حينما نظرت هذا الصباح من خلال النافذة إلى ذلك العالم الفسيح من حولي أحسست بالكثير من الإنشراح والإرتياح والسعادة. قلت في نفسي.. إنّه اليوم الأوّل من العام الجديد، وعندما يبدأ اليوم بمثل هكذا إنشراح فلابد وأن يكون مبشّراً بعام سعيد وراسماً لغد أفضل لكل البشر. كل عام وأنتم بألف خير وصحّة وعافية وسعادة وهناء.
تلك الرحاب الجميلة، وتلك الطيور السابحة، وذلك الهدوء المفعم بالحياة دفعني لأن أفكّر في "السعادة" وأن أكتب هذا اليوم عن "الأمل والتفاؤل" حتى أشارككم معي ببعض ما أحسست به في داخلي وفي كل خليّة في مخّي.
"السعادة" هي إحساس طبيعي ينطلق من مشاعر عميقة في وجدان وكيان وعقل الإنسان ترفع من كم تفاؤله وتزيد من إحساسه بالثقة بنفسه. حينما يرتفع كم التفاؤل في داخل الإنسان تزداد ثقته بنفسه، وحينما تنمو ثقتك في نفسك تقدر على الإبداع وتتمكّن من مضاعفة العطاء. كما أن إحساسك بالآخرين يرتفع، وشعورك نحوهم يصبح بالفعل "إنساني" بتلك القيم والمعايير، وبذلك الإحساس العميق الذي كان الله قد خلقك به قبل أن تتخلّى عن الكثير منه جارياً وراء ملذّات جسديّة، وباحثاً عن أمجاد تنسج لك نفسك معالمها وأبعادها وأعماقها بما يبعدك عن الإحساس بالمحيطين بك، ويدخلك في متاهات الأنانيّة وحب الذات بذلك القدر الذي يحوّلك إلى إنسان طمّاع لا تهمّه إلّا نفسه؛ وذلك هو ما يولّد بداخلك الطمع والحسد والجحد وتبلّد الأحاسيس.
دعوني أعود إلى "السعادة"... هل هي هكذا توهب لنا؛ أم أنّنا نحن من يصنعها؟.
هذا سؤال جوهري بالنسبة لي... فأنا أؤمن بصدق في داخل أعماقي بأن السعادة نحن من يصنعها، ولا يمكن شرائها بالمال ولا بالتملّك، ولا بالثروة، ولا بالجاه، ولا بالسلطان، ولا بالخدم أو الحشم. إن الإنسان التعيس في داخله لا يمكن له بأن يكون سعيداً في كيانه حتى وإن أمتلك كل ثروات الأرض، وإن إستعبد كل البشر على سطحها لخدمته.
الكثير من مرضاي يقولون لي بأن الربيع آت حيث سوف يذهبوا باحثين عن السعادة في مناطق أخرى من العالم من خلال رحلات تسيّح وعطلات ترفيه. وأقول لهم بأن السعادة يجب وأن تصنع بدواخلهم، وكل من يذهب بعيداً باحثاً عن السعادة سوف لن يجدها. أن تذهب بسعادتك معك إلى حيث تشاء، وهناك تستثمرها وتنمّيها وتكثر منها لتعود أكثر سعادة ولتوزّع بعض منها على أصدقائك ومعارفك؛ فذلك هو النهج الصحيح. إن السعادة هي مثل المال... تصنعه من عرق جبينك، ثم تستثمره في أمور حسنة بعيداً عن الجشع والطمع والأنانية وحب الذات.
شيوخ دينكم يمنعونكم من إستثمار أموالكم بإعتبار أن ذلك قد يدخلكم في "الرباء"، وكذلك فإن الإنسان حينما يستغنى يحسّ بالترفّع على الآخرين، وتأخذ الأنانيّة في النمو بداخله بما ينسيه ربّه، وينسيه إنسانيّته؛ والأجدر به هو أن يعطي بعض من ماله للفقراء والمساكين فذلك حسب تفكيرهم وإجتهادهم هو "الإستثمار الحقيقي". أنا أقول بأن مالك إن رغبت في تنميته عليك بأن تستثمره في مشاريع تزيد منه لك؛ ومن بعدها تتصدّق ببعض مما كسبته بدل التصدّق به قبل أن تستثمره. ذلك سوف يعود بالفائدة عليك وعلى البشر من حولك.
تلك هي السعاده.. تصنعها، ثم تنمّيها، ثم ترفع من رصيدك منها، ومن بعدها تشارك بها غيرك؛ فتسعد الغير وتسعد نفسك. بذلك فقط يمكننا أن نساهم في نشر السعادة من حولنا، وأن نقدر على تحويل هذا العالم إلى عالم إخاء ومحبّة وأنس... وسعادة. يومكم سعيد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق