Translate

الأحد، 27 أغسطس 2017

زيارة السيد بوريس جونسون وكابوس الانتخابات

الأستاذ إبراهيم الدبّاشي - مندوب ليبيا السابق لدى الأمم المتحدة
وزيرخارجية بريطانيا السيد بوريس جونسون انتقل بنفسه الى ليبيا هذه المرة ليطمئن على ان مخطط بلاده في ليبيا لم يفشل. المخطط البريطاني الذي تبنته ايطاليا أيضاً كان واضحاً وهو الوقوف مع المتاسلمين الذين يقودهم رعايا الدول الغربية لحكم ليبيا بدعم من القوة العسكرية لمصراته، او استدامة الفوضى والخلافات الى ان يرتبوا الأوضاع بطريقة تضمن تحقيق ما خططوا له. 
انتهز البريطانيون ومن والاهم من الدول فرصة التوقيع على الاتفاق السياسي واعترفوا بمجموعة السراج كحكومة تحل محل حكومة السيد الغويل في طرابلس، وأسبغوا عليها شرعية موهومة عبر الامم المتحدة، لسبب رئيس وهو شرعنة التدخل العسكري في ليبيا بحجة محاربة تنظيم داعش في سرت، والحصول على موافقة بالعمل العسكري داخل المياه الإقليمية الليبية لاحتواء المهاجرين داخل ليبيا. وفعلاً طلب السيد السراج رسمياً التدخل والمساعدة بضربات جوية لمواقع التنظيم في سرت، فاستجابت بريطانيا وأمريكا وإيطاليا للطلب، ولكنها لم تكتف بما طُلب منها بل أرسلت مفارز قيادة من قواتها الخاصة لتقود من وراء الستار عمليات القوة التي شكلت على عجل من مختلف المجموعات المسلحة، بما فيها أنصار القاعدة، تحت اسم البنيان المرصوص، لطرد داعش من سرت. 
كانت المهمة مغرية لاعضاء المجموعات المسلحة بالنظر الى المبلغ الكبير الذي صُرف للقوة. ولكن لم يكن هدف الدول الغربية القضاء على تنظيم داعش بل تشتيته وأبعاده عن الساحل الليبي لتقليل فرص انتقاله بيسر الى أوربا، وهو هدف شاركهم فيه أنصار القاعدة المشاركين في عملية تحرير سرت بغرض حماية الدواعش وتمكينهم من الفرار نحو الجنوب. 
ضغطت الدول الغربية على السراج ليجعل من مسلحي البنيان المرصوص جيشاً، ولكن ذلك لم يكن ممكنا لان اغلب عناصره من المدنيين، وان هناك خلاف عميق بين بعض مكوناته أدى الى الاقتتال فيما بينها في طرابلس، وأدى الى عودة اغلب المجموعات المسلحة الى وضعها السابق لعملية سرت، واضطر السراج ان يغدق المكافآت على من بقى من القوة، وهي مجموعات مسلحة من مصراته، نظير استمرار تمركزها في سرت حتى لا يزحف عليها الجيش، ويوسع رقعة سيطرته نحو الغرب، ويهدد وجود مجموعة السراج كسلطة مفروضة دولياً في طرابلس.
استغلت ايطاليا عملية سرت وأنشأت مستشفى عسكرية في مدينة مصراته، وارسلت كتيبة من القوات الخاصة لتتمركز في مصراته بحجة حماية المستشفى، دون اي اتفاق رسمي مع سلطات الدولة الليبية في طرابلس او البيضاء، وبقيت المستشفى والقوة العسكرية الإيطالية في مصراته رغم انتهاء العمليات الحربية في سرت!
ادرك البريطانيون ان مخططهم في ليبيا لم ينجح وان الزمن الباقي للاتفاق السياسي محدود، ورهانهم على السراج لوحده غير مجدٍ على المدى الطويل، وقد يكون سبباً في خسارة مصالحهم في ليبيا اذا لم يجدوا طريقة تبعث الروح في الاتفاق السياسي، وتضمن بقاء المتاسلمين وحلفاءهم من مصراته كطرف فاعل في اتخاذ القرارات، وهو امر لن يتم الا عبر التوافق بين المجلس الرئاسي ومجلس النواب اللذان تنتهي مهمتهما مع نهاية الاتفاق السياسي. من هنا جاءت زيارة السيد وزير خارجية بريطانيا الى ليبيا ليلتقي بكبار المسؤولين من طرابلس ومصراته، ويتحول بعد ذلك ليلتقي بالقائد العام للجيش في مقر القيادة.
لقد جاءت زيارة السد جونسون بعد ان ان أكد الناطق باسم القوات المسلحة ان الجيش سوف يعمل على تمكين الشعب الليبي من الذهاب الى الانتخابات لاختيار من يحكمه، وهو ما لا تريده بريطانيا وإيطاليا؛ فالانتخابات قد تبعد أنصارهما نهائياً عن السلطة، وتحسم مسالة الخلاف على الشرعية وتنهي الفوضى، ويصبح من الصعب على الدولتين وغيرهما من الدول التدخل في الشؤون الليبية، وقد كانت تصريحات الوزير البريطاني واضحة من خلال التحذير من الانتخابات، والاصرار على التوافق المستحيل.
ان اكثر ما يزعج بريطانيا وحليفتها ايطاليا هو الوصول الى تاريخ السابع عشر من ديسمبر دون توافق
على تعديل الاتفاق السياسي، ما يعني انتهاء الاتفاق السياسي وينتهي معه مجلس النواب والمجلس الرئاسي، ويبقى المنصب الشرعي الرفيع الوحيد غير المقيد بزمن من السلطة التي اصدرته هو منصب القائد العام للجيش، وفي تلك الحالة يكون من واجبه اتخاذ الإجراءات اللازمة لسد الفراغ السياسي وتنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية، وفِي هذه الحالة لن يكون امام الشعب، بما في ذلك مثقفيه، سوي تأييد الخطوات التي يقوم بها الجيش.
لقد أصبحت الانتخابات مطلباً جماهيرياً لتجاوز مشكلة الشرعية، فهل تنجح بريطانيا وايطاليا في إقناع أعضاء مجلس النواب والمجلس الرئاسي بان مصلحتهم الشخصية في التوافق وليس في الانتخابات، 
ويعتمدوا التسويف في كل ما يهيء الارضيّة لإجراء الانتخابات، ويتفقوا على تعديل الاتفاق السياسي في اللحظة الاخيرة؟ سنرى.
 
التعليق
كلام رائع وجميل وفيه الكثير من الواقعية وبعد النظر. أنا أتفق مع أغلب ما ورد في هذا التقرير وأعتقد بأنّ بريطانيا هي بالفعل تسعى وبكل قوّة لفرض جماعة الإخوان على المشهد السياسي الليبي وتلك كانت بكل تأكيد من بين مهام السيّد بوريس جونسون أثناء زيارته لليبيا. الجانب الآخر المهم والذي علينا أن ننتبه إليه هو الجانب الإقتصادي "البزنس" وكنت قد نوّهت إلى ذلك في مقال سابق لي نشرته على الفيسبوك منذ يومين. وأعود وأقول، نحن هنا نناقش جانبهم وننسى جوانبنا. علينا التفكير في البدائل... علينا التفكير في جانبنا نحن. ماذا يتوجّب علينا فعله ونحن نستدرك ما يدور في الأفق؟. هل إستطاعت القوى الوطنيّة تجميع نفسها والتوافق حول متطلبات المرحلة المقبلة، أم أنّنا سوف نكتفي بالشجب والتحذيرات وترك المجال مفتوحاً لمن نعرف بأنّهم سوف يخرّبون ليبيا؟. السيّد إبراهيم الدبّاشي عليه أن يحتسب نفسه من لبّ التيّار الوطني، ومن مثقفي ليبيا... فهل يستطيع السيّد إبراهيم الدبّاشي الإنتقال إلى الواجهة والعمل على قيادة التيّار الوطني من الأمام بما يتطلّب ذلك من تجميع القوى الوطنية والعمل على التنسيق بينها بهدف الخروج بمواقف موحّدة وخطة عمل مستقبلية؟.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق