Translate

السبت، 16 يوليو 2016

الديموقراطية ليست هي العصا السحريّة

 الديموقراطية بمعناها الصحيح تعني مشروع التناوب السلمي على السلطة من خلال الإختيار الحر للشعب.
هذا التعريف القصير والمتواضع يضع الكثير من الأساسيّات لمشروع الديموقراطية الحقيقيّة في أي مكان في العالم.
التناوب: وهذا هو ربما جوهر الديموقراطية، وهو بكل تأكيد يعني "عدم التشبّث بالحكم".
السلمي: وهو ما يعني توافر الوسط الملائم لتفعيل المشروع الديموقراطي بدون تدخّل أية قوى مهما كانت أكثر من كونها محافظة على الآمن وغير معنيّة مباشرة بما سوف تفرزه صناديق الإقتراع.
الإختيار الحر: وهو ما يعني خروج الناس لإختيار من يرونه صالحاً لحكم البلد بدون أية مؤثّرات دعائيّة أو إغرائيّة أو تهديدية مهما كان نوعها ومهما كان مصدرها.
الشعب: وهذا هو ربّما الجوهر والأصل والأساس - مربط الفرس - في أي مشروع ديموقراطي. الشعب الواعي والعارف والمشارك حقيقة في الحكم من خلال المساهمة الفعالة في عملية الإنتخابات بدون تحجيم أو تقزيم أو محاباة... وبدون إقصاء، هو ذلك الشعب المقصود بالعمليّة الديموقراطيّة من جوهرها ومن كل حيثياتها.
حينما يصل الشعب إلى ذلك القدر من الوعي بما يتيح له المشاركة الفعّالة في عملية الإنتخاب ومن بعدها - وهذا أهم شئ في الديموقراطية - من بعدها، يقوم الشعب بعملية المحاسبة والمراجعة والتقييم مع إحتفاظ الشعب من خلال الآليّات المتاحة - والتي يجب بأن تكون متاحة - بحقّه في تنحية كل من لايقوم بعمله كما وعد في حملته الإنتخابية قبل إنتخابه، وقيام الشعب بإنتخاب البديل من خلال نفس الآليّة وبنفس الضوابط. هل يعرف أحدكم أية دولة في العالم تتوفّر فيها كل هذه المعطيات؟.
لا توجد ديموقراطية مطلقة في أي بلد في العالم، وكل الديموقراطيّات التي نتحدّث عنها ونستشهد بها ونعتبرها بمثابة "المرجع" هي ديموقراطيات نسبية تختلف مصداقيتها من بلد إلى آخر، لكنها قطعاً ليست ديموقراطيّات نظيفة وسليمة 100%.
وعودة إلى الواقع العربي والإسلامي في شأن الديموقراطية، وإنطلاقاً من معرفة الثقافة العربية والإسلاميّة المتوارثة يمكننا القول بأننا بكل صدق نكذب على أنفسنا وننافق شعوبنا حينما نتحدّث عن الديموقراطية كمفهوم والديموقراطية كتطبيق في بيئتنا وفي ثقافتنا.
الديموقراطية بمفهومها السليم "التعريفي" هي غير معترف بها في الثقافة العربية والثقافة الإسلاميّة. فهم الناس للدين يتعارض بشكل كبير جداً مع جوهر ولب الديموقراطية التي تسمح بتولية الحكم "لأيّ" من يختاره الشعب بدون أية شروط مسبقة أكثر من تلك الإعتبارات الإجرائيّة التي ترتكز أساساً على المقدرة من خلال العلم والخبرة والمهنية والتخصّص لتوفير الخدمات المطلوبة للشعب، وكذلك تحقيق الرخاء والتقدّم والعمل الجدّي والمدروس لتأمين مستقبل البلد ومستقبل الشعب.
ثقافتنا المتوارثة لا تنسجم مع الديموقراطيّة لا شكلاً ولا موضوعاً مع أن القرآن الكريم يقول: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِين}، وحتّى هذه لو تفحّصناها نجدها تأمر بالمشورة ولكن تبقي القرار في يد الرسول عليه السلام. هناك بالطبع نحن نتعامل مع رسول مبعوث من لدن الرب، وذلك الرسول حكماً بصفاته التي ذكرت في القرآن يمكن ترك الأمر له والقراره المنفرد بيده لأنّه لا يظلم ولا يؤثر أحد على آخر. تلك الآية هي ربّما الوحيدة التي يمكن الإستناد عليها بالنسبة للمتفائلين والمؤمنين بالديموقراطية، لكنّها بكل تأكيد لا تعتبر كافية لإقناع الكثير من المسلمين بقبول الإختيار الديموقراطي كوسيلة للحكم. من هنا يتوجّب بألّا يقحم الدين في مشكلة الحكم ولا في أليّته أكثر من الطلب من الحاكم بأن يعدل بين الرعيّة وبألّا يظلم أحد من محكوميه.
بالنسبة للوضع التركي، يتوجّب علينا الإنتباه إلى أن الشعب التركي لم يكن وحده في الميدان حينما أوقف الإنقلاب وأعاد سلطة الدولة المنتخبة، ولم يتمكّن الشعب وحده من قهر الإنقلاب لولا وقوف الجيش التركي مع الدولة ومع الديموقراطيّة. كذلك يمكن القول بأن السيّد رجب الطيّب أردوغان هو في طريقه للمغادرة طوعياً وإن لم يغادر بتلك الكيفيّة فإنّه سوف يرغم على ذلك.
السيّد رجب أردغان برغم مراقبة الجيش فإنّه عمل بشكل كبير على زرع شخوص إخوانيّة في الكثير من ماكتب الدولة ودوائرها بما فيها القيادات العسكرية، لكن السيّد أردوغان لم يفعل ذلك بكل جهارة وبكل جسارة كما فعل قبله الدكتور محمّد مرسي في مصر بما أثار حفيظة الجيش ودفعه لأن ينتصر لكرامته التي حاول مرسي تدنيسها من منطلق كره الإخوان لأي شئ إسمه الجيش.
ذهاب السيّد أردوغان سوف لن يكون سلميّاً كما نتوقّع - أو كما يتوجّب في العرف الديموقراطي - بل إنّني أرى تركيا وهي مقدمة على مرحلة صعبة جداً في مسيرتها قد تتعبثر معها أوراق اللعبة السياسيّة في هذا البلد برمّتها، وقد ترسم معالم جديدة للديموقراطيّة في تركيا.
الديموقراطية التي أكثرنا من الحديث عنها هذه الأيّام هي ليست تلك العصا السحرية التي تحدث المعجزات، وهي ليست الحل لكل المشاكل. هناك بلاد إنتصرت فيها الديموقراطيّة من خلال مشروع الإنتخابات مثل مصر وليبيا، ولكن الذين فازوا في إنتخابات حرّة لم يحقّقوا أي شئ للشعب المصري أو للشعب الليبي ذلك لأن الممارسة الديموقراطية - وليس الإنتخابات فقط - لم تكن سليمة لأسباب كثيرة لعلّ أهمّها وأبرزها هو "الإسلام السياسي" وعلى رأسه تنظيم الإخوان المسلمين المخضرم جدّاً والمتلوّن جداً والإنتهازي جداً، وكذلك بقيّة الجماعات الدينيّة المتشدّدة التي لا تعترف بالديموقراطية كثقافة وكممارسة وكإختيار حر للشعب لأن تلك الجماعات لا تؤمن بشئ إسمه "إختيار حر للشعب"... فالشعب في نظرهم ما هو إلّا "رعيّة" عليها أن تتبع الراعي مهما كان ومهما فعل. هذا الراعي حسب المفاهيم الإسلامية المتوارثة عبر الأجيال لا يحق للشعب أن يختاره أو يحاسبه أو يقيله، بل هو نتاج إختيار "الصفوة" الدينيّة التي تحتكر لنفسها الإحتفاظ باليد العليا والطولى في أي بلد إسلامي، وربما تعتبر إيران هي المثال الصارخ لذلك، وقد تأتي السعودية في المركز الموالي وهكذا هو حال بقية البلدان الإسلاميّة بدون إستثناء بما فيها تلك التي إختارت المسار العلماني مثل تونس وتركيا وماليزيا وإندونيسيا.
الذي أفسد المشروع الديموقراطي في كل من مصر وفي ليبيا... هو نفس السبب الذي يفسد الآن الديموقراطية في تركيا والتي لم تكن في حقيقتها ديموقراطيّة شعبيّة... بل هي في جوهرها تعني "ديموقراطيّة الجيش".
الديموقراطية التركية هي ديموقراطية مشروطة ومرتبطة بشكل شبه إحتكاري مع الجيش الذي يشرف على ألة الحكم منذ ثورة مصطفى كمال أتاتورك موسّس تركيا الحديثة التي نعرفها والتي بكل يقين ترتكز على التطبيق الحرفي للعلمانية منذ إنتفاضة ذلك الضابط العسكري مصطفى أتاتورك في عام 1923 بعد ذلك الإنكسار الكبير للإمبراطوريّة العثمانية في الحرب العالمية الأولى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق