للكاتبه: وفاء البوعيسي، عن "ليبيا المستقبل"
تقديم:
اطلعت على اقتراحات الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور، وكان لي عليها الكثير من المآخذ، غير أن إيراد كل مآخذي سيأخذ وقتاً طويلاً، لذا سيقتصر الحديث هنا على المواد المتعلقة بشكل الدولة والأحزاب السياسية، تاركةً البقية لغيري من الكتاب.
في بيان شكل الدولة:
بالطبع إن أكثر ما شغلني، كان موقف الهيئة من الشريعة الإسلامية وموقعها من الدستور، والتي جاءت بالمواد 7 و 8. المادة 7 هي كارثة حقيقية على ليبيا، وهي طويلة بعض الشيء، لكن نص مطلعها على الآتي: "ليبيا دولة إسلامية، جزء من المغرب العربي الكبير وقسم من أفريقيا" ...الخ. مادة تبدو محيرة للوهلة الأولى، فهل أنت أمام إعلان لدولة دينية ثالثة بعد السعودية وإيران، أم أنك أمام صياغة معيبة للقول إن ليبيا بلدٌ مسلم؟
بالتدقيق جيداً في هذه المادة، وقراءة ما بعدها مباشرة وعلى طول الدستور، سيظهر من دون أي مجال للشك، أن المقصود أن ليبيا هي دولة دينية، أي أنها ليست دولةً مدنيةً تحتكم لقيم الديموقراطية، بل تحتكم إلى قواعد الدين الإسلامي، والدليل على ذلك أن كلمة ديموقراطية لم ترد مطلقاً في هذا الباب، الذي يتكون من عشرات المواد!
ليبيا دولة إسلامية، يعني دولة ثيوقراطية يحكمها رجال الدين المسلمون، يعني دولة تأخذ الرضا من مفتٍ تدفع له راتب رئيس دولة شهرياً، وتدخل معه في حلف علني، ليقدم لها الفتوى التي تدعم وجودها وطغيانها على قلوب الناس إلى الأبد، بالضبط كما يحدث بالسعودية وإيران، حيث لرجال الدين هناك كلمة عليا حتى على حقوق الإنسان، بل وعلى الثوابت الوطنية للبلد، يمنحون رخصة الذهاب لحرب، أو احتلال بلد آخر أو التمهيد لإحتلاله، أو التبشير بمذهبهم خارج حدودهم، بالضبط كالسعودية التي أخذت الفتوى من الرجال الدين، لتسهيل احتلال العراق ولتصدير مذهبها الإرهابي للخارج، وبالضبط كإيران التي تأتمر بأمر الملالي في قُم، وتأخذ منهم الفتوى للتدخل بالعراق، ولقمع حقوق الأقليات المسلمة من طوائف أخرى، ولتصدير مذهبها لشمال أفريقيا لقطع الطريق على السعودية حين تفعل نفس الشيء.
أما المادة 8 فهي كارثة أخرى تدعم الكارثة الأولى، التي ستتنزل على رؤوس الليبيين جميعاً، إذ تقول المادة حرفياً:
مصدر التشريع
1= الإسلام دين الدولة، وأحكام الشريعة الإسلامية مصدر كل تشريع، ولا يجوز إصدار أي تشريع يخالفها، وكل ما يصدر بالمخالفة يعد باطلاً.
2= تلتزم الدولة بسن التشريعات اللازمة لمنع نشر وإشاعة العقائد المخالفة للشريعة الإسلامية، والممارسات المنافية لها.
3= تلتزم الدولة بسن التشريعات التي تجرّم الإعتداء على المقدسات الإسلامية، أو إهانة الذات الإلهية، أو القرآن الكريم أو السنة النبوية أو الأنبياء أو شخص الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أو أمهات المؤمنين أو صحابته رضي الله عنهم أجميعن.
(لا يجوز تعديل هذه المادة).
أولاً: كان يجب أن تكون المادة هكذا: الشعب في ليبيا دينه الإسلام، وليس الإسلام دين الدولة، فالدولة مؤسسة سياسية اعتبارية، يتعاقب على تمثيلها عدد من الأشخاص كل فترة، فهي بلا طعم ولا لون ولا رائحة حتى يكون لها معتقد، لكن جرى التأكيد هنا على أن ليبيا دولة دينية بكل وضوح.
ثانياً: لم يحدد لنا مشروع الدستور، مراده بمصطلح أحكام الشريعة الإسلامية، فما المقصود بـ "أحكام" وما الـ "شريعة" وأي "إسلامية"؟ ففي الإسلام ثمة أحكام عامة وأخرى قطعية؟ وهل يُقصد بأحكام الشريعة هنا هي أحكام الفقه مثلاً؟ وإن كان كذلك، فعلي أي فقه يجب أن نعتمد وليبيا فيها حنابلة، ومتصوفة، وإباضية؟ أم هل يُقصد بالشريعة كلام الشارع الحكيم (الله) بالقرآن والسنة، ولو كان الأخير هو المقصود فبفهم من بالضبط يجري العمل بكلام هذا الشارع، بفهم السلف أم بفهم المتأخرين، أم بفهم المعاصرين، أم بفهم داعش؟ وإن اعتمدنا فهم أحد من هؤلاء بالذات، فهل يعقل أن ننزله منزلة كلام الشارع الحكيم، ونجعل فهمه هو القبة التي يستظل بها كل قانون؟ ولو قدر واحتكمنا إلى فهم معين بالذات ـ وهذا مستحيل ـ فهل نلغي إدارة الفتوى والتشريع القانونية، التي تسن لنا كقانونيين أحكام وأدبيات سير علمية التشريع بليبيا أم ماذا؟ ثم إنه أي إسلام بالضبط الذي سنحتكم لشريعته فالإسلام إسلامات اليوم، وإلا لما كان هناك سنة وشيعة وخوارج وإسماعيلية وقاعدة ثم أنصار شريعة وأخيراً داعش؟ فهل تعرفون فرقة أو مذهباً أو طائفةً أو فصيلاً انعقدت له كل ألوية الجماعات الأخرى؟
يعني تخيلوا معي أيها القرّاء، أننا لازلنا في جدال حول ضبط كلمة شريعة بعد 14 قرن من الإسلام، لكونها فضفاضة وهلامية، ومُخَتلفٌ بشأنها عبر كل العصور وبكل المدارس الفقهية، والتمسك بها في الدستور يشبه الإنتحار السياسي بطئ الأمد، ولا يبدو لي على الإطلاق، أن أعضاء هذه الهيئة يدخرون الخير لليبيا، أو يأملون لها مستقبلاً ديموقراطياً زاهراً، بل يعملون بوضوح على أن تلحق ليبيا بركب البلدان الثيوقراطية المتخلفة.
ثالثاً: الفقرة الثانية من ذات المادة، لا تعني عندي إلا أن الهيئة إنما تعتزم إدخال داعش من الشباك، بالوقت الذي يحاول العالم كله طردها من الباب، فهي تعتدي بكل وقاحة على حق الضمير، وحق الإنسان في أن يكون له دينه الذي يرتضيه لنفسه أو ألا يكون له دين بالمرة، إنها أدبيات داعش بكل ضراوتها، حين اقتلعت المسيحيين والأزيديين من أرضهم التي عاشوا فيها لمئات السنين، لأنها لا تعترف بغير الإسلام في العالم كله، بل ولا تعترف إلا بإسلامها هي، وأكثر من هذا إنها مادة غير دستورية، تحتاج لثورة أخرى وقتلى وتدخلات أجنبية وإقليمية لإلغائها بدستور آخر، لإنها ببساطة تحظر حتى على ضيوف ليبيا من المبتعثين الأجانب، والدبلوماسيين، والعمالة التي تستقدمها لسد النقص لديها، في مجالات الصحة وحماية البيئة من آسيا وأفريقيا وأوربا، أن يكونوا مسيحيين أو سيخاً أو هندوساً .. الخ، وهذا يستلزم منهم النفاق بإظهار الإسلام وإضمار الكفر، تماماً مثل جماعات داعش بكل مكان الآن، التي لا تعترف بغير إسلامها هي، وما عليك لأجل النجاة بحياتك، إلا أن تلقي بالشهادتين أمامهم لتستمر بالحياة.
رابعاً: إن الدستور إنما يشرعن لحرب جهادية معلنة على المخالفين، فكل برنامج تلفزيوني، كل قناة فضائية هي عرضة للحجب، طالما أنها بثت احتفالات المسيحيين بعيد الميلاد، أو طقوساً وثنية لجماعات بدائية ..الخ، وكل صلاة لمسيحي في كنيسته ـ في بلادنا ـ هي عرضة للتخريب والوقف، وأي احتفال للأمازيغ أو الفرس والأكراد بأعيادهم الوطنية عندنا، سيفتح النار عليهم، لأنهم يكونون قد أتوا جميعاً ما ينافي الشريعة الإسلامية، أما أي إنسان يمارس حقه في نقد الشريعة الإسلامية، فسيكون عرضة للذبح، وفي حالتي أنا بالذات فسيكون عليّ أن أنسى مواطنتي، وأترك بلدي ولا أفكر بالعودة إليه مطلقاً.
خامساً: حبذا لو يضع القرّاء الكرام خريطة العالم أمام أعينهم، ويدققوا في أي بلد يطبق الشريعة الإسلامية، وليسموا لي الدولة التي تُعد من البلدان المتحضرة، بما ساهمت به في تقدم البشرية بالعلوم والإختراعات وتحسين مستوى مواطنيها على كل الأصعدة، لكنهم لن يجدوا ولا واحدة على الإطلاق، بل سيجدون كل هذه الدول من بين الدول المتسولة، أو المنقسمة التي تعاني الاضطرابات الأهلية، أو التي تصدّر الإرهاب خارج أراضيها، أو التي تسلك مواطنيها في الفقر، في حين يظل حكامها متنعمين بثرواتهم دون حساب أو محاكمة.
سادساً: سلفاً سأتكفل بالرد على الإعتراض التقليدي المتوقع بهذه الحالة، وهي أن أولئك الحكام لا يطبقون الشريعة الإسلامية، وإلا لعاشت شعوبهم الرخاء والتقدم، وأنهم تجار دين فقط، فسيسعدني كثيراً أن أخيب ظن الجميع، فكل الحكام الذين يطبقون الشريعة الإسلامية، إنما يطبقونها كما وصلتهم من السلف عن النبي بلا زيادة ولا نقصان، فحد السرقة مثلاً وهو قطع اليد من الرسغ أو حتى منتهى الأصابع، لا يطبق إلا على "الوضيع"، ويستوي فيه من سرق لأول مرة بحياته، أو من كان يتكسب طوال حياتها منها، لكنه لا يطبق على الحُكام وولاة الأمر، فلو وُليَّ أحدٌ ما وزارة من الوزارات، وكان تحت يده ملايين الدينارات فاختلسها، مباشرة أو من خلال مشاريع وهمية، فلن يطبق عليه الحد، لحديث نبوي يعرفه كل من درس الفقه بكليات القانون بليبيا، يقول "ليس على خائن ولا منتهب ولا مختلس قطع"، أي باختصار سينجو من تطبيق حد السرقة، رئيس وزراء ليبي متهم بسرقة 5 مليار دينار، لأنه لا يُعد في حكم اللص بل خائن للأمانة، وخائن الأمانة لا حد عليه، في حين تُقطع يد مواطن ربما سرق لحاجة، أو لضعف في نفسه لم يستطع مقاومته، أو حتى ظلماً بسبب تدبير الجريمة من غريم له بشاهدين، لهذا لا عجب أن يتنعّم أمراء السعودية وحكام إيران بأموال شعوبهم، من دون مخافة التعرض للقطع مثل العامة، ولو جئنا ندقق في تطبيق حد الرجم على الزناة، فسنرى أن أغلب الحالات إنما وقعت على المرأة وحدها، لإنها لا تستطيع مطلقا الإتيان بأربعة شهداء على أنها تعرضت للإغتصاب، إلا إذا وقع الفعل على رصيف أو أمام مسجد وقت الصلاة، فإن اشتكت المرأة أنها اغتُصِبت رُجمت، وإن دافعت عن نفسها بقتل المعتدي قُتِلت حداً، كما حدث مع الإيرانية ريحانة جباري التي دافعت عن عرضها ضد رجل معتدي، فأخذت منها الشريعة الإسلامية حياتها أنظر هنا ، ولهذا لا عجب أن لا نرى أي محاسبة، على فجور بعض أمراء السعودية بكل مكان يحلّون به، ولا عجب أيضاً أن نرى إمعان ملالي إيران في التفحش الجنسي من دون أي مراقبة أو حساب.
ولست آتي بهذه التخريجات من جيبي، فالنبي نفسه لم يطبق أحكام الإسلام على الكل، فصحيح البخاري ومسلم، وكتب السيرة من الطبري للمتأخرين، تقدم لنا كثيراً من الوقائع التي تجاوز فيها النبي عن إقامة الحد رغم وجوب تطبيقه، فهو مثلاً لم يقتل خالداً بن الوليد حين كان على رأس سريّة، وأمره بعدم قتل من أرسله إليهم فإذا بالرجل يسرف في قتلهم، ولم يواجه النبي الواقعة بأكثر من رفع يديه لله متبرأً إليه من فعلة خالد، أما الأرواح البريئة التي أُزهقت فليتولاها الله بطريقته، وقد فعل أبو بكر مثل ذلك، حين قتل خالد بن الوليد في عهده أبا نويرة وزنى بزوجته، فلم يرجمه لفعلته الشنيعة بالمرأة وتغاضى عنه، كما أعفى النبي زينب ابنته من ضرورة دفع فدية، عن زوجها العاص بن الربيع حين أٌسر في بدر، رغم أن أهالي كل الأسرى دفعوا مالاً افتدوا بهم أسراهم حينها، والنبي نفسه تزوج ما بين 11 إلى 13 زوجة، لكنه منع علياً بن أبي طالب من استعمال حقه في التزوج على فاطمة، محاججاً إياه بأن ابنته لا تجتمع مع ابنة عدو الله (أبي جهل) في بيت واحد، وأن زواجه عليها قد يفتنها في دينها، ولعمري إن أبيها كان قد قد مات وشبع موتاً، ولعمري إن فُتنت فاطمة في زواج زوجها عليها، فالأولى أن تُفتن جميع نساء الأمة في دينهن، ومنهن بنات الصحابة اللاتي تزوجهن النبي وتزوج عليهن.... فهذه هي الشريعة الإسلامية، مليئة بالثغرات التي يستفيد منها الرجال، والأسياد، والحكام، ويضار بها النساء، والعبيد، والعامة فقط.
سابعاً: من غير الواضح فهم المقصود بامتناع إهانة الصحابة، سيما حين جاء ذكرهم بعد ذكر الله وشخص النبي، فهل نقدهم ونقد جرائمهم، بحق بعضهم وبحق الأمم الأخرى يدخل في مفهوم الإهانة؟ هل المطلوب وفق هذه المادة عدم محاكمة التاريخ؟ هل المطلوب وفق هذه المادة، إغماض أعيننا عن تاريخ كثير من الصحابة الملوث بالدماء والأعراض والإدعاء أنه تاريخ وردي زاهر؟ هل نخرس ألسنتنا فلا نتكلم عن محمد بن أبي بكر حين قتل عثماناً، ونخرسها فلا ننتقد عائشة وتدخلها لصالح معاوية ضد عليّ، ما ترتب عنه انقسام الأمة الإسلامية كلها، هل المطلوب السكوت عن معركة النهروان، وموقعة الجمل التي تواجه فيها الصحابة بالسيوف وقتلوا بعضهم البعض؟ هل نبتلع أي نقد لما حدث من واقعة ضرب الكعبة بالمنجنيق من قبل بعض الصحابة، هل نتظاهر بأن العشرة المبشرين بالجنة ظلوا "مبشرين بها" حتى توفاهم الأجل؟ وإن كان هذا كذلك فماذا نفعل بالآيات 11 من سورة الجمعة التي قرّعت بعض الصحابة لأنهم انفضوا عن النبي حين رأوا تجارة وتركوا حتى الصلاة؟ و 25 من سورة التوبة، التي زجرت بعضهم لأنه فر هارباً، ولم يدافع عني النبي وتركه لمصير لم ينقذه منه سوى ربه، والآية 13 الأحزاب حين كذب بعضهم على النبي، عندما كُتِب عليه القتال رغبةً بالهرب، والعديد من الآيات الأخرى التي انتقدت الصحابة، فهل نغض الطرف عن هذه الآيات وعن الأحاديث والقصص، التي تزخر بها كتب التراث الإسلامي وهي تتكلم في سرقات بعضهم وقيام بعضهم بوضع الحديث عنه؟
ثامناً: إن المصيبة التي لا تعدلها مصيبة، هي تحصين هذه المادة من التعديل، وهو تحصين مادة غير دستورية بدستور! إن كانت هذه المادة ممتنعة عن التعديل، فلا حاجة بنا للتصويت على باقي المواد، بل كيف نطالب بتعديل مادة أخرى، كانت قد صيغت من البداية توائماً مع أحكام الشريعة، وكيف نطعن لاحقاً بعدم دستورية أي قانون يسنه البرلمان، لأن البرلمان سيكون قد قرر أنه جاء متوائماً مع أحكام الشريعة؟... أرأيتم الورطة التي وضعتنا فيها الهيئة التأسيسة، التي لا تضمر الخير لليبيا؟
النتائج المترتبة على المادة 8:
أولاً: طالما كانت الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع الوحيد، وطالما انطوت الشريعة على أحكام كل شيء، من النوم، لتفسير الأحلام، للتعبد، للتغوط، للمضاجعة، لتكفين الميت لنظام الحكم... الخ، فما الداعي لوجود برلمان؟ ماذا سيفعل أعضاء البرلمان وحكم كل شيء موجود بكتب الفقه أياً كان، أليست فكرة وجود سلطة تشريعية، هي محاولة أخرى للفساد وسرقة المال العام من أجل تطبيق الشريعة الإسلامية؟
ثانياً: مصير المعاهدات الدولية التي ورثتها ليبيا من عهود الإنتداب حتى مرحلة القذافي، ستكون بمعظمها غير منسجمة مع أحكام الشريعة الإسلامية، ويحظرني حالياً اتفاقية سيداو، التي ستروي عطش المشائخ والمتطرفين لضرب النساء، وتزويج الطفلات، وختانهن (كما حدث بين أكراد العراق حين تفشى فيهم الفكر الإخواني) واغتصاب الزوجة باسم حق الزوج عليها، وتعديد الزوجات بلا أي مانع.
ثالثاً: المواد المتعلقة بالمساواة بين الرجل والمرأة، وحقوق الإنسان هي حبر على ورق ودجل مفضوح، فالإسلام لم يساوِ بين المرأة والرجل في الأحكام، فهي تابعة له بالزوجية والبنوة وهو محرَمُها الذي بالكاد تغار البيت من دونه، ولا يمكنها أن تسافر خارج البلد إلا معه، ويملك تزويجها بدون علمها وإرادتها، ويملك تطليقها لعدم الكفاءة بدون إرادتها، ويمكن التزوج بها بنية الطلاق منذ البداية، حين لا يحرم الإسلام السني هذا النوع من الأنكحة أبداً كما درستها بالكلية، وهي لا تعدله أمام القضاء في الشهادة على البيوع وعلى الحدود وفي الحكم بين متخاصمين، ولا تعدله في الميراث، ثم ما علاقة الشريعة الإسلامية بحقوق الإنسان، والشريعة لا تعرف لحد الآن معاني تهذيب الجاني وإعادة تأهيله، بل هي لم تغادر أحكام قطع يديه ورجليه ورأسه؟
الأحزاب السياسية:
ورد بالفصل الرابع، حقوق متعلقة بالنشاط بند الأحزاب السياسية فقرة 5 نصت على الأتي: مساهمة الدولة في تمويل الأحزاب السياسية، وينظم ذلك بقانون!... هل يملك أحدكم فهماً حسن النية لمادة غير دستورية كهذه؟ هل يملك أحدكم فهما آخر يُخرجها من دائرة دسترة الفساد، بحيث لا يمكن العدول عنها لاحقاً إلا بالدماء؟ هل يملك أحدكم فهماً آخر، يخرجها من دائرة الترتيب لبزنس سياسي باسم الدستور؟ وهل يملك أحدكم تفسيراً لمادة كهذه، صدرت عن هيئة يرأسها رجل عاش معظم حياته معارضاً بأميركا كعلي الترهوني؟ والتحق بها عددٌ من حملة الشهادات الأميركية كمحمد بالروين؟
منذ متى ـ بالعالم الحر ـ تكفلت دولة بتمويل حزب أو أحزاب؟ وهل تكون الأحزاب مستقلة حينها وهي تنتظر صدقة الدولة؟ أم تراه الهدف هو إبقاء جماعة معينة دائماً وأبداً بالسلطة، حين تصل للحكم وتتحكم في تمويل الأحزاب كلاً حسب موالته لها؟... إن لم نكن أمام التمهيد لإرتزاق سياسي، تخطيطاً لربط فئة معينة بحكم ليبيا إلى الأبد فماذا عساها تكون بربكم؟!
أخيراً، كلمة قاسية لابد منها:
أولاً: السيدات والسادة أعضاء الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور، السيد محمد عبد الرحمن بالروين، وسائر من معك من الذين وضعوا لنا أسس الدولة الليبية القادمة، للأسف إن سعيكم جميعاً غير مشكور، وذنبكم غير مغفور، وجهدكم غير محترم، لأنه ببساطة أفضى إلى اقتراحات تشرعن للفساد والإرتزاق السياسي، وتدستر لفاشية دينية غير مسبوقة، وتفتح علينا أبواب الجدل والإحتراب والتطرف الديني، وقد حاولت مخلصة أن أفكر فيما كتبتموه لنا بحسن نية، لكن لعمري إن مخططم مفضوح لأجل التأسيس لبلد فاشل ومتطرف في شمال أفريقيا، ولعمري إنكم جميعاً قد وضعتم كل حرفٍ بمحله، وتعرفون مآلات ومترتبات الدولة الدينية، التي لم تحقق لشعوبها أي رخاء عبر التاريخ، وأن ما أقدمتم عليه هو خيانة بحق ليبيا كما أراها شخصياً على الأقل، وإياكم أن تتذرعوا بأن الهيئة مخطوفة هي الأخرى مثل مصراتة، أو أنها تتعرض لضغوطات مثل حكومة زيدان، لأجل النفاذ بجلدكم من المسؤولية التاريخية، على ما خطته أياديكم اللا وطنية، وأقصى ما يمكنني التوصية به هنا، هو أن يخرج الشعب عليكم واحداً واحداً، وأن يضغط على البرلمان لأجل وقف عمل هيئتكم غير الموقرة هذه، وسحب وإهدار كل الهراء الذي كتبتبموه.
ثانياً: السيد علي الترهوني، لقد جاء بالفيديو أدناه أن حضرتك أميركي، وأنك لابد ستعود لأميركا لأنها وطنك ووطن أولادك، فهل حين تُطبق الشريعة الإسلامية التي ستقطع يد المحرومين وتُبقي على رؤوساء الوزراء الفاسدين، وترجم المغتصبات وتبرّء ساحة المغتصبين، وتستنزف المال العام بتمويل أحزاب مشبوهة الأجندة، هل ستبقى معنا بليبيا تعايش هذا العذاب، أم ستقفل عائداً للمكان الذي منحك ومنح أولادك الكرامة أسوة بأولاد الأمريكيين؟ أنظر الفيديو.
ثالثا: لا أتردد في توجيه هذا الكلام لكل ليبي، ممن يعيشون في بلدان علمانية غربية أو في الإمارات وقطر، ويتمتعون بالكرامة والآدمية، ويشهدون كل يوم على تنمية جديدة حيث يعيشون. باعتباركم تريدون دسترة الشريعة الإسلامية، ولا تمانعون في قطع أيدي الليبيين، هل سنراكم في ليبيا بعد تطبيق هذه الشريعة ولو كزيارة قصيرة، أم أنكم ستكتفون بالتفرج علينا، من الدول التي تكفل لكم حرمة أجسادكم والمساوة بينكم وبين مواطنيها الأصلاء؟.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق