العالم الثالث ينفق المليارات على التعليم والصحّة والخدمات، وتتمكّن الكثير من بلاد العالم الثالث من فتح العديد من الجامعات
ومعاهد البحث وينتج كل ذلك مئات الآلاف من الخرّيجين والمهنيين، وتفتخر معظم دول العالم الثالث بمجانية التعليم وبأنّ جامعاتها تفيض بمئات الآلاف من الطلبة والآساتذة ويبدو كل شئ جميلاً ورائعاً ومقنعاً وملفتاً للإنتباه.
ومعاهد البحث وينتج كل ذلك مئات الآلاف من الخرّيجين والمهنيين، وتفتخر معظم دول العالم الثالث بمجانية التعليم وبأنّ جامعاتها تفيض بمئات الآلاف من الطلبة والآساتذة ويبدو كل شئ جميلاً ورائعاً ومقنعاً وملفتاً للإنتباه.
بلاد العالم الثالث تستطيع تخريج الملايين من الجامعات وتفتح لهم الأفق في أن يواصلوا دراساتهم العيا في الداخل ومن لا يجد ما يبحث عنه في الداخل تقوم بلده بإرساله للخارج وعلى حسابها، بل أحياناً وترسل معه زوجته أو زوجته وأبنائه وتنفق عليهم جميعاً وهم في البلاد الأخرى... وكل شئ يسير كما يجب وكما يؤمل.
بعد ذلك تأتي الطامّة الكبرى.... معظم بلاد العالم الثالث لا تعرف كيف تستفيد من خرّيجيها، فإمّا أنّها تعطيهم مهناً مكتبية وإمّا أنّها تعيّنهم رؤساء أقسام أو أن يتم تعيينهم في غير تخصّصاتهم. هناك الكثير من رعايا العالم الثالث المرسلين للخارج من يجدون الراحة والإهتمام في البلاد التي يدرسوا فيها وسرعان ما يبدأون في البحث عن وظائف، فتمكّنهم البلاد التي يدرسون فيها بمّا يريدون خاصّة إن هم نبغوا في مجالات تخصّصهم، أو أنّهم إختاروا تخصّصات نادرة تحتاج إليها تلك البلاد التي إستضافتهم ومن ثم تستفيد منهم تلك البلاد بإعتبارهم من الإستثمارات الجيّدة والرائعة خاصّة أن البلاد التي يأتون إليها لا تنفق عليهم ولا درهماً واحداً وتستفيد من مؤهّلاتهم بأقصى ما يمكن. رعايا العالم الثالث المؤهّلين في أغلب الأحيان يتم تعيينهم في مستويات أقل بكثير من قدراتهم ومن مهنيّتهم على إعتبار أنّهم من الأجانب، وعلى أعتبار أنّهم غرباء ويرضون بما يقذف إليهم في البلاد التي قضوا فيها عدة سنوات وشعروا بالحرية بين ربوعها والإحترام والتقدير بذلك القدر الذي يغريهم بالبقاء فيها والتخلّف عن العودة إلى بلدانهم.
كل ذلك مازال يعتبر من الأمور العادية وقد يحدث لأية دولة في العالم بما فيها الكثير من البلاد المتقدّمة، فمثلاً حينما يذهب متعلّم بريطاني إلى أمريكا للمزيد من التحصيل ويعجبه الوضع هناك فيبقى في أمريكا بدل العودة إلى بريطانيا، وهذا يحدث في أستراليا وفي ألمانيا وفي اليابان وفي الصين، وفي الهند.
الموضوع الذي وددت الحديث عنه هو محاربة الخرّيج في بلده بسبب رأي أو وجهة نظر، تهجير الخرّيج بسبب إختلاف نظام الحكم معه أو إختلافه هو مع نظام الحكم، محاربته بسبب نبوغه من قبل الفاشلين المحيطين به، أو التنكيل به لأسباب عديدة عادة ما تكون غير مدروسة وغير منطقية وغير مسئولة. هناك شأن آخر هو غاية في الأهمّية وهو عدم توفير الفرص والبطالة المقنّنة والمقنّعة، وكذلك إستجلاب خبرات مشابهة من بلاد أخرى لأسباب كثيرة من بينها رشاوي وعمولات بسبب الفساد المستشري في بلاد العالم الثالث.
هناك عامل آخر بدأ يظهر بكل وضوح في فترة الخمسة سنوات الماضية وهو "التهجير" بسبب الأوضاع الأمنية كما حدث في مصر وتونس وليبيا واليمن وسوريا والعراق. إن أكبر تهجير للعقول الوطنية حدث في فترة ثورات ما يسمّى ب"الربيع العربي" منذ عام 2010 وحتى اليوم، وكان ذلك أكبر خسارة لأيّ من البلاد التي هاجر علمائها ومفكّريها منها بسبب رداءة الأوضاع الأمنية وبسبب الفوضى وإنحسار الخدمات الآساسيّة والتي من بينها إنقطاع الكهرباء والماء وشحّ الأدوية ورداءة الخدمات الصحية مما يدفع كل قادر ومتعلّم إلى الهجرة لبلدان أخرى توفّر له على الأقل الحد الأدنى من متطلباته ومتطلبات أسرته.
إنّها قضية تعتبر غاية في الأهمية، والكثير من المسئولين في بلاد العالم الثالث لا يحفلون بها لعدم المقدرة على فهم قيمتها وتقدير أبعادها، وكذلك لغياب التفكير السليم في بلاد العالم الثالث. لابدّ من الإستفادة القصوى من كل خرّيج ومهني وطني والمحافظة عليه في داخل بلده مهما كلّف ذلك لأن الخريج والمهني يعتبر إستثماراً بعيد المدى وثروة وطنية يجب عدم التهاون معها أو تبديدها. علينا أن نتذكّر في هذا السياق خامات أخرى كثيراً ما تهدر في بلاد العالم الثالث ولا يحفل بها أحد. إنّها القدرات والخبرات العسكريّة، فكم من الضباط المهنيّين وكم من الخبرات العسكرية الوطنية الراقية يتم هدرها لأسباب تافهة، والمثل الحاضر بكل تأكيد هو تركيا التي أبعدت الآلاف من ضبّاط الجيش المهنيين لأسباب يعرفها جيّداً السيّد رجب الطيب أردوغان وتنظيم الإخوان الحاكم الذي يتزعّمه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق