Translate

الجمعة، 1 يناير 2016

كلّما أحضر صلاة الجمعة كلّما يزداد إعتزازي بعروبتي

 دعوني في هذا الإدراج أن أنقل لكم ملاحظاتي وإنتقاداتي ومآخذي على خطبة الجمعة لهذا اليوم. أنا أكتب عمّا أشاهده وأسمعه أو أمتعض منه، والغرض بكل تأكيد هو "البحث عن الأصلح" والسعي من أجل بلوغ الأحسن.
في البداية أريد أن أقول - وإستكمالاً لما كنت قد ذكرته في تعليقاتي حول صلاة الجمعة الماضية - بأن هذه الجمعة تدخل هي بدورها في نطاق الجمع النادرة التي أحسّ فيها بالحريّة (لا عمل !) فأذهب إلى الجامع الذي أختار بدون أن أجد نفسي مضطرّاً للإستماع إلى خطبة مهترئة من شيخ جامع المستشفى الوهابي الذي مازال يعيش في أجواء القرن الثامن الميلادي المقدّسة.
المهم، بطبيعة الحال أنا كثيراً ما أتعلّم من أخطائي فلا أعيدها، وبناء عليه فقد تعلّمت من خطأي في الجمعة الماضية، حيث وصلت جامع الصوماليين بعيد إنتهاء الصلاة فوجدت نفسي أعاني مشقّة إيجاد جامع آخر قريب تٌصلّى فيه الجمعة في وقت متأخّر(صراع المذاهب الإسلامية في موضوع مواقيت الصلاة، كما هو الصراع حول وعلى كل شئ !).
وصلت هذا اليوم في وقت مبكّر إلى جامع الصوماليين، حيث يوجد به خطيباً يعتبر نسبيّاً أكثر تحضّراً وأكثر مجاراة للواقع في خطبه الجمعاوية. وبالفعل كانت خطبته الأولى لهذا اليوم تتحدّث عن ربط الدين بالحاضر، وكان ناقداً قويّاً لبعض الممارسات الدينية عند الكثير من المسلمين حيث يركّزون على الطقوس وينسون القيم.

إعتزازي بعروبتي
 دعوني أعود إلى موضوع هذا الإدراج وذلك بالتحدّث ولو قليلاً عن عروبتي التي وللأسف أصبحت منسيّة، وربّما منبوذة ومضطهدة ومحقّرة منذ إستيلاء الفكر الوهابي على المنطقة مدعوماً بأموال وشيوخ السعودية. هناك من ربما يقول إن أكثر من يكره العروبة هم "الإخوان المسلمون" كنتيجة لكرههم للزعيم جمال عبد الناصر رحمه الله، وقصّتهم مع الراحل عبد الناصر نعرفها جيّداً. أقول لمن يقول بأن الإخوان هم من يكرهون العروبة ويكرهون لفظة "القوميّة"، حيث يعتبرونها أكثر شناعة من إستخدام كلمة "الشيطان"... نعم، إن الإخوان يكرهون العروبة، ولكن من هم الإخوان؟. إنّهم من بين مصبّات الوهابيّة الكثيرة (يعني أن الوهابية هي رافدهم)، والوهابية لمن لم يقرأ التاريخ عنها ما هي إلّا إمتداد للفكر السلفي المنبوذ والذي كان مؤسّسه أحمد بن حنبل رابع المذاهب المعترف بها (كان عددها بعد وفاة الرسول 26 مذهباً، إلى أن قرّر أحد أمراء المسلمين - يسمّي نفسه خليفة ! - القدامى تقليص العدد إلى 4 فقط وذلك بإلغاء وتجريم المذاهب ال22 الباقية نظراً لكثرة الشقاق بين المسلمين حينها بسبب تعدّد المذاهب !).
أقول بأنني كلّما دخلت مسجداً في بريطانيا أحسّ بالفخر والإعتزاز بأنني عربي... لماذا؟.
دعوني أقول لكم بأنّ عدد المصلّين لهذا اليوم كان 1000 منهم 200 إمراءة. كيف حسبتها... سؤال وجيه ويستحق إجابة.
كان المسجد ممتلئاً حتى الرمق الأخير، وكان بصدق من الصعب العثور على شبر يمكن الجلوس عليه في داخل المسجد (لا يمكنك أن تصلّي خارجه لأن الجوء كان ممطراً لهذا اليوم !). المهم أنني وجدت مكاناً بشق النفس في الصالة الرئيسيّة للجامع، وكنت أنا آخر من يجلس في الصف الذي جلست فيه (هناك قصّة سوف أحكيها لكم لاحقاً !). كان الإمام يخطب وهو يكاد ينفجر من شدّة الحماس، وكنت أنا أستمع إليه بأذن وأنظر حولي أتفحّص وجوه الجالسين وكيف هم يتفاعلون مع ما يقوله الشيخ.
فكّرت في العدد، فقمت بعملية إحصائيّة أعتقد بأنّها صحيحة 100%. نظرت إلى يميني حتى آخر الصف الذي كنت جالساً فيه وقمت بعد كل الجالسين فوصلت إلى عد 32 جالساً. قمت بعد ذلك بعد الصفوف الجالسة، وكان العدد 12، وبذلك توصّلت إلى أن عدد الجالسين في هذه الصالة كان 384، والصالة الثانية تعتبر في نفس حجم هذه الصالة وبذلك كان عدد المصلّين فيها 384، وكانت توجد صالة ثالثة صغيرة على يساري وبها حوالي 50 مصلّياً، وصالة النساء بها حوالي 200 مصلّية. من هنا يكون عدد المصلّين في هذا الجامع لهذا اليوم هو 1018 مصلّياً.... ما شاء الله.
كان عدد العرب من بين المصلّين حوالي 80 أي بنسبة 7.1%، ومع أن العرب كانوا أقلّية صغيرة إلّا أن الخطيب قرّر التحدّث للأغلبية بلغة الأقلّية، فأحسست حينها بأنّه يوجد لديّ ما أفتخر به.... لغتي العربية، وكياني العربي الذي أعطاه الإسلام قوّة وزخماً تنكّر له العرب وتناسوه فذاب الكثيرون جرياً وراء الوهابيّة المقيتة التي ترتكز في جوهرها على كره البشر والأمم والأعراق، فالوهابية لا تعترف بغير المسلمين كبشر يستحقّون الحياة أمّا البقية فهم من الكفّار ويستحقون الموت.

كلّما إستمعت إلى شيوخ الدين كلّما إكتشفت مقدار جهلهم وغبائهم 
بدأ الشيخ خطبته لهذا اليوم بالحديث عن "الغيبة". قال بأنّها عادة متفشّية بين المسلمين، وبأنّ الغيبة تدخل في باب "أكبر الكبائر". بدأ الشيخ خطبته بالقول: أيّها الأخوة المؤمنون، إخترت في خطبة الجمعة لهذا اليوم أن أُعالج موضوع الغيبة لما لهذا الموضوع من أهمّية كبيرة في شأن إصلاح مسلك الأمّة.
المُسلمون بصفة عامّة هم بعيدون عن الكبائر من قَتْلٍ، أو شُرْب خمرٍ، أو زِنى، لكِنّهم يقعون في موبِقاتٍ كلاميَّة كثيرة تحْجُبُهم عن الله عز وجل، فالمَعْصِيَة تحْجُب عن الله تعالى صغيرةً كانت أو كبيرة، ولا تنْسَوا أنَّ الإصْرار على المَعْصِيَة الصغيرة يجْعلها كبيرة. وكما ذكرْت سالفاً في هذه الخُطبة أنَّ العبادة ليست في أداء الصلوات فَحَسْب وصِيام رمضان، ولكنَّ العبادة الحَقَّة هي في ضَبْط اللِّسان وضَبْطُهُ يحْتاجُ إلى إرادةٍ قَوِيَّة.
فالإنسان يسْترْسِل في الحديث عن عُيوب الناس ونقائِصِهِم، وفضائِحِهم، ومساوِئِهم، وفي هذا الحديث كما قال العلماء مُتْعَةٌ إجتماعية، لذلك قالوا: الغيبةُ مائِدَةُ طعام الكلاب، وإدامُ الفُساق، ومن أعْمال أهْل الفُجور.
إستدلّ الشيخ بحديث نسبه للرسول عليه السلام رواية عن أبي هريرة: (( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ قِيلَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ قَالَ إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ))، وهنا إنتقل من الغيبة إلى ما هو أسوأ منها وهو "البهتان" قائلاً: البهتان هو أن تقول على أخيك شيئاً ليس فيه، أما الغيبة فأن تقول عنه شيئاً هو فيه، هذا تعريف الغيبة من قِبَلِ النبي عليه الصلاة والسلام، طبْعاً ذِكْرُكَ أخاك بما يكْره سواءٌ أكانت هذه الغيبة في بدنِهِ، أو دينه، أو دُنياه، أو نفسه، أو خُلُقِه، أو ماله، أو ولده، أو زَوْجته ووالده، أو ثَوْبِهِ، أو مِشْيَتِهِ، أو حَرَكَتِهِ، أو عَبوسِهِ وطلاقتهِ، أو غير ذلك مما يتعلَّقُ به، كُلُّ هذه الموضوعات مُتَعَلِّقَة بالغيبة.
شيءٌ آخر: سواءٌ ذَكَرْتَهُ بِلِسانك، أو كَتَبْتَهُ بِيَدِك، أو رَمَزْتَ إليه، أو أشَرْتَ إليه بِعَيْنِك، أو يَدِك، أو رأسِك، أو نحو ذلك؛ تلْميحاً كان أو تصْريحاً فَكُلُّ هذا من الغيبة.
ففي البَدَن كأن تقول: فلان أعْرج، وهذا أعْمَش، وذاك قصير، وفلان طويل، والآخر شديد السمْرة؛ هذه غيبة البَدَن، وفي الدِّين كأن تقول: فاسق، وسارق، وكاذب، وظالم، ومُتهاوِن بالصلوات، ليس باراً بوالِدَيْه؛ هذه في الدِّين، وفي الدنيا كأن تقول: هذا قليل الأدب وكثير الأكل والنوم، وينام في غير وَقْتِه، وفي والده كأن تقول: والدُه زِنْجي، أو تحْتقِرُ والده بالصَّنْعة، وفي الخُلق كأن تقول: مُتَكَبِّر ومُرائي وجبار..إلخ، وفي الثوب وسِخُ الثَّوْب وطويل الكمّ.... إلى هنا أتوقّف عن الإقتباس من كلام الشيخ والذي وجدته بعد أن عدت إلى بيتي وهو منقولاّ بحذافيره من كلام في الإنترنت.... ههههه (الدقّة في النقل لم تكن ذكاء منّي !).
المهم أن الشيخ واصل كلامه عن الغيبة، وعن البهتان، ثم إنتقل إلى الرباء. هنا وجدت عنده تعريفاً للرباء كنت بحثت عنه لعدة سنوات. قال الشيخ: الرباء هو أن تأكل المال الذي هو ليس من حقّك. الله، كم أعجبني هذا التعريف للرباء. كل من يسرق أموال الليبيّين والليبيّات إنّما هو يأكل الرباء الذي حرّمه الله... تستطيعوا الآن أن تعرفوا كم من الليبيّين والليبيّات من هم يأكلون الرباء(السحت كما يقول شيوخ الدين) !!.
المهم في الأمر أنني كنت أظن بأن الرباء هو تعامل البنوك مع الزبائن بما في ذلك الفائدة بالطبع. الشيخ قال اليوم بأن الرباء يأتي في 72 باباً أقلّها إثماً كما قال حرفيّاً: "هو أن تسلّم أمّك لرجل غريب كي يزنى بها" وأكبرها على الإطلاق هو "الغيبة". لا أدري بالطبع أين تقع "الفائدة" التي تأخذها المصارف في هذا التصنيف الذي لم يسبق لي أن سمعت عنه من قبل !.
الشيخ واصل الكلام الطويل والشيّق بالنسبة لي... فقد بدأت أكتشف عيوبه ومثالبه وكم غبائه وقلّة حيلته. قال الشيخ بأن إمراءة كانت تريد الذهاب إلى الحج ولكن لم يوجد لها محرماً. بدأت تجمّع المال للحصول على تكاليف الحج، وكان أن سألت أخاها بأن يذهب معها بمثابة "محرم". أخوها إشترط عليها بأن تدفع له تكاليف الحج كاملة، وفعلت. بعد إتمامهما للحج بمزدلفة، كانت توجد الليلة الثانية عشر من الحج، وهي ليلة إختيارية... بمعنى أنّه - وكما قال الشيخ - بإمكان الحاج الذهاب إلى بلده إن هو أراد ذلك ويعتبر حجّه كاملاً. أخ المرأة قرّر الذهاب، وهي أرادت البقاء، وهو أراد الذهاب وهي أرادت البقاء، فإختلفت المرأة مع أخيها الذي أجّرته ليكون محرماً لها ونعتته بألقاب نابئة من بينها بأن إمرأته هي من إشترطت عليه العودة هذا اليوم والإهتمام بأطفاله، وأخذت تسب زوجة أخوها لأنّها كانت السبب في عدم بقائها في مزدلفة لليلة أخرى. قال الشيخ بأن المرأة إغتابت زوجة أخيها، وبذلك فقد خسرت حجّتها. هنا وقع الشيخ في خطأ كبير يعكس كم غبائه بأصول الدين. يقول الله تعالى في كتابه العزيز:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}، بمعنى أن خطأ آخر لا يلغي أجر هذا. فحج المرأة كان سليماً، ولا يمكن أن تبطله "الغيبة" بأي شكل من الأشكال !.
الخطأ الآخر الذي وقع فيه الشيخ مما يدل على سطحية تفكيره وقلّة فهمه لدين الله، فأمثال هؤلاء الشيوخ تجدهم يحفظون القرآن ظهر عن قلب، لكنّهم لا يفقهون كثيراً في معانيه ومراميه. قال الشيخ مخاطياً الحاضرين: إنّك يا مسلم قد تصلّي وتصوم وتزكّي وتذهب إلى الحج، وتمضي كل عمرك وأنت تركع وتسجد وتسبّح، ثم تقوم بإغتياب غيرك أو نعتهم بنعوت غير صحيحة أو تدّعي على أحد وهو برئ... فإن كل عباداتك لا قيمة لها مهما ظننت بأنّك كنت صادقاً فيها. إلى حد الآن الكلام أعجبني، فأنا أعرف الكثير من البشر ممن يقعون في هذه الخانة التي تحدّث عنها الشيخ. النقطة الموالية هي ما مسح كل تلك الإنطباعات الجميلة المشار إليها آنفاً. قال الشيخ: في يوم القيامة، سوف يأتي كل من أغتبته وتكلّمت عنه ظلماً وبهتاناً ليقول لك بأنّك أغتبتني في الدنيا: فيبعد الله 200 درجة من حسناتك ويضيفها لسجلّ الشخص الذي إغتبته!!. وواصل قائلاً: ثم يأتيه رجل آخر ليقول له بأنّه أهانه في الدنيا، فيأخذ الله منه 200 درجة من حسناته ويعطيها لهذا المتضرّر.... وهكذا تجد نفسك عملت في دنياك لأجل أن يأخذ هؤلاء حسناتك ويضيفوها إلى حسناتهم. هنا أحسست بالفعل بأنني أستمع إلى إنسان جاهل ولا يفقه ما يقول. لقد قال الله تعالى:{ فَإِذَا جَآءَتِ ٱلصَّآخَّةُ * يَوْمَ يَفِرُّ ٱلْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَٰحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ}... لكل إمرئ يومئذ شأن "يغنيه"... لا أدري لماذا شيوخ الدين هم هكذا لا يفهمون تفسير القرآن الذي يقرأونه.
وقبل أن أنهي، وددت أن أضيف مثلبة أخرى من مثالب هذا الشيخ - وهي مثالب الكثير من رجال الدين - قال منبّهاً المصلّين: فلينتبه كلّ منكم إلى عضلة لسانه، فلسانك هو من سوف يكون شاهداً عليك... اللسان "وحده" تلك "العضلة الرخوة" هو من سوف يفضحك يوم القيامة، وهو إن لم تصنه يفضحك في الدنيا. الشيخ طبعاً لا يعلم بأن اللسان "لوحده" لا يستطيع أن ينطق بحرف واحد. اللسان لوحده لا يتكلّم ولا ينطق بربع كلمة. الشيخ لا يعرف بأن صندوق الكلام يتكوّن من اللسان والأسنان والشفاه واللهاة (الصلبة والناعمة)، والحبال الصوتية وعضلات الحلق والبلعوم ومعها الحجاب الحاجز، وهذا الصندوق هو من يستجيب لإشارات قشرة المخّ، ويحتاج إلى مخيخ من أجل أن يتكلّم. كيف يمكنك أن تعلّم من يظن بأنّه يفهم في كل شئ؟.
وختاماً دعوني أحكي لكم ما أزعجني بالفعل: حينما جلست في ركن صف الجالسين الطويل، كان يجلس على يميني شاب يظهر من ملامحه بأنّه من منطقة الشام (أكبر الإحتمال سوري الملامح أو لبناني أو ربما عراقي)، وكان معه إبنه الصغير(حوالي 8 سنوات) وكان الطفل قمّة في الشغب بالمعنى الصحيح. كان يعبث بكل شئ تقع عليه يديه، وكان يتجوّل بين الصفوف، ويصدر في أصوات مزعجة ومع كل ذلك لم يحاول والده السيطرة عليه أو حتى الإشارة إليه بالسكوت. كان الإمام يخطب، وكان الناس يستمعون بتمعّن وشغف لما كان يقوله لهم، لكن ذلك الطفل إستمر في اللعب والتحرّك بين الصفوف، وإصدار الأصوات المزعجة ونادراً ما ينهره والده وأحياناً بضربه على كتفيه. ثم أقيمت الصلاة فغاب ذلك الطفل في عالم المجهول وظل والده بجانبي يصلّي. في الركعة الثانية عاد الطفل إلى والده وأخذ يضحك ويتكلّم ويتحرّك بين الصفوف، وحدث أنّه مرّ من أمام المصلّين وهم يشرعون في السجود. وبعد الإنتهاء من الصلاة أخذ الشاب إبنه وذهب وكأن شيئاً لم يحدث.
كنت أفكّر في التحدّث إلى الشاب بهدوء بيني وبينه بهدف تنبيهه إلى أن مثل هذه التصرّفات غير متأدّبة ولا تليق بجامع، لكنّني بعد دراسة عميقة للموضوع قرّرت إلتزام الصمت، فمن الممكن جداً بأنّ الشاب الوالد سوف يخلق معي شجاراً حكماً بذلك المستوى الذي يربّي به ولده. قلت في نفسي وأنا عائد إلى سيأرتي بأنني كلّما دخلت مسجداً أجد نفسي أدخل في بيئة متخلّفة من البشر في كل شئ.. في ملابسهم وهندامهم، في طريقة تحدّثهم مع بعض، في نوع العطور التي يغلسون بها أنفسهم وهي من تلك التي يحضرونها من "الحج"، وفي طريقة تربيتهم لآطفالهم، وكذلك في القذارة وعدم التناسق في داخل الجامع وفي محيطه، وفي تلك الأحذية المكدّسة فوق بعضها وفي كل مكان.... اللهم يا ربّ أفتح علينا وخفّف من مآسينا !.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق