Translate

الأحد، 10 يوليو 2016

الدين والسياسة

 كثيراً ما يخلط الناس بين الدين وبين الحياة اليوميّة وتسييرها، وهؤلاء ربّما يرون بأن الدين هو منظّم الحياة الدنيا وموظّبها ومسيّرها ربّما المسئول رسم ملامحها وتحديد معالمها.
أنا لا أرى ذلك الرأي ولا أعتقد بذلك الإعتقاد... فالإنسان وجد قبل نزول تعاليم الدين، وهذا الإنسان ولد بخواص وصفات تمكّنه من الحياة وفق إختياره ورغباته وطريقة تفكيره التي كثيراً ما تتأثّر ببيئته وتنشئته وكم تعليمه، كما أنّها بكل تأكيد تتأثّر بتركيبته النفسيّة (السيكولوجيّة) التي تستمد مكوّناتها أو خواصها من تشكيلته الجينيّة وعالمه المحيط.
قال الله تعالى واصفاً نبيّه محمد عليه السلام: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}... أي أن محمّداً بن عبد الله كان وقبل نزول الوحي عليه "على خلق عظيم"، ومن ثمّ فقد إختاره الله على أساس ذلك الخلق العظيم.
قال النبي محمد عليه السلام: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)... إنّما بعثت "لأتمّم" مكارم الأخلاق ولم يقل لأحدّد أو لأرسّخ أو لأرسم مكارم الأخلاق.
من هنا نرى بأن الإنسان - وأي إنسان - إنّما كان قد خلقه الله بالخير والشر في داخله، ومن ثمّ، فهو من سوف يحدّد في أي طريق يسير وإلى أية وجهة يتّجه ويكون كل ذلك وفق إختياره الحر.
من ثمّ - وغيره كثير- فإنّني أعتقد بأن العقل والمنطق يقولان بأن الدين هو للعبادة والتقرّب إلى الله مع الإعتراف الفعلي بوجوده والإيمان بقدراته، أمّا شئون الحياة - ومنها السياسة - فلها أركانها وثوابتها التي لا علاقة لها بالدين مباشرة أو غير مباشرة غلأا وأن يكون ذلك إجتهاداً.
فالسياسة هي فن الممكن، أو لنقل "فن التعامل مع الواقع" وليس للسياسة ثوابت. في المقابل فإن الدين يعني القيم الثابته والأخلاق الحميدة ولا يقبل الدين القويم النفاق أوالكذب أوالتحايل كما هي تلك من أساسيات فن السياسة. جميع دول العالم التي تركت الدين للعبادة وأرسأت مبادئ العلمانية بعيداً عن نفوذ أو سلطة رجال الدين تمكّنت من قهر الطغيان والتسلّط الذي فرضه رجال الدين بإسم الدين وما هو من الدين في شئ. تلك البلاد هي من يصنع التقدّم اليوم، وهي بكل تأكيد من يصنع الحياة. العلمانية في واقعها هي ليست شيئاً مخيفا، وقطعاً فإن العلمانية لا تعني الكفر أو نكران وجود الله كما يزعم الكثير من شيوخ الدين عندنا والذين هم في واقع الأمر أجهل من أن يعرفوا ما هي العلمانية.
النقطة الأخرى التي يمكن التنويه أو التنبيه إليها عن العلمانيّة - والتي تحتسب إيجابيّاً لصالح العلمانية - هي، أن العلمانية تعني حرية الإختيار وحرية التديّن، وتلك هي أسس الإسلام لمن لم يفهم دينه بعد. قال الله تعالى في كتابه العزيز: { وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ}، وفال الله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ}، وقال: {إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا}... كل هذه الآيات توحي بأن الإيمان إنّما هو إختيار عن سبق معرفة ومشيئة للإنسان، والذي يختار هو من سوف يتحمّل التوابع.
من هنا أنا أرى بأن الدين هو للعبادة والتذكّر والإعتراف بوجود وأفضال الله، والتديّن في جوهره يعني "التأمّل" و "التدبّر" و "التجرّد" و "الإعتراف".... الإعتراف بالضعف رغم الشعور بالقوّة ورغم الإحساس بالمقدرة. تلك هي علاقة بين الإنسان وربّه، أمّا شئون الدنيا وحيثياتها والتعامل مع متطلباتها والتحوّر مع تغييراتها فهي وظيفة إنسانيّة يجتهد الإنسان لفهم فنونها والإلمام بأبجديات التعامل معها وفق محيطه وعلومه وثقافته بعيداً عن الدين والتديّن بدليل أن الملايين من البشر من لا دين لهم تمكّنوا من بناء أنفسهم وبناء دولهم بما يتوفوّق على ما تمكّن من فعله المتديّنون وأمثلتنا هي في الصين واليابان وكوريا والهند وغيرها من بلاد العالم التي لا تعترف حتى بوجود الله أو على الأقل لا تلزم أنفسها بدين سماوي أو وجودي قد إلتزامها بمعطيات وسنن الحياة.
من هنا أقول وأشدّد على أنّنا لو تركنا الدين للعبادة والتدبّر ومارسنا أعمالنا وفق علومنا وإمكانياتنا الدنيوية لكانت بلادنا خرجت من هذه الدوّامة التي بقيت تدور فيها طيلة الخمسة سنوات الماضية والتي مازالت تخيّم علينا بظلالها بدون أن تفتح لنا أي أفق أو نافذة لشم الهواء النقي والنظر إلى العالم المحيط بنا بعيون مفتوحة وقلوب آملة. لو أن رجال الدين في بلادنا تركوا السياسة وتعبّدوا لربّهم كما طلب منهم لكانت بلادنا قد عرفت طريقها نحو الأمن والسلم والإستقرار، ولكان قطار حياتنا قد عاد إلى سكّته ولكانت رحل البناء في ليبيا قد بدأت منذ 17 فبراير 2011.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق