Translate

الأحد، 26 يوليو 2015

أينشتاين... هو أحسن من فهم الحياة


عندما يتحدّث بعض شيوخ الدين عندنا عن الآخرة، يتحدّثون عن يوم الحساب وكيف يحشر الناس جميعاً في ذلك اليوم المشهود والذي يبلغ طوله 50,000 سنة بحساباتنا.
شيوخ الدين لا يتقّفون كثيراً عند تلك المراسم وما يجري في ذلك اليوم من مجريات على إعتبار أن علمه عند الله فقط، لكنّهم سرعان ما يعبرون إلى "الجزاء" الذي يأتي بعد الحساب على أساس أن المسلم لابدّ وأن يدخل الجنّة وغيره سوف يذهب إلى الجحيم بدون نقاش !!. عندما يتحدّث الكثير من شيوخ ديننا عن الجزاء، نجدهم كثيراً ما ينتقون "ملذّات الحياة الدنيا" وذلك بالإستشهاد بتلك الآيات التي ذكر فيها الخمر: { مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ۖ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى ۖ وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ ۖ }، وتلك الآيات التي ذكرت فيها النساء:{كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ}، ويتلذّون أحياناً بالوصف الذي ذكر في القرآن: {وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ}، ويذهب بعض الشيوخ إلى ما هو أبعد من ذلك من أحلام الشبق والإستئثار بالعذارى فيقول بعضهم إنّك تجامع عذراء فتفقد عذريتها، وحينما تجامعها في المرّة القادمة تعود عذراء من جديد مستندين في ذلك إلأى قوله تعالى: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ}، وقوله: {فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً}. 
كذلك فإن الله ذكر الكثير من المتع في الآخرة بقياسات متع الدنيا: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ* أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ* فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ* ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ* وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ* عَلَى سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ* مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ* يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ* بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ* لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنزِفُونَ* وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ* وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ* وَحُورٌ عِينٌ* كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ* جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.

وبغض النظر عمّا يذهب إليه بعض رجال الدين، يبقى أمامنا سؤالاً مهمّاً هو في غاية الأهمّية - في الواقع هي الكثير من الأسئلة - لكنّني سوف أركّز على السؤال حتى لا أضيع في متاهات الخيال: هل حسابات يوم الآخرة هي نفسها حسابات الدنيا، وهل رغبات الإنسان في الدنيا هي نفسها في الآخرة، وهل الطريقة التي يتمتّع بها الإنسان في الدنيا لإشباع غرائزه هي مثلها مثل ما يحدث في الآخرة؟. هذه أسئلة أعتقد أنّه من الصعب الإجابة عليها بإعتبار أن علم الساعة هو بيد الله، وعلم الجنّة وما سوف يحدث فيها هو أيضاً من أمر الله.
كذلك، السؤال: هل سوف يكون الإنسان مخيّراً أم مسيّراً في الآخرة، وهل  سوف يكون المطلوب منه بأن يعمل من أجل يوم حساب جديد وآخرة أخرى بعد تلك الآخرة؟.

دعوني أعود إلى صديقي النابغة ألبرت أينشتاين... أينشتاين حدّثنا عن النسبيّة، وقال لنا بكل وضوح إن كل ما نراه هو نسبيّاً، وكل ما نحسبه هو منسوب إلى غيره، وحسب أينشتاين لا توجد في الدنيا أشياء مطلقة. 
المثال الذي ضربه لنا أينشتاين عن النسبية إختاره بأن يكون سهل الفهم ومتيسّر الإستيعاب بالنسبة لآولئك الذين يعانون من صعوبة في الفهم أو عجز كبير في تصوّر الأشياء وفهم معانيها المخفيّة (العميقة) التي تختفي وراء هيئاتها أو مظاهرها(مظهرياتها). مثال أينشتاين كان عن قطارين يسيران بنفس السرعة وكيف أن سرعة كل قطار تتغيّر في عيوننا إلى أكثر حتى تتضاعف أو أقل حتى تنعدم. 
كيف تتحوّل سرعة قطار يسير بسرعة 100 كيلومتر في الساعة إلى صفر مع أن القطار مازال في واقع الأمر يسير بنفس السرعة وسوف يصل إلى وجهته في نفس التوقيت؟. كيف ينتقل قطار من هنا إلى هناك إذا كانت سرعته النسبيّة هي "صفر"؟. هل صفرنا نحن البشر العاديّون والذي يعني العدم، هو نفسه صفر أينشتاين والذي عنده يعني الحركة والتمدّد... صفر أينشتاين هو صفراً له قيمة "نظريّة"، وقد تكون كبيرة جدّاً، لكنّها تماماً مثل الحلم بالفوز في اليانصيب ثم تصبح مليونيراً، أو إحتساب ألافك التي إستثمرتها في البورصة وكيف سوف تصبح ملاييناً !.
أليس هو عالمنا الدنيوي مليئاً بكل المفاجآت والأشياء الغير عاديّة، وأليس الأجدر بنا أن نفكّر ونبحث ونتدبّر حتى نرى أبعاداً في عالمنا المحيط لا نتمكّن من رؤيتها في الظروف العادية؟.
دعوني أعود إلى قطارات أينشتاين: إذا كان هناك قطاراً يسير نحو الشرق بسرعة 100 كيلومتر في الساعة، ولحق به قطاراً آخر يسير في نفس الإتجاه وحينما لحق به خفّض السائق سرعة قطاره إلى 100 كيلومتر وشرع يسير بجانب القطار الذي نجلس بداخله. لو أنّنا ركّزنا النظر على القطار المجاور ولم ننظر إلى أي مكان آخر فإن قطارنا الذي نستقلّه سوف يتوقف في عيوننا مع أنّه يظل يسير بنفس السرعة التي كان عليها وهي 100 كيلومتر في الساعة.... سبحان الله !.
في المقابل، لو أنّنا كنّا في نفس القطار الذي يسير بسرعة 100 كيلومتر متجهاً نحو الشرق وقابلنا قطاراً آخر يسير بسرعة 100 كيلومتر في الساعة لكنّه يتجه نحو الغرب، وإذا كانت عيوننا مركّزة على القطار المقابل فإنّنا نلاحظ في لمحة بصر بأن قطارنا أصبحت سرعته 200 كيلومتر في الساعة مع أنّه مازال يسير بنفس السرعة التي إختارها سائق القطار وهي 100 كيلومتر في الساعة، وعلى أنّه سوف يصل إلى غايته في نفس التوقيت المحتسب له سابقاً ولن يصل مطلقاً قبل أوانه لمجرد أن سرعته النسبية بلغت 200 كيلومتر في الساعة.... سبحان الله!.
هل ربما يفيدنا أينشتاين في فهم أعمق وأدق لمجريات الأمور في الحياة الأخرى؟. أو بمعنى آخر... هل ملذّاتنا وشهواتنا وكم وطرق تمتعنا بما نشتهي في الآخرة هي نفسها التي نعرفها في الدنيا؟. 
ألسنا نحن نتمتع بالصحة لأن غيرنا مريض، ونتمتع بالمال لأن غيرنا فقير، ونشعر بالسعادة لأن غيرنا تعيس، ونشعر بالخوف والإرتعاب في ليبيا لأن غيرنا في السويد مثلاً يشعر بالأمان والإطمئنان؟. 
حياتنا الدنيا هي نسبيّة، وكل شئ نحتسبه بناء على غيره، أما الحياة الأخروية فهي مطلقة، وهناك نصبح كلّنا - من سوف يدخل الجنة بالطبع - مسيّرون مثل الملائكة، وسوف لن يطلب منّا هناك القيام بأي عمل: { علَى سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ*مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ* يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ* بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ}. وعملاً بهذه الآية الكريمة وغيرها كثير في القرآن الكريم ممّا يفيد بأنّنا يوم القيامة سوف لا نحتاج لأن نعمل أ] شئ، ولا لأن نتعبّد، ولا لأن نصلّي، ولا لأن نمتنع عن المذّات الي نشتهيها في الدنيا بحكم أنّها حرام. الحياة الآخرة لا يوجد بها حرام، ولاتوجد بها ممنوعات... ولا يختار فيها الإنسان لنفسه وإنّما يوفّر له كي ما يشتهي. الإنسان في الآخرة سوف يصبح ملاكاً، وبذلك فكل رغباته وطلباته مستجابة، ولكن هل تنعّمه بها وتمتّعه بإشباع رغباته هو نفس تمتّعه اليوم؟. سئلة تحاتج إلى تفكير وتدبّر وسعة أفق وعمق تصوّر !.  
أترككم لتفكّروا فيها بعمق فلعلكم ترون مالا أرى.... نهاركم سعيد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق