Translate

الجمعة، 3 يوليو 2015

عبط السياسة - مجلس النوّاب الليبي يتخبّط

مضت على الشعب الليبي أربعة سنوات كأداة ومتعبة ومقرفة ومملّة والسبب هو "التخبّط السياسي" الذي مصدره الشعب نفسه ومبعثه ثقافة التخلّف التي ورثناها أبٍ عن جد.

برهنت السنوات الأربع التي تلت ثورة الشعب الليبي على نظام الطاغية القذّافي بأنّنا نحن في ليبيا متعلّمين وغير متعلّمين لا نمتلك البعد الثقافي أو الخبرة السياسية في الحكم، ولكن هل نلام كشعب؟.
لو أنّنا نظرنا إلى الأشياء بواقعيّة، ولو أنّنا فكّرنا بعقلانيّة وببعض التأمّل لإكتشفنا سريعاً بأن الشعب الليبي لا يمكن لومه على عدم معرفته في شئون الحكم وغياب خبرته السياسيّة، فنحن كبشر نعيش في ليبيا شأننا في ذلك شأن بقيّة العرب والمسلمين لا توجد لدينا جذوراً تاريخيّة يمكننا الإشتقاق منها حينما يتعلّق الأمر بإدارة الدولة وإختيار الأصلح من بيننا ليقوم بتلك المهمّة. نحن لا نعرف كيف نختار ومن نختار، ولا نعرف في نفس الوقت كيف نحاسب ولا حتى كيف نراقب.
لم يشهد عالمنا العربي ولا الإسلامي في كل تاريخه بناء دولة على أسس ديموقراطيّة سليمة، ومن ثم فلا لوم على من لم يرى ولم يمارس ولم يناقش. نحن ضحايا ثقافة متوارثة لا تؤمن في الأساس بمبدأ "التناوب السلمي على السلطة". نحن لم نتعلّم وربّما لا نعرف معنى وقيمة "الإختيار"، فمن تفرض عليه الأشياء ويرغم على قبولها لا يتعلّم كيف يختار.

منذ بداية التاريخ الإسلامي كان العرب ثم المسلمون الغير عرب من بعدهم يتولّى شئون أمورهم "والي" في ثياب وبتسميات مختلفة. فمن الخليفة إلى السلطان إلى الأمير وإلى الملك لم يكن الشعب العربي أو المسلم متاحاً له بأن يختار من يحكمه. 
حكم الرسول عليه السلام دولة الإسلام في أوّل أيّامها بنظريّة المؤسّس، وأعتقد بأن ذلك من السهل قبوله. فمن يؤسّس مشروعاً جديداً ويأتي به إلى البشر من حوله يتوجّب عليه بحكم المنطق والعقل والواقع أن يقودهم نحو تنفيذه، ويتوجّب عليهم في نفس الوقت القبول بذلك المنطق والمنطلق. تلك ربما تبدو منطقية ولأبعد الحدود، وقد تقبل حتى بمعطيات يومنا هذا. فأنا كنت من بين أربعة مؤسّسين لجمعية طبيّة في كلية الطب في جامعة طرابلس عندما كنت طالباً أسميناها "جمعية بن سينا العلميّة الطبيّة" وقمنا بحكمها وتسييرها في السنة الأولى ولم نجري أية إنتخابات حينها وتقبّلٌنا الطلبة والطالبات وكذلك إدارة الكلية بما فيهم أعضاء هيئة التدريس بكل ترحيب بل وإعتزاز وتقدير حينها. غير أنّنا وإيماناً منّا بمبدأ الديموقراطيّة والتناوب السلمي على السلطة قمنا في نهاية أول سنة لتلك الجمعية بإجراء إنتخابات نزيهة وشفّافة ومن خلال صندوق إقتراع بإنتخاب لجنة الجمعية التنفيذيّة والرئاسيّة، وبمجرّد إنتخاب الأعضاء الجدد وإنتخاب رئيساً ومقرّراً للجمعيّة إنتقلت السلطة بكل هدوء للأعضاء الجدد.
ذلك ما وددته أن يحدث قبيل وفاة الرسول عليه السلام، بأن يقوم المسلمون حينها بإجراء إنتخابات حرّة فيما بينهم لإختيار من سوف يخلفه لقيادة المسلمين. ذلك بالتأكيد لم يحدث، وإنّما إجتمع "الأعيان" بعيداً عن أعين الناس وبسريّة تامّة في "السقيفة" وإختاروا أبوبكر الصديق ليخلف الرسول عليه السلام، وحدث ذلك بعيد وفاة الرسول بما ترك فراغاً في الحكم لم يتمكّن المسلمون حينها من تدبّره والإستعداد له قبل حدوثه نظراً لثقافة "العواطف" التي كانت سائدة بين المسلمين في عهد الرسول والتي تنصّ أليّاً على أنّ الرسول هو "ولي الأمر" وبأنّه لا يمكن في عقلية البشر حينها لأي كان بأن يخلف رسول الله بإعتباره رسولاً مرسلا من عند رب السماء. تلك يمكن البحث فيها والتداول حولها من قبل مختصّين في الدين والسياسة ولا أريد أن أطعن في تلك الفترة لأن الظروف كلّها كانت مختلفة.
بعيد وفاة الرسول عليه السلام، كان يتوجّب على المسلمين ترك العواطف جانباً والتفكير في إنتخاب من سوف يخلفه لحكم المسلمين. الرسول توفّى ولا نبي بعده، فكل من سوف يخلفه بحكم المعرفة واليقين والواقع لا يمكنه أبداً بأن يكون مرسلاً من طرف السماء، إذا كان يتوجّب إنتخابه من خيار المسلمين علماً وخلقاً وأدباً ومعرفة. ذلك بكل تأكيد لم يحدث، وتم إختيار أبوبكر من قبل الصفوة بحكم أنّه كان رفيق الرسول في الغار، وبحكم أنّه كان أبا عائشة زوجته ، وبحكم أنّه كان من قريش ومن المدينة على وجه التحديد؛ وتلك كانت معايير الإختيار حينها. بمجرّد إختيار أبوبكر من قبل الصفوة، فرض إختياره على الناس بحكم أنّه "ولي الأمر" الذي تتوجَب طاعته ولا يمكن الخروج عليه أو مناقشته أو محاسبته أو محاكمته من خلال تلك الصفة التي أعطيت له وهي "ولي الأمر"، وتم فرض الأمر الواقع من خلال ما عرف حينها ب"البيعة" والتي كانت مفروضة، ومن لم يبايع تم الحكم عليه بالخروج عن ولي الأمر وتلك كانت بمثابة الخروج عن الدين(الكفر).
تلك هي أسس ثقافتنا الإسلامية التي توارثناها عبر العصور حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم.... فهل نلوم الليبيّين على عدم فهمهم للعبة الديموقراطيّة وهل من العدل تحميلهم وزر ما يحدث في بلادنا من مآسي؟. أعتقد أنّه لا يحق لأحد بأن يلوم الليبيّين والليبيّات على تقصيرهم في إختيار الأحسن لإدارة شئون بلادهم.

من هنا والأمر كذلك، علينا بأن نبتدئ من الصفر. علينا بأن نعود إلى الصف الأوّل ديموقراطية كما قال الزميل الدكتور عبد الله كنشيل في كتابات سابقة.

الخلاصة، أنّنا نعاني من تقصير كبير في إدارة شئون بلادنا، وأنّنا عجزنا عن إختيار أحسننا ليقودنا من خلال ثلاثة فرص ذهبيّة تمتعنا خلالها بكامل الحرية في إختيار ممثّلينا لكنّنا فشلنا كشعب في إختيار الأفضل، وبذلك وصلنا إلى ما وصلنا إليه.... فلا عتاب على الحكّام، ولا عتاب على المحكومين. نحن كلّنا في الهم سواء فعلينا أن نبدأ من جديد. 
أعضاء المؤتمر الوطني الذين إنتخبهم الشعب أفسدوا وبعثروا وسرقوا ونهبوا وساءوا إستخدام السلطة من خلال الحكومات التي عيّنوها، ومجلس النوّاب هو بدوره فشل فشلاً ذريعاً في إدارة الدولة أيضاً مباشرة ومن خلال الحكومة التي إختارها لهذا الغرض، والواضح بأن المجلس التأسيسي للدستور هو بدوره يسير في نفس الطريق الفاشلة.... فعلى من يقع اللوم؟.
علينا بألّا نلومهم وبألّا نلوم أنفسنا، ففاقد الشئ لايعطيه؛ وحينما تضع يدك في جيبك فسوف لن تخرج منه إلّا ما بداخله فلا وقت للوم أو العتاب، وإنّما حان الوقت لأن نتوقّف ونفكّر من جديد. 
كيف يمكننا إدارة شئون بلادنا؟. سؤال علينا البحث فيه والبث حوله والإستفادة من تجارب غيرنا للإجابة عليه. علينا بأن نفكّر ونتدبّر ونبحث عن البديل بدل التقاتل والتناحر والتنابز والإقصاء ولوم الآخرين. علينا بأن نلتقي كشعب ليبي على مبدأ أنّنا كلّنا لا نفقه في السياسة، وبأنّنا كلّنا نحتاج إلى بعضنا البعض من أجل النهوض ببلدنا وتدبّر أمورنا بأنفسنا من خلال الإستفادة من تجارب ونصائح الغير.... تقبّل الله صيامكم وقيامكم وسجودكم وركوعكم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق