Translate

الأحد، 29 يناير 2017

الدولة الليبيّة مستهدفة من الوهابيّة.... وبجدّية

 

كنت وإلى حد قريب أعتقد بأنّنا في ليبيا من المسلمين المعتدلين والتابعين لمذهب الإمام مالك الذي يتميّز بالإعتدال لأنّه مذهباً وسطيّاً بإمتياز، لكنّني الآن بدأت أشعر بأنّ هناك حملة قويّة وشعواء لنشر المذهب الوهابي المتشدّد والمتخلّف بيننا، والذي أذهلني بصدق وأثّر فيّ بشكل كبير ومثير أيضاً هو تجنيد الكثير من الليبيّين للقيام بهذه المهمّة، ورضاء الكثير من السذّج في بلادنا بتطبيق طقوس ومشاعر وظواهر هذا المذهب الذي يعتمد على التشبّث بالماضي بحذافيره دون إخضاعه للنقاش أو حتى لمجرّد الرضاء بمناقشته وكذلك الوقوق ضد أي تغيير يهدف إلى إحتضان ما بلغته البشريّة من تطوّر وتحضّر وحداثة عبر العصور والأجيال.
إن ما يزعجني بصدق هو إنتشار هذا التفكير المتخلّف والرجعي في كل التراب الليبي بشكل متسارع وكأنّنا لم نكن مسلمين من قبل أو لم تكن لدينا مفاهيماً كافية ووافية لتعاليم ديننا من خلال مدارسنا وبيوتنا وشيوخ ديننا المنفتحين على الغير والقابلين بالتغيير والراضين بالسير في ركابه ومواكبته. أنا لم أفهم كيف يسمح البعض لأنفسهم بأن يسيروا وفق مقتضيات الحال وكيف يرضون بأن تسيّرهم الرياح كما تشاء.... بمعنى أن يساقوا كالخراف بدون حتّى مجرّد محاولة الإعتراض أو السؤال. 
أنا أعرف بأن المستوى الثقافي في ليبيا ليس هو بذلك الذي نراه في تونس أو سوريا أو لبنان، لكن الشعب الليبي هو بكل تأكيد ليس كتلك الشعوب التي تقيم في منطقة الخليج من حيث الإنفتاح على الغير ودرجة التحضّر، فنحن ننتمي إلى منطقة البحر الأبيض المتوسّط التي تتميّز بتمازج الحضارات وإختلاط الشعوب المطلّة عليه والتاريخ ينبئنا بشواهد لا تحصى عن ذلك التجاذب والتمازج والإختلاط. من هنا، فالشعب الليبي في معظمه يعتبر شعباً متفتّحاً ومتسامحاً ومنفتحاً على الغير بشكل كبير جداً بما يحول دن التعصّب والتشدّد والتطرّف في ممارساته وفي تعامله مع الغير من شعوب العالم. 
إن ما دفعني للكتابة في هذا الشأن هو رسالة أو برقية للعميد إدريس محمّد مادي آمر المنطقة الغربيّة والتابع للجيش الوطني (أو كما كنت أظن) للشيخ "الدكتور" "العلّامة" "الفذ" المدعو آسامة بن عطايا العتيبي متشرّفاً بتلبيته الدعوة الموجّهة إليه من قبل "القوّات المسلّحة العربية الليبيّة" لزيارة ليبيا، آملاً منه القيام بزيارة للمنطقة الغربيّة وإلقاء بعض الدروس والمحاضرات. أنا بالفعل شعرت بالأسى والحزن حينما قرأت هذه الدعوة بسبب جوهري وهو أن قوّاتنا المسلّحة في شرق البلاد عانت الويلات من الإرهاب بإسم الدين وهو إرهاب وهابي بإمتياز، وبأن كل ما تعاني منه بلادنا الآن هو بسبب الفكر الوهابي التكفيري المتخلّف والذي هو سبب كل ما يحلق بعالمنا الإسلامي الآن من إهانات وإحتقارات من غيرنا من شعوب العالم بسبب إنتشار العنف بإسم الإسلام بما شمل ذبح البشر والتمثيل بهم فما بالك بكم الدمار والخراب الذي أصاب بلادنا العربية وسوريا واليمن وليبيا خير شواهد على ما أقول.
أنا بالفعل إستغربت لدرجة الإشمئزاز كيف بالجيش الوطني الذي يحارب الإرهاب يحتفي ويبجّل ثم يستضيف بحفاوة منقطعة النظير أحد دعاته أو الحاملين للفكر الذي أنجبه ورعاه وكبّره ثم صدّره لنا ولغيرنا... كيف يحتفي جيشنا الوطني بأمثال هؤلاء الذي كانوا بأفكارهم والكيفية التي يسوّقون بها الإسلام إلى غيرهم وهم - أي جيشنا الوطني - كانوا ضحايا متسهدفين لذلك الإرهاب على مدار أكثر من سنتين متتاليتين بسبب تلك الثقافة المنغلقة والغبيّة والمتخلّفة التي لم تتمكّن من مواكبة العصر لأنّها لا تتماشى مع هذا الزمان. إنّها ثقافة الكهوف والحفر والأغوار المظلمة التي أفسدت كل شئ عندنا وحولنا وسوف لن تتركنا حتى نحاول نحن النئ بأنفسنا عنها إن لم نستطع قذفها في سلال النسيان أو صفحات الهجران.





الشيخ العلّامة الدكتور أبو عمر أسامة بن عطايا العتيبي.... كما كتب عن نفسه مع بعض التعليقات الصغيرة جدّاً من عندي وهي وضعت بين قوسين للمصداقيّة في النقل:
ولد في مدينة جرش الأردنية، ثم سافرإلى مدينة رابغ بالمملكة العربية السعودية عام 1395هـ، وقد كان والده في السعودية قبل ذلك منذ عام 1379هـ. 
نشأ الشاب أسامة العتيبي في مدينة رابغ السعوديّة ودرس هناك الابتدائية والمتوسطة والثانوية ثم تخرج من الثانوية عام 1410هـ. التحق بعد ذلك بالجامعة الإسلامية عام 1413هـ وتخرج منها في كلية الحديث الشريف عام 1416-1417هـ (لاحظوا "كلّية الحديث"!). 
درس بعد ذلك الماجستير عام 1417هـ في قسم العقيدة بكلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية، وكان عنوان رسالته : [الأحاديث الموضوعة التي تنافي توحيد العبادة جمعاً ودراسة]... لاحظوا هنا أيضاً "الحديث"... أين يقع القرآن في عقول هؤلاء؟!.
حفظ القرآن عام 1409هـ خلال سنة وشهر (13شهراً).. لاحظوا "حفظ"، ولا تنسوا عامل السرعة هنا !!. أين الفهم والتمحيص والبحث عفي تفسير القرآن ومحاولة فهمه بمنطق العصر؟!. هذا هو ما نعاني منه من أمثال هؤلاء الشيوخ الذين يحفظون القرآن عن ظهر قلب بدون فهم، ويتّجهوا إلى آحاديث يعلم الله مدى صحّتها ليصدروا أحكامهم ويعبّروا عن فهمهم لإسلام على ضوئها.
عمل مدرساً في حلقات تحفيظ القرآن برابغ لمدة ثلاث سنوات تقريباً، أكثر خلالها كما يقول من مطالعة كتابات رياض الصالحين وموطأ الإمام مالك وفقه السنة ثم قرأ كذلك التحفة السنية شرح الآجرومية ثم التحفة السنية شرح المنظومة البيقونية للشيخ حسن المشاط ثم قرأ تمام المنة في التعليق على فقه السنة، وكانت تلك هي بداية علاقته بالشيخ الألباني، وإلتقى به في جدّة بأن زاره في بيته مرّتين واحدة في عام 1411هـ والأخرى في عام 1418هـ ... لاحظ "الألباني" !!. 
يقول الشيخ العتيبي: أحببت القراءة في كتب الحديث وعلومه فأقتنيت السلسة الصحيحة والسلسلة الضعيفة وغيرها من كتب الشيخ الألباني. 
في عام 1409هـ ذهب إلى مكة في العشر الأواخر، وهناك - كما يقول - لازم دروس الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين "لاحظوا بن عثيمين" بعد التراويح وبعد الفجر وداوم على دروسه في رمضان حتى عام 1417هـ . 
أنتبهوا إلى هذه من فضلكم: يقول الشيخ العتيبي: سافرت إلى أفغانستان للجهاد في سبيل الله عام 1411-1412هـ فمكثت بما مجموعه شهران ورجعت بعد حصول الفتنة وقتل الشيخ جميل الرحمن. 
ويقول أيضاً: لما رجعت من أفغانستان عام 1412هـ تزوجت ومكثت في رابغ ستة أشهر أو سبعة ثم سافرت إلى القصيم للتتلمذ على الشيخ ابن عثيمين فمكثت أريعة أشهر تقريباً ثم جاء خبر قبولي في الجامعة الإسلامية فرحلت إلى المدينة وباشرت الدراسة عام 1413هـ . ويضيف في سرده لقصّة حياته: في فترة وجودي في القصيم إضافة إلى محافظتي على دروس الشيخ ابن عثيمين، فقد واظبت على الذهاب للشيخ سليمان العلوان، وكان عمره آنذاك 24 عاماً وعمري 20 عاماً - لاحظوا عمره كان فقط 20 سنة، وفي هذا العمر يتم صقله وتشكيله كما يتعيّن - ولكني جلست عنده لما سمعت من حبه للحديث واهتمامه به وتدريسه له... فحضرت عنده وسمعت عليه المنظومة البيقونية في المصطلح ومتن الرحبية في الفرائض، وكنت أحفظ من مسند الطيالسي : أكتب الحديث وأترجم لرجاله وأخرجه وأحكم عليه ثم أسمع الحديث على الشيخ وأقرأ تخريج الحديث والحكم عليه وتراجم رواته . 
ويقول الشيخ العتيبي عن نفسه أيضاً: فقد حفظت القرآن على قراءة قالون وإلى سورة الأعراف على قراءة ورش على شيخي محمد طاهر الرحيمي الباكستاني ثم تركته لما تبين لي من عقيدته أنه ماتريدي جلد - لاحظوا، ثم تركته لما تبيّن لي من "عقيدته" بأنّه ماتريدي جلد - أنظروا إى العلاقة بينهم وما فيها من أهتلافات بيّنة وكبيرة وكاّني بكل منهم يؤمن بدين مختلف ومن رب آخر !!. يقول بأنّه حضر دروساً كثيرة عند الشيخ عبد القادر الشنقيطي... كل من تتلمذ علي إيديهم هم من الفكر الوهابي(السلفي) المتشدّد والتكفيري في أغلب المواضع.

وتعليقي الإضافي على هذا الكلام هو أن ما كتبه هذا "الشيخ" على نفسه يخبرنا بكل جلاء ووضوح بأنّه كان من أتباع الحديث، وبأن الحديث عنده هو مصدر ثقافته وطريقة تفكيره، كما أنّه من الواضح بأن من كان قد تتلمذ على أيديهم كانوا كلّهم من الوهابيين المنغلقين على أنفسهم وهم إبن تيميّة، إبن العثيمين، وكذلك الشنقيطي. لم يظهر لنا هذا العلّامة الفذ بأنّه بالفعل كان قد قرأ القرآن وحاول جادّاً فهم كلام الله، وبأنّه بكل جد وإجتهاد كان قد بحث عميقاً في كلام الله محاولاً التفسير وإعادة التفسير وإعادة التفسير في كل مرّة قرأ فيها القرآن الكريم. هذا الشيخ ربّما لا يعرف بأنّنا مهما إجتهدنا ومهما حاولنا فإنّنا سوف لن نفهم تفسير كلام الله كما أراده الله، وبذلك فيبقى القرآن معجزة لكل زمان ولكل مكان بحيث أن فهمنا له يخضع لمعارفنا في الزمان وفي المكان الذين عشنا فيهما. بمعنى أن القرآن الكريم هو "نبأ" متجدّد يتواءم بل ويسبق كل زمان يمر من خلاله الإنسان إلى يوم القيامة.... قال الله تعالى: {{ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ}}.
هذا الشيخ بمحدوديّة تفكيره وبضيق مداركه قد لا يفهم بأنّ مواكبتنا للزمان وعبورنا إلى الأمام يزيد من فهمنا لكلام الله ويفتح مداركنا عن مقاصد الرب، ومن هنا فلا يجوز إطلاقاً التشبّث بالماضي، ولا يمكن التحجيرعلى التجديد الذي تعانده السلفيّة من حيث الجوهر، والسلفية هي بكل تأكيد منبع وجذور الفكر الوهابي المتكلّس.

وحول كثرة تبحّر هذا الشيخ العلّامة في "الآحاديث" التي نسبت إلى النبي عليه الصلاة والسلام... أريد أن أسأل هذا الشيخ الجليل: كيف لنبي أمّي لم يقرأ ولم يكتب في حياته أن يأتينا بآحاديث قلنا بأنّها صحيحة تجاوز عددها عن 7250 كان البخاري قد جمعها ونقّحها كما يقول من مجموع ما يقارب ثلاثة أرباع مليون حديث مستشف من أفواه البشر الذين إلتقى بهم البخاري كما يقول بعد أكثر من 100 سنة على وفاة الرسول عليه السلام حدثت خلالها الفتنة الصغرى ثم الفتنة الكبرى التي هجّرت أغلب سكّان المنطقة من آماكنها وكانت قد أتلفت كل شئ بما فيها أية مخطوطات أو محفوظات وهي نادرة جداً في ذلك الزمان.

ثم... إن الرسول عليه السلام كان أميّاً لا يعرف أن يقرأ ولا أن يكتب، وكان القرآن قد نزل عليه وهو قد تجاوز الأربعين سنة من عمره، فهل دخل رسول لله بعد ذلك الكتّاب وتعلّم القراءة والكتابة أم أنّه بقى أمّياً كما كان حين نزول القرآن عليه؟. قال الله تعالى في كتابه العزيز:{{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}}..... صدق الله العظيم. 

الرسول كان أمّيّاً لا يقرأ ولا يكتب، وتلك كانت من بين معجزات القرآن ومن أهم دلائل مصداقيّته. لو كان الرسول عارفاً ومتعلّماً لكان ربّما أضاف على القرآن من عنده، أو ربّما لكانت الناس قد إتهمته بذلك. الرسول كان ناقلاً أميناً لكتاب الله لأنّه لم يكن يعرف كيف يؤلّف أو يقول كلاماً مشابهاً. إختاره الله أمّيّاً لنقل قرآنه بحذافيره إلى الناس بدون زيادة أو نقصان أو تحريف أو تعديل. هذا الرسول الأمّي كيف إذا به يؤلّف لنا مايزيد عن 10,000 حديث ما بين عمر الأربعين وحتى الستين حيث نعرف بأنّه بقى طريح الفراش مريضاً لمدّة ثلاثة سنوات قبل وفاته في عمر 63 سنة؟!.

أي أن الرسول الأمّي كان قد ألّف 1000 حديث على الأقل في كل سنة منذ بعثته وحتى قبيل وفاته، أي أنّه كان عليه السلام قد ألّف 3 آحاديث في كل يوم بدون توقّف... يا للغرابة.

إن الذين يستندون إلى الآحاديث ويتجاهلون القرآن إنّما هم يبحثون عن دين آخر غير دين الله، وأنا أظن بأن هذا الشيخ من بينهم قياساً على المعلومات التي ساقها إلينا عن كيقية تعليمه ونشأته. تلك هي المصيبة الكبرى التي نعاني منها نحن المسلمون اليوم. تركنا القرآن وإبتعدنا عنه لأنّنا لم نجد ضالّتنا فيه، وبحثنا عمّا يتفق مع ما نريد في مصادر أخرى كان الحديث من بينها، وما لم نجده في القرآن وفي الآحاديث إجتهدنا فيه من عندنا وشرّعناه حلالاً أو حراماً لنكمّل به دين الله الذي قالها لنا صراحة وبكل وضوح بأنّه أكمل لنا الدين بنهاية الوحي: {{لْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}}. كما أن الله قالها لنا أيضاً بأنّه لم يترك لنا شيئاً كي نقرّه أن نشرّعه بعد القرآن: {{مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ}}. فمن يا ترى حرّم الموسيقى، وحرّم الرقص، وحرّم السلام على المرأة، وحرّم حلق اللحية... وما غيرها من المحرّمات التي لم تذكر لا في القرآن ولا في الآحاديث حتى وإن كانت تلكم الآحاديث مؤلّفة من البشر وتم نسبها للرسول عليه السلام؟.

هناك الكثير من الآسئلة التي يتوجّب علينا كمسلمين طرحها والبحث فيها بكل صدق وبكل جلاء وبكل تجرّد حتى لا نستمر في خداع أنفسنا والكذب على غيرنا بإسم الإسلام وبإسم الله.... يبدو أن ليبيا سوف تعاني الكثير وسوف تنتظر الكثير لتصبح دولة عصريّة وحديثة كما نريدها !!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق