Translate

الاثنين، 25 ديسمبر 2017

لا مفرّ من مواجهة الحقيقة

 أشعر اليوم وبعد كل هذا البلاء والخزي الذي أصابنا ومازلنا نعاني منه بأنّنا في أمس الحاجة للبدء في النبش عن المتستّر عنه من ماضينا بهدف إخراجه رغماً عن أولئك الذين يتواجودن بيننا ويحبّذونه بأن يبقى في الخفاء حتى لا تتكشّف عليه أجيال اليوم لتعرف ماضيها الدموي وتاريخ الكثير من أجدادها الحاقدين على بعضهم والمتأزّمين مع أنفسهم. 
لقد آن للمٌخفّي بأن ينبش كي يظهر للناس حتى تعرف أجيالنا الشابّة أسباب مواجعنا وعللنا فلعلّنا نبدأ في البحث لها عن علاج. 
لو أنّ غيرنا من البشر سكتوا عن الأمراض وعالجوها بالأعشاب والتشريط وسكب الدم "الفاسد" لفضلنا إلى يومنا هذا نرى أطفالنا يموتون من الإصابة بأبسط أنواع الميكروبات نظراً لغياب العلاج الناجع. 
غيرنا واجه الحقيقة وإعترف بوجود المشكلة فتوجّب عليه البحث عن الحل. وبالفعل تمكّن غيرنا من إيجاد الحلول، وبذلك تجاوزونا بالكثير من العلم والتقدّم ونحن مازلنا إلى اليوم ننعتهم بالكفّار والمجتمعات المنحلّة أخلاقيّاً والمجتمعات الفاسدة إجتماعيّاً وأصحاب الحضارات الزائفة!. حضارات زائفة ونحن نركب طائراتهم ونفتخر بإمتلاك سيّاراتهم الفارهة ونرتدي ملابسهم ونتزيّن بحليّهم ونتعطّر بعطورهم ونستخدم هواتفهم النقّالة ونتناقش من خلال وسائطهم الإعلاميّة. 
نحن من يجيد إخفاء الحقيقة والضحك على النفس حتى لا نكلّف أنفسنا عناء البحث عن الحل. ألسنا نحن من نسج حديثاً ونسبه للرسول عليه السلام يقول : إذا أبتليتم فأستتروا؟. إذا أبتليتم فأستتروا... وليس إذا أبتليتم فتحدّثوا لغيركم كي يساعدكم على الخروج من البلاوي. إن أردنا أن نصلح حالنا فعلينا أن نتحدّث إلى أنفسنا ونواجهها بالحقيقة حتى وإن كانت مرّة، فالمكبوت مهما تستّرنا عليه سوف يخرج يوماً ما، وحينها قد لا نكون مستعدّين له... وبعدها تحدث الكارثة. 
علينا بأن نكون صادقين مع أنفسنا، فهذا الزمان لا يحتمل الكذب على النفس والتدجيل بإسم الدين. نحن كمسلمين وكعرب نعاني من كوارث إجتماعية وأخلاقيّة وإنسانيّة (قيم وأحاسيس ونفاق وطمع ودجل وأوهام وخرافات ...) سببها حرصنا على تخفيتها وإبعادها بسبب عجزنا عن مواجهتها فتعطينا راحة وقتيّة نتمتّع بها لأنّنا لا نرى أبعد من أصابع أقدامنا، وبهذا فنحن قوم متخلّفون حتى النخاع وإن لم نعترف بذلك ونبدأ من الآن في مواجهة واقعنا المتأزّم فإن مصيرنا "الثورة" على واقعنا.... وقد تكون حينها "مدمّرة" لكل شئ نملكه الآن ونفتخر بأنّه من ثقافتنا وتراثنا.
علينا العودة لماضينا والقيام بإعادة دراسته وتمحيصه بهدف تنقيته من ركام الشوائب التي أضيفت إليه - عن عمد - بغاية تزيينه وتمجيده وتنزيهه عن الخطأ (جعله مثاليّاً) حتّى نتمكّن من التعرّف على ذلك الكم الهائل من المتستّر عليه من أفعال الفاسدين من أجدادنا الذين سبقونا وبرع بعضنا وللأسف في التستّر عليهم بهدف إيهام أنفسنا بأنّنا من سلالة من لا يخطئون... من سلالة "المنزّهين عن الخطأ". علينا بأن نواجه الحقيقة وبأن نتجرّد من "الأبويّة" في كل شئ حتى نمكّن أجيالنا المعاصرة من التنقيب عن ماضيها بكل حريّة، فلعلّ هذه الأجيال تفلح في عمل ما عجزنا نحن عن عمله أو تحقيقه. 
لقد عجزنا نحن عن رسم معالم طريقنا لأنّ أفكارنا مشوّشة وثقافتنا الكثير منها مزوّف وللأسف، فلنترك العنان لأجيالنا الشابّة كي تحمل مشعل البحث عن الحقيقة والكشف عن العيوب بهدف تنقية واقعنا ممّا علق به من شوائب فلعلّنا نتمكّن من دخول هذا العصر ونسير في ركب من سبقونا وتجاوزونا وتغلّبوا علينا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق