عن "الأهرام" الإليكترونيّة (بقلم: أشرف سيّد)
عندما تولي الإسلام السياسي الحكم في تركيا قاد البلاد إلي نهضة اقتصادية وصناعية كان مؤسسها نجم الدين أربكان الذي انتقل إلي الحياة السياسية بعد أن أنهي دراسة الدكتوراه في ألمانيا وتخصص في صناعة الآلات الثقيلة, واطلع علي النهضة الاقتصادية في ألمانيا.
وبعد أن عاد إلي تركيا أصبح مشبعا بأن يكون هناك ضرورة إنشاء صناعة في تركيا بينما في مصر عندما تقلد الإخوان الحكم وعدوا الشعب المصري بمشروع النهضة الذي طار ولم يعد وبدلا من أن يقود الرئيس محمد مرسي البلاد إلي التقدم والازدهار زادت في عهده الأزمات وعجز ومعه حكومته عن حلها فقاد البلاد إلي ثورة 30 يونيو فلماذا لم يستفد مرسي من التجربة التركية؟ الإجابة في هذا التقرير. حيث أكد د. الصفصافي أحمد القطوري, أستاذ الدراسات التركية بجامعة عين شمس, أن أربكان يعتبر مؤسس الإسلام السياسي في تركيا دون منازع وانتقل إلي الحياة السياسية بعد أن أنهي دراسة الدكتوراه في ألمانيا وتخصص في صناعة الآلات الثقيلة, واطلع علي النهضة الاقتصادية في ألمانيا, وبعد أن عاد إلي تركيا أصبح مشبعا بأن يكون هناك ضرورة إنشاء صناعة في تركيا فأطلق فكرة الرؤية القومية في الصناعة وقام بترشيح نفسه لعضوية مجلس الأمة وفاز بها ثم أصبح رئيسا للغرفة الصناعية في تركيا, وأسس أول حزب معتمد علي الإسلام السياسي( حزب النظام القومي)وأصبح ممثلا في مجلس الأمة التركي وله كتلة برلمانية في مجلس الأمة, لكن يؤخذ عليه أنه كان صداميا مع الجيش وكان من المؤمنين بالاتجاه إلي الشرق, وهذا هو الفرق الجوهري الذي جعله يختلف عن مرسي في الاتجاه إلي الشرق وكان معارضا لانضمام تركيا إلي السوق الأوروبية المشتركة, وعوضا عن ذلك أسس مجموعة الثماني( مصر تركيا وبنجلاديش وباكستان وتنزانيا واندونسيا وماليزيا) وحاول أن يخلق بهذه المجموعة سوقا إسلامية مشتركة ينافس بها السوق الأوروبية لأنه كان علي قناعة كاملة أن المجتمع الغربي لن يقبل تركيا عضوا متساويا في الحقوق مع الدول الأوروبية وله تشبيه اقتصادي في هذا الصدد(إذا تخيلنا أن العالم مبني من ثلاثة أدوار فسوف يكون في الدور الأعلي الأمريكان واليابانيون واليهود والكنديون والدور الثاني يسكنه الأوربيون والبدروم يسكنه الأتراك ومن في مستواهم من العالم الإسلامي), ومن الطبيعي أن من يسكنون البدروم يكونون من الخدم والطباخين والسائقين بمعني إذا قبلت أوروبا تركيا أو أي دولة إسلامية تريد أن تنضم إلي السوق الأوروبية المشتركة سيكونون هم الخدم لأنهم سيكونون من سكان البدروم, ومن هذا انطلق إلي ضرورة إنشاء اقتصاد قومي وسبب اصطدامه مع الجيش, إعلانه المباشر ضرورة عودة النص في الدستور التركي علي أن تركيا دولة إسلامية كما اصطدم أيضا مع العلمانيين واستطاع الجيش أن يلغي( حزب النظام القومي)فأعاد تأسيس حزب آخر( حزب الخلاص القومي) واعتمد فيه علي سكان الجنوب والأسر والقبائل والعائلات الإسلامية, ودخل الانتخابات كزعيم للحزب واستطاع أن يحصل علي مقاعد تؤهله في المشاركة في الوزارة مع بولاند أجاويد زعيم حزب الشعب الجمهوري وأصبح نائب رئيس وزراء, وانطلق إلي تنفيذ مشروع الرؤية القومية في الصناعة واعتمد علي صناعات كثيفة العدد مثل صناعات الأسمنت وبنجر السكر ودعم الفلاحين والمزارعين بتوفير الأسمدة وكل مستلزمات الإنتاج الزراعي, وقام بإنشاء عدد كبير من مدارس الأئمة والخطباء والتي توازي المعاهد الدينية في مصر إلي جانب كليات الإلهيات والتي تشبه كلية أصول الدين بمصر لكي يجعل العنصر الإسلامي له دور بارز في المجتمع, وأدي عناده مع الجيش إلي وقوع صدام بينه وبين الجيش الذي قرر منعه من ممارسة النشاط السياسي لمدة خمس سنوات, وبعد انتهاء المدة عاد إلي العمل السياسي مؤسسا لـ(حزب الرفاه)وضم إليه نخبة كبيرة من الشباب الذين تخرجوا من مدارس الأئمة والخطباء وكليات الإلهيات, والذين كانوا يمارسون العمل السياسي في اتحاد الطلاب ورشح عدد كبير منهم لانتخابات البلدية وفازوا في المدن الكبيرة مثل أنقرة واسطنبول وأزمير, ودخل الحزب الانتخابات البرلمانية وفاز بالأغلبية والتي مكنته من أن يقوم بتشكيل الوزارة ويكون رئيسا للوزراء, ثم تابع مشروعه القومي في الصناعة ولكنه كان يجاهر دائما بعدائه للجيش والعلمانيين والشيوعيين والاشتراكيين, فانقلب الجيش ضده ومنعه من ممارسة العمل السياسي مرة أخري هو وقادة الأحزاب الأخري مثل سليمان ديميريل وغيره, وأدي هذا الصدام إلي أن يختلف معه شباب الحزب والذين كانوا يمثلون الصف الثاني وكان علي رأسهم رجب طيب أردوغان وعبد الله جول وأحمد داوود أوغلو وانفصلوا عنه في صدامه مع الجيش والمحكمة الدستورية, ولايمكن أن ننسي دور المخابرات الإسرائيلية والأمريكية واللوبي اليوناني والأرمن في أمريكا فكل هؤلاء جميعا يعملون ضد التيار الذي يقوده نجم الدين أربكان, وشكل الشباب الجدد حزبا مستقلا تحت مسمي( حزب العدالة والتنمية) وكسبوا بها الانتخابات( عام2002).
أما نقاط التقارب والخلاف بين نجم أربكان ومحمد مرسي, أن أربكان كان يسعي إلي إنشاء اقتصاد قومي قبل أن يصل إلي الحكم, ومكن الشباب الذين ترعرعوا تحت مظلة سياسته ومكن لهم في البلديات خاصة أن البلديات في تركيا بالانتخاب, والشعب التركي يعطي أهمية لانتخابات البلدية لأنها هي التي تمكن وتوفر له الإمكانات التي يحتاجها في حياته اليومية, ونجح أربكان في توزيع رأس المال الموجود في البنوك علي صغار الصناع والفلاحين ولم يكن حكرا علي رجال الأعمال, التشابه بينه وبين محمد مرسي أن كليهما كان صداميا مع من يخالفه في الرأي وكان يعتبر نفسه أستاذا لكل الساسة الموجودين علي الساحة فكان يطلب منهم أن يخضعوا لوجهة نظره حتي وإن كانت مختلفة, فقد كان لديهم صدام مع كل التيارات السياسية الأخري.
والدراسة في شخصية كل من أربكان ومرسي أنهما لا يقبلان الرأي الآخر بسهولة, أيضا مكن أربكان شباب حزبه حتي لو لم يكونوا من التيار الإسلامي أو من خريجي كليات الإلهيات أو مدارس الأئمة بينما اعتمد مرسي أن يؤخون كل مؤسسات الدولة منذ اللحظة الأولي التي تولي فيها الحكم, وهناك فرق بين السياسة الاقتصادية لأربكان ومحمد مرسي حيث أن أربكان كان يعتمد علي الكفاءات كل في تخصصه بينما مرسي حاول أن يسيطر هو ومجموعته علي مجلس الأمة والشوري ورئاسة الوزراء والمحافظين بينما مصر كانت تحتاج إلي تضافر كل الجهود لكي تخرج من كبوتها الاقتصادية.
ويتشابه الاثنان في أنهما مهندسان ودرسا خارج دولتهما أحدهما في ألمانيا والآخر بأمريكا حيث نقل الأول خبرته المهنية والدراسية التي اكتسبها بألمانيا بينما الآخر اكتفي بالوعود البراقة دون أن يلتزم بتنفيذ أي من البرامج التي اقترحها أثناء دعايته الانتخابية أو بعد توليه الحكم, أيضا أربكان كان يصرح بمشروعاته الحالية والمستقبلية أي أنه كان له شفافية في الحكم بينما مرسي لم يكن يتمتع بهذه الشفافية وكان يجعل الآخرين يتدخلون في قراراته, ومن هنا كانت قراراته متضاربة أحيانا أو يتم صرف النظر عنها في أحيان أخري.
في حين يشير د. أحمد هارون أستاذ الأدب التركي بجامعة المنصورة إلي أن تركيا سبقت مصر في ممارسة السياسة المؤسسة علي مبادئ وأركان الدولة الحديثة التي أفرزتها الحضارة الغربية في أوربا وأمريكا.
ولم يبدأ هذا السبق كما يظن البعض بإعلان الجمهورية التركية عقب معاهدة لوزان عام1923 م وإنما يعود إلي عصر سليم الثالث السلطان العثماني الذي سبق محمد علي بعقود في وضع دستور( نظام جديد) للدولة العثمانية ومن أبرز معطياته الانفتاح علي الغرب والاستفادة من نهضته في شتي المجالات الحياتية السياسية وغيرها فتحت هذه الممارسة السياسية الباب علي مصراعيه لانطلاق ممارسة سياسية مؤسسة علي مبادئ وأركان الإسلام الذي حكم من خلاله الأتراك والعثمانيون عدة قرون.
مهدت الممارسة الأخيرة لنشوب صراع بين ما عرف فيما بعد بالإسلام السياسي في مواجهة السياسة الحديثة والعصرية بجناحيها اليساري والليبرالي( الرأسمالي) واللذين جمعهما مصطلح علماني.
عقب موت مصطفي كمال أتاتورك في عام1938, نفض رواد الإسلام السياسي عن أنفسهم غبار الحقبة الكمالية التي أسست لدولة تركيا الحديثة القائمة علي دستور علماني مغاير تماما لمنطلقاتهم ومبادئهم بدأت الحركة الإسلامية جني ثمار جهدها السري والعلني عام1945 بصعود الحزب الديمقراطي المدعوم من السلطة إلي السلطة علي حساب الحزب الجمهوري
لم يمر أكثر من عقد ونصف حتي وقع الانقلاب العسكري الأول عام1960 حماية لعلمانية الدستور والدولة ثم تبعه خلال عقدين فقط الانقلاب الثاني والثالث لإيقاف المد الإسلامي في السياسة التركية ومنع الأخذ بها نحو دولة دينيه إسلامية. استفاد الإسلاميون من تجربتهم في العقود السابقة فأحدثوا تغييرا منهجيا في العمل السياسي عن طريق وصولهم إلي سدة الحكم مرتين الأولي بقيادة نجم الدين أربكان ولم تدم طويلا والأخري والتي لا تزال مستمرة بقيادة رجب طيب أردوغان.
وعند عقد مقارنة بين أربكان ومرسي من خلال مناقشة المشترك الإسلامي بينهما والاختلاف بين تركيا ومصر تاريخيا وحضاريا. لعب المشترك الإسلامي بين أربكان ومرسي دورا أظهر أن كليهما له نفس المرجعية الطامحة إلي إعادة المجد الإسلامي من خلال إقامة دولة تقوم علي مبادئ الشريعة الإسلامية وتكون امتدادا لدولة الخلافة التي سقطت لسقوط الدولة التركية العثمانية أواخر الربع الأول من القرن العشرين إلا أن تجربة تركيا التاريخية والحضارية المختلفة عن نظيرتها المصرية تفسر تفسيرا علميا عوامل فشل كل من أربكان ومرسي في إقامة المشروع الإسلامي من خلال وصولها إلي سدة الحكم من تركيا ومصر ومنها أن التجربة التركية فرضت صداما واضحا ومعلنا بين الإسلام والحداثة فمنذ اللحظة الأولي لإعلان الجمهورية حسم الدستور العلماني الأمر بإقصاء الدين ولم يسع الإسلاميون إلا إلي العمل في السر دون الدخول في صدام مع الدولة القابضة علي كل مقدرات تركيا الاقتصادية والعسكرية بل والثقافية, أما في مصر فقامت الدولة المدنية في بمواءمة بين الإسلام والحداثة من خلال بعض مواد الدستور ومؤسسة الأزهر الشريف, أيضا مر الإسلام السياسي في صراعه مع الدولة الحديثة والعلمانية في تركيا بمراحل مختلفة عن مثيلتها في مصر ففي تركيا انتقل الإسلاميون من رد الفعل إلي الفعل في الثقافة والفكر في حين لا يزال الإسلاميون في مصر في مرحلة رد الفعل, وهكذا لم يكن سقوط أربكان والزج به في السجون بعد عام مشابها لسقوط مرسي وإن كان تشابها في المرجعية الإسلامية.
في حين يؤكد د. طارق عبد الجليل الأكاديمي والمتخصص في الشئون التركية بجامعة عين شمس أنه إذا كان المشروع الإسلامي هو عنصر التشابه الرئيسي بين تجربة أربكان وتجربة مرسي في السلطة فإن ثمة أوجه اختلاف عديدة بين التجربتين; ترتبط بالواقع المحلي للبيئة الاجتماعية والبنية السياسية لكلتا الدولتين, وكذلك بالمتغيرات الإقليمية والدولية التي صاحبت هاتين التجربتين.
ولم يكن فوز حزب الرفاه بزعامة المرحوم أربكان بالمركز الأول في الانتخابات البرلمانية التي جرت عام1995 م هو المشاركة السياسية الأولي لتيار الإسلام السياسي في تركيا; إذ كان أربكان في ذلك الوقت قد شارك في عدد من الحكومات الائتلافية في السبعينيات, استطاع من خلالها غرس كوادره الحزبية والسياسية في مؤسسات الدولة, كما أن نجاحات الحزب في انتخابات المحليات لاسيما في انتخابات1994 م قد أكسبت الحزب مصداقية لدي الشعب التركي وأكسبت كوادره الخبرة اللازمة لمنافسة الأحزاب الكبري في إدارة الدولة.
خاض أربكان غمار الحياة السياسية في السبعينيات حاملا رؤية ومشروعا سياسيا جديدا علي المجتمع التركي وهو المشروع الإسلامي, وقد لاقي هذا المشروع قبولا لدي قطاع من المتدينين والمحافظين في تركيا باعتباره منافسا للتيارات الرأسمالية والاشتراكية والقومية, ومن ثم كان الخطاب الديني لدي حزب السلامة الوطني بزعامة أربكان هو أبرز عوامل نجاحه خلال عقد السبعينيات, وهو خطاب كشف بوضوح عن مفهوم الأمة الإسلامية والخلافة, والعودة إلي الماضي العريق كسبيل إلي النهضة والتقدم, غير أن الظهور الثاني لتيار الإسلام السياسي بزعامة أربكان في التسعينيات تحت مظلة حزب الرفاه واجه تحديا جديدا بسبب انهيار الاتحاد السوفيتي وتلاشي مخاطره علي تركيا; هذا التحدي جعل الحزب يطور برنامجه النظام العادل ليحمل رؤية واقعية عقلانية بشكل أكبر تجاه قضايا الوطن داخليا وخارجيا, غير أن حرص أربكان علي الحفاظ علي كتلته الناخبة الإسلامية جنبا إلي جنب مع مخاطبة قطاعات جديدة من الناخبين قد جعله يطلق وعودا انتخابية تلبي رغبات القطاع المتدين والمحافظ مثل: رفع الحظر عن الحجاب, وأسلمة المجتمع, وبعد وصول أربكان إلي السلطة ومحاولته الوفاء بهذه الوعود اصطدم بالواقع السياسي والدستوري ومؤسسات الدولة التي رفضت فرض مشروعات الأسلمة علي المجتمع, واعتبرت تلك الجهود إخلالا بنظام الدولة المؤسس لاسيما مبدأ العلمانية,وإزاء تنامي الحالة الإسلامية داخل المجتمع التركي خاصة خلال تولي أربكان رئاسة الوزراء أنشأت رئاسة الأركان التركية وحدة خاصة لرصد ومتابعة هذه الظاهرة, ثم اتخذت قيادة الأركان قرارها بوجوب التصدي لأنشطة الإسلاميين المتزايدة في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وتبلورت هذه الجهود في انقلاب عسكري عرف بالانقلاب ما بعد الحداثي, انتهت علي أثره تجربة أربكان كرئيس للوزراء. واللافت للنظر أن أربكان قد تفاعل بشكل إيجابي مع ذلك الانقلاب العسكري, وقام بتأسيس حزب جديد سمي بحزب الفضيلة واعتبر ما حدث جولة سياسية خسرها كتلك الجولات التي خاضها في السبعينيات. وأريد التأكيد هنا أن هذا الانقلاب العسكري الأخير عام1997 م كان نقطة فارقة في مسار الحركات الإسلامية جميعها في تركيا, فقد اضطرت الحركات الإسلامية المختلفة بما فيها تيار الإسلام السياسي إلي مراجعة إيديولوجياتها واستراتيجياتها لتصبح أكثر اتساقا مع نظام الدولة ودستورها وأكثر عقلانية في التفاعل مع قضايا الوطن الداخلية والخارجية. ولعل تبلور حزب العدالة والتنمية كان أبرز معالم هذه المراجعات. ورغم أن حزب العدالة والتنمية يعد في الأصل انشقاقا عن خط تيار الإسلام السياسي أكثر من كونه امتدادا وتطورا له إلا أنه استطاع تضييق الهوة بين متطلبات المجتمع المحافظ وبنية الدولة وواقعها السياسي والدستوري, بينما توقف الجناح التقليدي الذي يمثل شيوخ تيار الإسلام السياسي الأربكاني عند نقطة الشعور بالاضطهاد والاستضعاف من قبل مؤسسات الدولة لاسيما المؤسسة العسكرية, وعجزوا عن تطوير رؤيتهم بشكل عقلاني يمكنه من العودة إلي المشاركة في الحياة السياسية, بل واتخذوا موقفا معاديا للتيار التجديدي الذي انشق عنهم وأحرز نجاحات في العمل السياسي وفي إدارة الدولة.
اعتاد العسكر في تركيا علي القيام بانقلابات عسكرية علي السلطة الحاكمة حال شعورهم بانتهاك هذه السلطة لمبادئ الجمهورية وخاصة مبدأ العلمانية, وكانوا في انقلاباتهم هذه ينطلقون من سند دستوري لحماية الدستور ونظام الدولة, وتعد هذه النقطة عنصر اختلاف بين التركيبة الذهنية والإيديولوجية للمؤسسة العسكرية في تركيا وبين المؤسسة العسكرية في مصر, فالجيش التركي جيش مؤدلج; يحمي الجمهورية التركية ومبادئها الستة وفق المادة رقم35 من قانون الخدمة العسكرية والتي يبذل أردوغان حاليا جهودا مكثفة لتعديلها للتخلص من ذلك السند القانوني للانقلابات العسكرية, بينما الجيش المصري جيش لا يتبع إيديولوجية بعينها, بل هو جيش وطني يحمي الوطن والشعب المصري من المخاطر الخارجية والداخلية التي قد تهدد أمن المجتمع وسلامته وتعبث في بنية النسيج الفكري لذلك المجتمع, ومن ثم لم يعتد الجيش المصري علي القيام بانقلابات عسكرية, بل ينحاز دائما إلي إرادة الشعب ومصالح الوطن العليا.
والدراسة في شخصية كل من أربكان ومرسي أنهما لا يقبلان الرأي الآخر بسهولة, أيضا مكن أربكان شباب حزبه حتي لو لم يكونوا من التيار الإسلامي أو من خريجي كليات الإلهيات أو مدارس الأئمة بينما اعتمد مرسي أن يؤخون كل مؤسسات الدولة منذ اللحظة الأولي التي تولي فيها الحكم, وهناك فرق بين السياسة الاقتصادية لأربكان ومحمد مرسي حيث أن أربكان كان يعتمد علي الكفاءات كل في تخصصه بينما مرسي حاول أن يسيطر هو ومجموعته علي مجلس الأمة والشوري ورئاسة الوزراء والمحافظين بينما مصر كانت تحتاج إلي تضافر كل الجهود لكي تخرج من كبوتها الاقتصادية.
ويتشابه الاثنان في أنهما مهندسان ودرسا خارج دولتهما أحدهما في ألمانيا والآخر بأمريكا حيث نقل الأول خبرته المهنية والدراسية التي اكتسبها بألمانيا بينما الآخر اكتفي بالوعود البراقة دون أن يلتزم بتنفيذ أي من البرامج التي اقترحها أثناء دعايته الانتخابية أو بعد توليه الحكم, أيضا أربكان كان يصرح بمشروعاته الحالية والمستقبلية أي أنه كان له شفافية في الحكم بينما مرسي لم يكن يتمتع بهذه الشفافية وكان يجعل الآخرين يتدخلون في قراراته, ومن هنا كانت قراراته متضاربة أحيانا أو يتم صرف النظر عنها في أحيان أخري.
في حين يشير د. أحمد هارون أستاذ الأدب التركي بجامعة المنصورة إلي أن تركيا سبقت مصر في ممارسة السياسة المؤسسة علي مبادئ وأركان الدولة الحديثة التي أفرزتها الحضارة الغربية في أوربا وأمريكا.
ولم يبدأ هذا السبق كما يظن البعض بإعلان الجمهورية التركية عقب معاهدة لوزان عام1923 م وإنما يعود إلي عصر سليم الثالث السلطان العثماني الذي سبق محمد علي بعقود في وضع دستور( نظام جديد) للدولة العثمانية ومن أبرز معطياته الانفتاح علي الغرب والاستفادة من نهضته في شتي المجالات الحياتية السياسية وغيرها فتحت هذه الممارسة السياسية الباب علي مصراعيه لانطلاق ممارسة سياسية مؤسسة علي مبادئ وأركان الإسلام الذي حكم من خلاله الأتراك والعثمانيون عدة قرون.
مهدت الممارسة الأخيرة لنشوب صراع بين ما عرف فيما بعد بالإسلام السياسي في مواجهة السياسة الحديثة والعصرية بجناحيها اليساري والليبرالي( الرأسمالي) واللذين جمعهما مصطلح علماني.
عقب موت مصطفي كمال أتاتورك في عام1938, نفض رواد الإسلام السياسي عن أنفسهم غبار الحقبة الكمالية التي أسست لدولة تركيا الحديثة القائمة علي دستور علماني مغاير تماما لمنطلقاتهم ومبادئهم بدأت الحركة الإسلامية جني ثمار جهدها السري والعلني عام1945 بصعود الحزب الديمقراطي المدعوم من السلطة إلي السلطة علي حساب الحزب الجمهوري
لم يمر أكثر من عقد ونصف حتي وقع الانقلاب العسكري الأول عام1960 حماية لعلمانية الدستور والدولة ثم تبعه خلال عقدين فقط الانقلاب الثاني والثالث لإيقاف المد الإسلامي في السياسة التركية ومنع الأخذ بها نحو دولة دينيه إسلامية. استفاد الإسلاميون من تجربتهم في العقود السابقة فأحدثوا تغييرا منهجيا في العمل السياسي عن طريق وصولهم إلي سدة الحكم مرتين الأولي بقيادة نجم الدين أربكان ولم تدم طويلا والأخري والتي لا تزال مستمرة بقيادة رجب طيب أردوغان.
وعند عقد مقارنة بين أربكان ومرسي من خلال مناقشة المشترك الإسلامي بينهما والاختلاف بين تركيا ومصر تاريخيا وحضاريا. لعب المشترك الإسلامي بين أربكان ومرسي دورا أظهر أن كليهما له نفس المرجعية الطامحة إلي إعادة المجد الإسلامي من خلال إقامة دولة تقوم علي مبادئ الشريعة الإسلامية وتكون امتدادا لدولة الخلافة التي سقطت لسقوط الدولة التركية العثمانية أواخر الربع الأول من القرن العشرين إلا أن تجربة تركيا التاريخية والحضارية المختلفة عن نظيرتها المصرية تفسر تفسيرا علميا عوامل فشل كل من أربكان ومرسي في إقامة المشروع الإسلامي من خلال وصولها إلي سدة الحكم من تركيا ومصر ومنها أن التجربة التركية فرضت صداما واضحا ومعلنا بين الإسلام والحداثة فمنذ اللحظة الأولي لإعلان الجمهورية حسم الدستور العلماني الأمر بإقصاء الدين ولم يسع الإسلاميون إلا إلي العمل في السر دون الدخول في صدام مع الدولة القابضة علي كل مقدرات تركيا الاقتصادية والعسكرية بل والثقافية, أما في مصر فقامت الدولة المدنية في بمواءمة بين الإسلام والحداثة من خلال بعض مواد الدستور ومؤسسة الأزهر الشريف, أيضا مر الإسلام السياسي في صراعه مع الدولة الحديثة والعلمانية في تركيا بمراحل مختلفة عن مثيلتها في مصر ففي تركيا انتقل الإسلاميون من رد الفعل إلي الفعل في الثقافة والفكر في حين لا يزال الإسلاميون في مصر في مرحلة رد الفعل, وهكذا لم يكن سقوط أربكان والزج به في السجون بعد عام مشابها لسقوط مرسي وإن كان تشابها في المرجعية الإسلامية.
في حين يؤكد د. طارق عبد الجليل الأكاديمي والمتخصص في الشئون التركية بجامعة عين شمس أنه إذا كان المشروع الإسلامي هو عنصر التشابه الرئيسي بين تجربة أربكان وتجربة مرسي في السلطة فإن ثمة أوجه اختلاف عديدة بين التجربتين; ترتبط بالواقع المحلي للبيئة الاجتماعية والبنية السياسية لكلتا الدولتين, وكذلك بالمتغيرات الإقليمية والدولية التي صاحبت هاتين التجربتين.
ولم يكن فوز حزب الرفاه بزعامة المرحوم أربكان بالمركز الأول في الانتخابات البرلمانية التي جرت عام1995 م هو المشاركة السياسية الأولي لتيار الإسلام السياسي في تركيا; إذ كان أربكان في ذلك الوقت قد شارك في عدد من الحكومات الائتلافية في السبعينيات, استطاع من خلالها غرس كوادره الحزبية والسياسية في مؤسسات الدولة, كما أن نجاحات الحزب في انتخابات المحليات لاسيما في انتخابات1994 م قد أكسبت الحزب مصداقية لدي الشعب التركي وأكسبت كوادره الخبرة اللازمة لمنافسة الأحزاب الكبري في إدارة الدولة.
خاض أربكان غمار الحياة السياسية في السبعينيات حاملا رؤية ومشروعا سياسيا جديدا علي المجتمع التركي وهو المشروع الإسلامي, وقد لاقي هذا المشروع قبولا لدي قطاع من المتدينين والمحافظين في تركيا باعتباره منافسا للتيارات الرأسمالية والاشتراكية والقومية, ومن ثم كان الخطاب الديني لدي حزب السلامة الوطني بزعامة أربكان هو أبرز عوامل نجاحه خلال عقد السبعينيات, وهو خطاب كشف بوضوح عن مفهوم الأمة الإسلامية والخلافة, والعودة إلي الماضي العريق كسبيل إلي النهضة والتقدم, غير أن الظهور الثاني لتيار الإسلام السياسي بزعامة أربكان في التسعينيات تحت مظلة حزب الرفاه واجه تحديا جديدا بسبب انهيار الاتحاد السوفيتي وتلاشي مخاطره علي تركيا; هذا التحدي جعل الحزب يطور برنامجه النظام العادل ليحمل رؤية واقعية عقلانية بشكل أكبر تجاه قضايا الوطن داخليا وخارجيا, غير أن حرص أربكان علي الحفاظ علي كتلته الناخبة الإسلامية جنبا إلي جنب مع مخاطبة قطاعات جديدة من الناخبين قد جعله يطلق وعودا انتخابية تلبي رغبات القطاع المتدين والمحافظ مثل: رفع الحظر عن الحجاب, وأسلمة المجتمع, وبعد وصول أربكان إلي السلطة ومحاولته الوفاء بهذه الوعود اصطدم بالواقع السياسي والدستوري ومؤسسات الدولة التي رفضت فرض مشروعات الأسلمة علي المجتمع, واعتبرت تلك الجهود إخلالا بنظام الدولة المؤسس لاسيما مبدأ العلمانية,وإزاء تنامي الحالة الإسلامية داخل المجتمع التركي خاصة خلال تولي أربكان رئاسة الوزراء أنشأت رئاسة الأركان التركية وحدة خاصة لرصد ومتابعة هذه الظاهرة, ثم اتخذت قيادة الأركان قرارها بوجوب التصدي لأنشطة الإسلاميين المتزايدة في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وتبلورت هذه الجهود في انقلاب عسكري عرف بالانقلاب ما بعد الحداثي, انتهت علي أثره تجربة أربكان كرئيس للوزراء. واللافت للنظر أن أربكان قد تفاعل بشكل إيجابي مع ذلك الانقلاب العسكري, وقام بتأسيس حزب جديد سمي بحزب الفضيلة واعتبر ما حدث جولة سياسية خسرها كتلك الجولات التي خاضها في السبعينيات. وأريد التأكيد هنا أن هذا الانقلاب العسكري الأخير عام1997 م كان نقطة فارقة في مسار الحركات الإسلامية جميعها في تركيا, فقد اضطرت الحركات الإسلامية المختلفة بما فيها تيار الإسلام السياسي إلي مراجعة إيديولوجياتها واستراتيجياتها لتصبح أكثر اتساقا مع نظام الدولة ودستورها وأكثر عقلانية في التفاعل مع قضايا الوطن الداخلية والخارجية. ولعل تبلور حزب العدالة والتنمية كان أبرز معالم هذه المراجعات. ورغم أن حزب العدالة والتنمية يعد في الأصل انشقاقا عن خط تيار الإسلام السياسي أكثر من كونه امتدادا وتطورا له إلا أنه استطاع تضييق الهوة بين متطلبات المجتمع المحافظ وبنية الدولة وواقعها السياسي والدستوري, بينما توقف الجناح التقليدي الذي يمثل شيوخ تيار الإسلام السياسي الأربكاني عند نقطة الشعور بالاضطهاد والاستضعاف من قبل مؤسسات الدولة لاسيما المؤسسة العسكرية, وعجزوا عن تطوير رؤيتهم بشكل عقلاني يمكنه من العودة إلي المشاركة في الحياة السياسية, بل واتخذوا موقفا معاديا للتيار التجديدي الذي انشق عنهم وأحرز نجاحات في العمل السياسي وفي إدارة الدولة.
اعتاد العسكر في تركيا علي القيام بانقلابات عسكرية علي السلطة الحاكمة حال شعورهم بانتهاك هذه السلطة لمبادئ الجمهورية وخاصة مبدأ العلمانية, وكانوا في انقلاباتهم هذه ينطلقون من سند دستوري لحماية الدستور ونظام الدولة, وتعد هذه النقطة عنصر اختلاف بين التركيبة الذهنية والإيديولوجية للمؤسسة العسكرية في تركيا وبين المؤسسة العسكرية في مصر, فالجيش التركي جيش مؤدلج; يحمي الجمهورية التركية ومبادئها الستة وفق المادة رقم35 من قانون الخدمة العسكرية والتي يبذل أردوغان حاليا جهودا مكثفة لتعديلها للتخلص من ذلك السند القانوني للانقلابات العسكرية, بينما الجيش المصري جيش لا يتبع إيديولوجية بعينها, بل هو جيش وطني يحمي الوطن والشعب المصري من المخاطر الخارجية والداخلية التي قد تهدد أمن المجتمع وسلامته وتعبث في بنية النسيج الفكري لذلك المجتمع, ومن ثم لم يعتد الجيش المصري علي القيام بانقلابات عسكرية, بل ينحاز دائما إلي إرادة الشعب ومصالح الوطن العليا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق