مقال منقول من موقع "الدار دارك"
اليوم واجب عزاء .. هاتفنى أحد الزملاء مبكراً بخبر وفاة شقيق زميل آخر فى قرية مجاورة .. العزاء قاصر على تشييع الجنازة .. لا مجال إذاً للتأخير أو التقاعس عن أداء الواجب . باقى من الزمن ساعة على صلاة الجمعة .. بالهاتف أيضاً .. اتفاق مع بعض من زملاء آخرين باستقلال سيارتي لحضور صلاة الجنازة على وجه السرعة .. وصول فى الموعد المناسب .. حيث لحظات قليلة وتبدأ شعائر صلاة الجمعة .. المسجد مكتظ عن آخره بالمصلين .. وجمعٌ غفير من أهل القرية يفترشون المدخل والشوارع المحيطة .. ركعتى تحية قدوم المسجد .. فى انتظار استهلال الخطيب لواجبه المقدس من وعظ وإرشاد نحو هذا الجمع الحاشد من المصلين . فى الغالب الأعم يكون موضوع تلك الخطبة تمشياً مع مناسبة العزاء عن .. الموت ، البعث ، الحساب ، مروراً بتعداد مآثر المتوفى والدعاء له بالرحمة والغفران .. هذا ما عهدناه من مشايخنا الأجلاء فى تلك المناسبة . يعلو الشيخ ........ درجات المنبر.. متزراً بعبائته البيضاء ذات الأطر المذهبة .. وقلنسوه الصغيرة التى تغطى نصف رأسه .. متمتماً بتعويذاته وأدعيته كما هو واضح من تعبيرات وجهه .. للوهلة الأولى أسعفتني الذاكرة بلمحة من الماضي البعيد .. شيخنا اليوم هو ذاته التلميذ ........ . زميل المدرسة الإعدادية .. ولا فكاك من أن تنشط الذاكرة أكثر فأكثر وتداعبني بلمحات من ماضي الشيخ الجليل .. وعلى طرافتها .. ترسم على شفتَي ابتسامة باهتة كان لابد من إخفائها تمشياً مع الموقف الجلل .. بل صار لزاماً عليا أن أنصت وأضع كل حواسى رهناً لما سيقدمه لنا شيخ اليوم .. تلميذ الأمس .. فى خطبته العصماء .. والتى تكبد لها عناء السفر والانتقال ليضعها اليوم بين يدى هذا الجمع الحاشد من المعزين المصلين .. استهل خطابه بدعاء طويل على طريقة القوالب المحفوظة .. حيث من المعلوم أن لكل خطيب مقدمة خاصة به لا يحيد عنها فى الغالب .. مهما طال به الزمن أو تبدل موضوع خطبته .. وإن تمادى شيخنا اليوم فى تقدمته .. وصبغها بصبغة لحنية مبالغ فيها .. ممزوجة بأشعار فى مدح خير الأنام محمد (صلى الله عليه وسلم ) .. على طريقة المدائح النبوية المعروفة .. إذاً المقدمة تنبئ بأن موضوع الخطبة اليوم هو بمناسبة المولد النبوى الشريف .. انتقل شيخنا المستنير الى موضوعه مباشرة .. تعداد فضائل وكرامات رسولنا الكريم .. من باب أن من ينكر كرامات النبي فهو ليس على الدين الحنيف فى شيء .. ومن يتصدى لذلك فهو مدّعى علم .. والعلم والدين منه براء .. وأخذ يعدد من آيات ذكر الحكيم ما يؤيد أقواله .. ويستشهد بأحاديث نبوية .. ويدعمها بالسند الصحيح .. معدداً ذكر المرجع والباب والصفحة والسطر .. فى محاولة لتأكيد مصداقيته وموفور علمه فى العرض والتحليل . يلقى الشيخ خطبته اليوم على طريقة خطباء شرائط الكاسيت المشهورين .. حيث الاحتراف والإجادة التامة لفن الإلقاء وتناغم الألفاظ ، ولحن الكلمات .. وجذب الانتباه بأى صورة من الصور .. بصرف النظر عن مضمون تلك الخطب ، وفكرها ، والموضوعات المستهلكة التى تتناولها . أغمض الشيخ عينيه عن كل الناظرين .. وانطلق غير آسفاً فى جولته الخطابية آخذاً بناصية الحديث الذي استهله منذ قليل .. وهو التصدي لهؤلاء المنحرفين فكرياً .. المدّعين لبشرية الرسول ( ص ) .. بداية مستهجناً لفعلتهم الشنعاء وتلك والخطيئة التى وقعوا فيها .. وأن استنادهم للآية الكريمة " وما أنا الا بشر مثلكم يوحى الىّ ....... " هى من أكبر سقطاتهم .. حيث المقصود هنا ليس البشر أمثالنا .. ولكن بشر آخر اصطفاهم الله عز وجل .. بمعجزاته ، وكراماته ، وقربهم اليه دون باقى مخلوقاته .. هل يُعقل أن نقيس أنفسنا بدنياً ونفسياً وعقلياً برسول الأمة ! لا والله .. بل كلا وألف كلا .. استمعوا معى الى قول الشاعر فى مدح رسوله الكريم ... ووصلة لا بأس بها مرة أخرى من المديح والإنشاد على طريقة الموالد والليلة الكبيرة .. تنبىء بأن الشيخ مقدم على خطبة من طراز خاص فى المضمون والإلقاء . " هات ما عندك يا شيخنا الجليل .. ونتمنى ألا تطيل علينا فى هذا الموقف الذى لا يحتمل الإطالة وإبراز المواهب " .. لسان حال الجميع يرتسم على الوجوه بدون الإفصاح .. يكمل الشيخ حديثه .. تعالوا معى أفند لكم خصال وأوصاف رسولنا الكريم .. وهذا بيت القصيد من الخطبة .. هل شعر الرسول ( ص ) كشعرنا ! هل وجهه كوجهنا ! هل يده كأيدينا ! دمه الشريف كدمائنا ! هل ريقه وبصاقه الطاهر كما نحن ! .. هل قدمه .. هل نعله !!! .. سأعدد لكم اربع وعشرون خصلة فى الرسول الكريم تؤيد كلامي وأرد بها على هؤلاء المتطاولين على ذاته المقدسة .. شعر الرسول .. يا سادة ... كان الصحابة يتقاتلون على مس شعره الطاهر بأيديهم ، ومن يحظى بشعره منه يغمرها فى الماء ويرتوي .. فإذا هى دواء له من كل داء ! .. وجه الرسول .. هو كالبدر المضيء فى الليلة الظلماء .. ووصلة أخرى من شعر المديح الذى يتسرب بين ثناياه بكل يسر .. لكثرة التداول والتكرار.. نأتى الى ريق الرسول وبصاقه .. لقد كان يتلقاه الصحابة ذات اليمين وذات اليسار بأيديهم ويمسحون بها على وجوههم !!! تبركاً وحماية لهم من نار الآخرة .. روى عن : ...... فى مسنده أنه قال : ...... . رواه البخاري ومسلم ، وحققه ...... فى مسنده ، فى باب ... صفحة ... السطر ... .( ضاعت منى التفاصيل للأسف الشديد فى غمرة الألم والعناء الذى تكبدته فى جلستى المُتعبة ، والزحام الخانق ). إما يد الرسول ( ص ) فهى كلها معجزات وبركات .. إنه كان يرد بها على الأعمى بصره .. ويبرىء بها كل داء بمجرد أن يمس بها المعتل .. اليكم قصته فى حلب الشاه ...... وقصة أخرى فى خبز أهل الخندق ...... وقصة ثالثة فى تسبيح الحصا فى يديه ...... ، ورواية عن ......... الصحابى الجليل الذى حرًم على نفسه قص لحيته حتى طالت ساقيه .. كيف له ذلك .. وقد مسها الرسول الكريم بيديه الشريفة . هذا بعضٌ من قليل .. من مئات القصص التى تتناول بركة يد الرسول ( ص ) .. وننتقل الى دم الرسول الطاهرة .. هناك قصة شهيرة لسيدنا ....... حيث لعق جراح الرسول فى غزوة ..... فكانت براءٌ له من علته التى ألزمته الفراش سنوات وسنوات .. أما قدم الرسول فهل قدم الرسول كأقدامنا ! قدمٌ وطء بها السموات العلى ، قدمٌ صعد بها الى سدرة المنتهى .. قدمٌ ..... ، وأخيراً نعل الرسول .. ( وهنا صار أكثر أهل المسجد الى كلل وملل وتبرم فى جلستهم .. حتى ابدي من فى الصفوف الأولى تبرمهم بصوت مسموع حتى يحركوا ساكن الشيخ الذى مازال مصراً .. على إكمال رسالته ، وعلى هيئته الأولى التى صعد بها المنبر وهى إغماض عينيه عن كل ما حوله فى المسجد ). بعد محاولات مضنية من أهل المأتم لإثنائه عن موقفه .. وجاءت منهم صريحة تلك المرة .. " أنجز يا شيخنا !! .. فتح الله عليك .." . تنبه أخيراً أنه قد أطال الحديث .. فقدم شديد أسفه على الإطالة وأن الموضوع يستحق منه هذا الشرح والتوضيح .. ومرة أخرى .. " اسمحوا لى بقليل من وقتكم !! وعذراً إذا كنت قد أطلت عليكم " .. بعد ساعة من الزمن !! ونصف المصلين خارج المسجد فى حالٍ يرثى لها .. عاد الشيخ الى تعداد مآثر ( نعل ) الرسول ، وكيف أنه بهذا النعل المبارك صعد الى سدرة المنتهى فى رحلة الإسراء والمعراج .. بينما ( موسى ) عليه السلام .. قد طلب منه ربه خلع نعليه لمجرد انه بالوادى المقدس طوى !!! وجاء بقصيدة عصماء على لسان ( حسان بن ثابت ) شاعر الرسول .. يعدد فيها مآثر نعل الرسول .. مطلعها ( بالنعل نعلو ......... نعلٌ نباهى به الأمم ..... ) !!! أعادتني تلك القصيدة الى حالة الانتباه مرة أخرى .. حيث لم يسبق لى – وبكل أسف – أن مرّ عليا قصيدة بتلك المعاني أو بهذا المضمون ! .. ( إدراكاً للموقف ستكون خطوتى التالية بعد طرح تلك السطور العابرة .. أن افتش لدى جوجول الموسوعى عن قصيدة مطلعها ( بالنعل نعلو .... ) حتى أزيل بعض من شكوكى حول مصداقية الشيخ .. ومن على شاكلته من خطبائنا المعصومين) . أخيراً .. يرأف الشيخ بحال المصلين الذين اختنقوا بزحام المسجد داخلاً ، والأكثرية خارجاً الذين اكتووا بلظى شمس الظهيرة.. ويتمتم بكلماتٍ على استحياء .. ولنا لقاء آخر ان شاء الله نوضح فيه للأخوة الفاضل بعض من مآثر وكرامات ومعجزات رسولنا الكريم ( صلى الله عليه وسلم ) !! وما من يوم جمعة إلا وفيه ساعة إجابة .. ندعو الله جميعاً أن تصادفنا هذه الساعة .. الهى هذا حالنا لا يخفى عليك .. وهذا شقاؤنا ظاهر بين يديك .. فعاملنا بالإحسان إذ الفضل منك واليك .. وأختم لنا بخاتمة السعادة أجمعين .. يارب العالمين ... ويرفع المصلين أكف الضراعة مرددين ( مستبشرين بزوال الغمة ) وفى صوت كله ابتهال .. آمين .. آمين .. آمين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق