الأيديولوجيا هي علم الأفكار، وأصبحت تطلق الآن علي علم الإجتماع السياسي تحديداً. ومفهوم الأيديولوجيا مفهوم متعدد الإستخدامات والتعريفات؛ فمثلاً يعرّفه قاموس علم الإجتماع كمفهوم محايد بإعتباره نسقاً من المعتقدات والمفاهيم (واقعية وعيارية) يسعى إلى تفسير ظواهر إجتماعية معقدة من خلال منطق يوجه ويبسط الإختيارات السياسية / الإجتماعية للأفراد والجماعات؛ وهي من منظار آخر تعبّر عن نظام الأفكار المتداخلة كالمعتقدات والأساطير التي تؤمن بها جماعة معينة أو مجتمع ما وتعكس مصالحها وإهتماماتها الإجتماعية والأخلاقية والدينية والسياسية والاقتصادية وتبررها في نفس الوقت.
والأيديولوجيا هي منظومة من الأفكار المرتبطة إجتماعيا بمجموعة إقتصادية أو سياسية أو عرقية أو دينيّة أو غيرها، وهذه المنظومة تعبّر عن المصالح الواعية -بهذا المقدار أو ذاك- لهذه المجموعة، على شكل نزعة مضادة للتاريخ، ومقاومة للتغير، ومفكّكة للبنيات الكلية. إن الايديولوجيا قد تشكل إذن التبلور النظري لشكل من أشكال الوعي الزائف.
ليست الأيديولوجيا بالنسبة للفرد قناعاً يختفي وراءه بقدر ما هي أفقه الذهني، فهو لا يستطيع القفز فوق حدودها، وهي مرتعة الذهني والمنظار الذي به يرى ذاته ومجتمعه والكون كله.
الأيديولوجيا قد تعتبر قناعاً لمصالح فئوية إذا نظرنا إليها في إطار مجتمع آني، وهي نظرة إلى العالم والكون إذا نظرنا إليها في إطار التسلسل التاريخي.
تلك كانت خلاصة لمجموعة من التعريفات والآراء، وما يهمّني من طرح هذا الموضوع هو التعرّف على تلك الكلمة "الأخّاذة" التي أصبحت متداولة كثيراً هذه الأيّام في زمن ما يسمّى بثورات الربيع العربي، وتناهت كثيراً إلى مسامعنا من خلالها إشتقاقات "مؤدلج" و "الأدلجة" ما شابهها.
أنا شخصيّاً أرى بأن الأيديولوجيا قد تكون إطاراً يمكننا من خلاله تلمّس طريقنا نحو الغد ولكن بأسلوب منظّم ومفهرس، ولكن يتوجّب بأن تكون هذه الأيديولوجيّة مرنة وقابلة للتحوير والتطوير وربّما التغيير أيضاً إن إقتضت الظروف تغييرها ومثالنا الواضح هو "الرأسماليّة" و"الإشتراكيّة" و "الشيوعيّة" و "القوميّة"، مع أن القوميّة قد تختلف في الكثير من جوانبها عن مفهوم الأيديولوجيّة إلاّ أن يحوّلها البعض (المتطرّفون) إلى أيديولوجيّة جامدة كما ربما كانت في فترة الخمسينات من القرن الماضي.
الأيديولوجيا الأخرى التي وددت أن أحذّر منها هي الأيديولوجيا الدينيّة بذلك المفهوم الذي يتناهى إلى أسماعنا ويعبر من أمام نواظرنا وقد يلفح هواءه الساخن وجوهنا، وربما تتسرّب سمومه إلى أكلنا وشربنا ولباسنا وفي كثير من الأحيان تدخل الأيديولوجيا الدينيّة إلى حجرات نومنا فتتدخّل في أنماط تعاملاتنا وقد تفسد علينا نومنا وتفسّر لنا أحلامنا (النوميّة بالطبع !) وحينها تتحوّل الأيديولوجيا إلى تطرّف.
ويمكن في نهاية هذا الإدراج السريع القول بأن: كل إنسان يحتاج إلى أيديولوجيا، ولكن هناك أيديولوجيا تحضر لك الإجابة عن كل سؤال وبذلك فهي تمنعك من التفكير... وهناك أيديولوجيا تطرح عليك الأسئلة وتتركك تبحث عن إجابة، وكلّما توصّلت إلى إجابة كلّما طرحت عليك أيديولوجيتك أسئلة جديدة؛ ومن ثم فإنّك تجد نفسك تبحث عن إجابة في كل مرّة مما يجعلك دائم التفكير والتدبّر ودائم النظر في عالمك المحيط بك، ومنه إلى العالم المستقبلي الذي ينتظرك؛ أو قد تتركه من بعدك وأنت مازلت تبحث عن إجابات لأسئلة طرحتها عليك أيديولوجيّتك الديناميّة (الحركيّة) المتجدّدة...... يومكم سعيد وملئ بالمفاجاءات المفرحة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق