني لا أستطيع أن أضع عليها بصماتي، فأنا لا أستطيع تغيير معطياتها ومجراها.

إذاً، وإنطلاقاً من هكذا قناعة فأنا ناصرت الكرامة ووقفت مشجّعاً للكرامة وسوف أبقى مشجّعاً لعمليّة الكرامة لأنّني رأيت فيها إنتصاراً لحق كان قد أغتصب ورغبة أكيدة لإستعادة ذلك الحق لأهله الذين اغتصب منهم وهم أفراد الجيش وأفراد الشرطة وأفراد الأمن. أنا وكما ذكرت مع الدولة العصريّة بكل أبجدياتها المعلنة، وبكل متطلبات وجودها وإستمراريتها، لأن الدولة العصرية الحديثة بالنسبة لي هي من سوف تحقّق لي أحلامي وتطلّعاتي. الدولة العصرية هي من يفتح لي الطريق للمساهمة في صنع الحاضر والبرمجة للغد. الدولة العصريّة هي من يشعرني بأنّني أعيش بمعطيات هذا الزمن ويمكّنني من التأثير في مسار أحداثه.

وإنطلاقاً مرّة أخرى من قناعتي بعمليّة الكرامة وإحترامي لكل من يشارك فيها بقلب على الوطن وإحساس مع جيش الوطن فإنّني أود أن أقول وبقوّة للرائد محمّد حجازي بأنّ مجرّد التفكير في الهجوم على طرابلس هو يدخل في باب الغباء الإستراتيجي ويجب نعته على أنّه يعتبر ضرباً من ضروب الجنون.

يا حضرة الرائد... مع كل إحترامي لكل التضحيات التي يقوم بها الجيش الليبي التابع للواء خليفة حفتر، فإنّني أرغب في أن اقولها وبكل صراحة... إنّ الوضع العسكري والميداني لهذا الجزء من الجيش الليبي لايبشّر بالإطمئنان وأقولها بكل حرقة لكنّني لا أحب أن أخفيها. الجيش الوطني التابع للواء خليفة حفتر لا يسيطر الآن على أكثر من 10% من التراب الليبي، وهو لا يستطيع أن يوفّر الحماية لمطار بنينة ولا لمطار الأبرق، وقد يكون مطار طبرق هو بدوره مازال في دائرة الخطر. درنة بكاملها تتبع لمن لا يؤمنون بالدولة الليبية، ومن كانوا ومازالوا يستغلّون  أية سانحة من سوانح الفرص كي ينتقموا من أفراد وضبّاط الجيش الليبي على إساس أنّه عنوان الدولة التي يرهبونها لسبب واحد وهو أن الدولة تقف عقبة كأداة في وجه طموحاتهم بل وتحول بينهم وبين تلك الطموحات.
يا حضرة الرائد حجازي... درنة هي تعزف خارج السرب ومعها بنغازي والكثير من إجدابيا وأكثر من ثلثي سرت وأربعة أخماس مصراته، وحضرتك تفكّر في مهاجمة طرابلس؟. مثل هكذا تفكير يفقدني الثقة بك كعسكري ناجح، لأن هذا النوع من التفكير هو ضرب من الغباء الإسترتيجي والتكتيكي أيضاً.
أنا لست بالعسكري، لكنّني اعرف من خلال المنطق الذي أؤمن به بشكل كبير جداً بأن على الجيش كي ينتشر وينتصر أن يؤمّن الأرضية التي ينطلق منها. جيش الكرامة لم يؤمّن الأرضية التي يقيم عليها، ولا تلك التي ينطلق منها، وحتى أجوائه الجويّة التي يمتلكها هي غير آمنة، فكيف بمثل هذا الجيش أن يهدّد بمهاجة العاصمة؟.

العاصمة يا سيادة الرائد يسكنها ما يقارب من المليونين من البشر، وهي تعتبر وحتى بالقياس الليبي مكتظّة جداً بالسكّان، وعاصمة ليبيا بفضل الله لم يتم إجتياحها منذ زمن الإحتلال الإيطالي، فكيف تفكّرون في إجتياحها؟.
أنا فرحت جداً بإنسحاب الكتائب التابعة للجيش الليبي من المطار وإعتبرت ذلك قمة في الذكاء والتخطيط لأنّه بالفعل أنقذ العاصمة من دمار ماحق، وأنقذ أهلها من مجزرة كانت سوف تكون غير مسبوقة في تاريخها. الصراع في نهاية المطاف هو بين طائفتين ليبيّتين الفائز منهما يعتبر بكل المقاييس خاسراً، والذي يخسر في مثل هذه الحالات هو إنّما يخسر لإبن وطنه ولا ضير في أن تنتصر هذه الفئة على تلك فالبلاد في نهاية الأمر مازالت تحت سيطرة أهلها والزمن هو وحده من سوف يوقض الضمائر النائمة والغافلة.

كيف يمكن إعادة العاصمة لحضن شرعيّة الدولة بدون قتال وبدون "تفحيجات".. هذا ما سوف أطرحه كوجهة نظر يوم الغد بإذن الله.  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق