Translate

السبت، 28 مايو 2016

لماذا يا ناس... تونس في الإنتعاش وليبيا في غرفة الإنعاش؟

بالعودة السريعة للتاريخ... ليس هناك للتاريخ البعيد، بل قريباً جداً.... بالعودة للأمس القريب يستطيع أي عاقل منّا أن يرى ويستنتج بأن الثورة كانت قد قامت في ليبيا وفي تونس في مواعيد متقاربة جداً من بعضها، ومع هذا نلاحظ اليوم الفرق الشاسع بين الدولتين.... فلماذا؟.
قامت الثورة في تونس يوم 18 ديسمبر 2010 إثر قيام شهيد الحرية محمّد البوعزيزي بحرق نفسه إنتصاراً لكرامته التي أنتهكت في وضح النهار من قبل شرطة نظام حكم زين العابدين بن علي. ففي يوم 17 ديسمبر 2010 إعترض عناصر من الشرطة عربة الفاكهة التي كان يجرّها محمد البوعزيزي في الأزقة محاولاً شق طريقه إلى سوق الفاكهة وحاولوا مصادرة بضاعته. عم البوعزيزي رأى الواقعة، فهرع لنجدة إبن أخيه وحاول إقناع عناصر الشرطة بأن يدعوا الرجل يكمل طريقه إلى السوق طلبا للرزق ولكن بدون جدوى. بعد ذلك ذهب عم البوعزيزي إلى مأمور الشرطة وطلب مساعدته، وبالفعل إستجاب المأمور وطلب من الشرطيّة فادية حمدي التي إستوقفت البوعزيزي برفقة شرطيين آخرين أن تدعه وشأنه. الشرطية إستجابت ولكنّها إستشاطت غضباً لإتصال عم البوعزيزي بالمأمور.
ذهبت تلك الشرطية إلى السوق مرّة أخرى في وقت لاحق، وبدأت في مصادرة بضاعة البوعزيزي ووضعت أول سلة فاكهة في سيارتها، وعندما شرعت في حمل السلة الثانية إعترضها البوعزيزي فدفعته وضربته بهراوتها. حاولت تلك الشرطية بعد ذلك أن تأخذ ميزان البوعزيزي، وحاول هو مرة أخرى منعها، لكنّها دفعته هي ورفيقاها فأوقعوه أرضًا وأخذوا منه الميزان. بعد ذلك قامت الشرطية بتوجيه صفعة للبوعزيزي على وجهه أمام حوالي 50 شاهداً من نفس المكان.
عندها عزّت على البوعزيزي نفسه وإنفجر يبكي من شدة وقع الإهانة عليه. وبحسب الباعة وباقي الشهود الذين كانوا في موقع الحدث، صاح البوعزيزي بالشرطية قائلا: "لماذا تفعلين هذا بي؟. أنا إنسان بسيط، ولا أريد سوى أن أعمل".
حاول البوعزيزي أن يلتقي بأحد المسؤولين للشكوى ولكن بدون جدوى. عاد بعد ذلك إلى السوق وأخبر زملائه الباعة بأنه سوف يضرم النار في نفسه، لكنّهم لم يأخذوا كلامه على محمل الجد. وقف البوعزيزي أمام مبنى البلدية وسكب على نفسه مخفف الأصباغ (ثنر) وأضرم النار في جسده. إشتعلت النيران، وأسرع الناس وأحضروا طفايات الحريق ولكنها كانت فارغة. إتصلوا بالشرطة، لكن لم يأت أحد. سيارة الإسعاف هي نفسها لم تحضر إلا بعد ساعة ونصف من إشعال البوعزيزي النار في نفسه، وتم بعد ذلك نقله إلى مركز الإصابات والحروق البليغة ببن عروس حيث لم يتمكّنوا من إسعافه فمات بحروقه البليغة.
قام التونسيّون بعد ذلك بالثورة على نظام بن علي وسرعان ما إنحاز الجيش التونسي المهني والمحترف إلى الشعب وسقط نظام بن علي في لمحة بصر، وإنتصرت الثورة الشعبيّة في تونس.
مات البوعزيزي وعاشت تونس من بعده بكرامتها وبإحترام العالم لها، وبرغم ما حدث لتلك البلاد التي قلّدت ثورة البوعزيزي من إنتكاسات، فإنّ ثورة البوعزيزي من أجل الإنتصار للكرامه وعزّة النفس سوف يبقى صداها مدى الحياة.
قامت الثورة التي قادها شباب وشابّات ليبيا من أجل الكرامة بعد ثورة البوعزيزي بشهرين فقط، وإنتصرت الثورة الشعبية في ليبيا بمعاونة الناتو وتنفّس الليبيّون الصعداء بعد القضاء على نظام يعتبر بكل المعايير والمقاييس أكثر طغياناً وأكثر قهراً وإذلالاً لكرامة الإنسان من نظام بن علي. إنتصرت ثورة الشعب الليبي حينما كانت بريئة ونظيفة ووطنيّة، وخرج الليبيّون لإنتخاب من يمثّلهم وبدأت الحياة في بلادنا تسير الى الأمام حذواً بتونس وبمصر. كادت ليبيا أن تتجاوز جارتيها (تونس ومصر) لولا إستلاب الثورة من ثوّارها الحقيقيين من قبل أولئك المتربّصين بعيداً في كهوف أفغانستان وبقرب مكبّات الزبالة في كل من بريطانيا وأمريكا، وما إن إستحوذ الحقراء على ثورة الشرفاء والنبلاء حتى بدأت بلادنا تضيع بين أيدي الطغاة الجدد بإسم الدين وبإسم الشريعة وبإسم الثوريّة وتحت مظلّة ما سمّي لاحقاً ب"ثورة التكبير". بدأت ليبيا تنتكس في كل يوم يمر حتى أصبحت طريحة فراش وهي مازالت في ريعان شبابها نتيجة لما ألمّ بها من ذل وقهر، ولما أصابها من إستلاب ونهب لكل شئ فيها.
لقد نهب رجال الدين بإسم الدين كل خيرات ليبيا ودمّروا ما كان قائماً فيها من بنيان وطرق ومطارات، وحرقوا نفطها ثم ما لبثوا أن أجهزوا على مواقع إستخراجه وبدأت بلادنا تتضوّع من وقع الفاقة والحرمان، وشعر الشعب الليبي لأوّل مرّة منذ عهد الإستقلال بالجوع والشح في أدنى الأساسيّات مثل العلاج والتعليم والتنقّل، وتحوّلت ليبيا إلى مكب للقذارة التي توافدت عليها من كل أركان التعاسة والتخلّف في العالم، وبدأت ليبيا تفقد ليس نظارتها فقط بل كرامتها وحتى وجودها في أذهان البشر في بلاد العالم من حولها. سيطر تجّار الدين على ليبيا وبدأوا في إستعباد وإذلال أهلها بإسم الله وبإسم الدين وبإسم الشريعة وبإسم "الصحوة الإسلاميّة".
تونس إنتصرت لأهلها بوطنيّة رجال جيشها، وليبيا خذلت أهلها بسبب غياب جيشها وتسيّد قساوسة الدين الجدد فيها، وبدأت الهوّة تتسع بين الجارتين (ليبيا وتونس)... والسبب هو الجشع والطمع الذي كان مبعثه الجهل والتخلّف والعقلية المتخلّفة لتجّار الدين في ليبيا مقابل إنتصار العقل والحكمة والوطنيّة في تونس المجاورة. فمتى نستفيق لأنفسنا، وننتصر لكرامتنا، ونسعى معاً لقهر من أراد إعادة إستعبادنا؟. متى نستيقظ من سباتنا ونستفيق من غفواتنا ونصحى كي نرى فضاعة ما ألمّ بنا؟.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق