بقلم الأستاذ: إبراهيم موسى قرادة
لا وكفى من السكوت: كلمة واضحة وصريحة لبعض نشطاء الامازيغية!
عذرا لباقي اهلنا واخوتنا وشركائنا في الوطن الليبي، فان الخطاب موجه حصراً هذه المرة لاهلي المتحدثين بالامازيغية او بعضهم، ليس بدافع التعصب والعنصرية بل لتحديد الرسالة. أتعشم خيراً بان نحطم معاً صنم الصمت لان الصمت هنا موت وفناء، وأتعشم اصوات ترتفع لتنبه وتحذر.
لاهلي المتحدثين بالامازيغية في ليبيا، الذين تم ويتم تهميشهم وإسكات صوتهم ودورهم الوطني بتعنت واصرار من قبل مجموعة وكلت ونصبت نفسها لتكون المتحدث والممثل الشرعي الأوحد والوحيد باسم امازيغ ليبيا والحق الامازيغي، ففرضوا بقوة الاكراه والتلويح بالضرب بيد من حديد على كل من يخالفهم، ففرضوا على الامازيغ الانعزال والاعتزال والتقوقع عن شجون الوطن وتفاعلاته، كأسلوب وحيد للممارسة العمل الوطني والسياسي.
لقد استخدم ابطال الامازيغية المنتفخين- الذين لم يستشهد منهم احد بعد من اجل "القضية الامازيغية"- استخدموا خطاب شعبوي صادح ومتشجن، تنفيري وابعادي، جعل الكثير من عموم امازيغ الوطن ينسحبون، وجعل الكثير من اهلنا في ليبيا يستغربون ويستنكرون سماع هذا الصوت النشاز، وعدم سماع اصوات امازيغية بديلة، لدرجة ان الكثير من اهلنا في الوطن وقع في خانة التعميم، بأن كل امازيغ ليبيا متطرفون ومتشددون. وبل وصل الامر للاعتقاد بان الخط واللون الواحد المسموع، هو الخطاب الوحيد الذي لا غيره.
الكلمة الصريحة والواضحة، لأولئك الذين اختطفوا المدن الليبية الامازيغية بالترهيب والاكراه والتطرف باسم الدفاع عن الحق الامازيغي، الحق الامازيغي الذي احتكروه، وصاغوه قدموه في قالب متطرف ومتشدد وخشبي، كأن لا احد غيرهم يفهم ويعرف، ولدرجة اقصاء المختلف والغاء المخالف بالتهديد والتشنيع والتشهير والكيدية ونشر الإشاعات وصنع الاكاذيب، حتى تفرغ وفرغت لهم الساحة ليمارسوا شهوة أوهامهم وليبرزوا كأبطال ولو من ورق، وليغتصبوا غصباً دور وساحة العمل والتفاوض السياسي بدعوى احتكار التمثيل، وليعقدوا صفقات التسويات بذريعة انهم الأحرص والاذكى والاقدر.
الاشكالية العجيبة والمحيرة، ان بعض اولئك يحاولون تغطية ضعفهم الفكرى وتدني قدرتهم على العطاء الايجابي والمفيد بالصراخ العالي المتطرف. وايضاً، فبعضهم يمارس التقية والتخفي بعدم تحمل مسؤولية فشلهم، مع سعيهم الدؤوب لافشال غيرهم لإخفاء فشلهم المزمن. كما ان بعضهم يمارس الدجل المتطرف كطريق قصير وسهل للزعامة الفارغة والشهرة الجوفاء.
السؤال لهم وإليهم: لنرى ما هي نتائج خطابكم وتكتياتكم؟ قد تجيبون بالربط بما يحدث الان في ليبيا من إخفاقات واختناقات، وان في ذلك دليل حكمة وبرهان حنكة. ولكن، ما قولكم في انكم جعلت من امازيغ ليبيا مبتعدين ومبعدين عن الحراك السياسي الليبي، والذي سيرسم وسيشكل خريطة ليبيا المستقبلية لمدة طويلة. لقد اتبعتم اسلوب المبالغة في الاهداف وعدم واقعيتها، ورفضتم اي تدرج في الحق الامازيغي وتضمينه ضمن الوعاء الوطني، وجعلتم الكثير من الليبيين يتخوفون من وجود أهداف تهدد وحدة الوطن. لقد فرضتم الكلام العالي والسكون المميت، فعدم ورفض الحركة لا يصنع اخطاء لانه الخطيئة الكبرى.
القول لكم، كفى وكفى، فلقد تجاوزتم كل الخطوط حتى تراجع وعزف الناس، وحتى ظننتم ان الناس يرهبونكم ويخافكوكم، ولكن الناس تبتعد وتتباعد عنكم لا خوفاً او جبناً بل تجنباً وتحاشياً لوحل المستنقعات، الذي تجيدون السباحة فيه.
كم ان السؤال إليكم مرة اخرى، هل فكرتم في تداعيات وعواقب ونتائج خطابكم التهييجي وأسلوبكم المستفز، على الامازيغ وعموم اهلنا الليبين؟ هل تريدون ان يتقاتل ويهجر عرب وامازيغ ليبيا بعضهم البعض، لتبثوا صحة رائكم السديد؟! هل لليبيا والليبيين الرغبة والقدرة على تحمل تبعات القتال والتهجير والتدمير لأسباب عرقية او طائفية في حرب اهلية لا تتوقف إلا على الخراب والدمار؟ انظروا حولكم جيداً، وتابعوا السياسة جيداً، وأقرأوا التاريخ جيداً، واستمعوا لروايات الاجداد جيداً، وتعلموا مفهوم حقوق الانسان جيدا، ولا تغتروا بمعسول خيال بطولاتكم الوهمية في الحجرات المغلقة وعلى مسافات بعيدة، لأنكم لن تعرفوا من المعاناة إلا دموع مؤقتة.
لقد إساءتم كثيراً لأهلكم ولكل ليبيا بافشالكم وعرقلتكم لأي مساهمة في جهد للتضامن الوطني الساعي للخروج من ازمتنا الليبية الموجعة. لقد تطاولت وعمت اساءتكم واخطائكم، وعم وانتشر سكوت ناسكم عنكم، حتى اعتقد الليبيون ان كل الامازيغ مثلكم.
لعلمكم ولعلم اهلنا في كل ليبيا، في برقة وفزان وطرابلس، أنكم كامثالكم المتواجدين في اي منطقة او قبيلة او مدينة في ليبيا لا تمثلون إلا انفسكم، ولا تعكسون إلا ارائكم ومصالحكم فقط. وهكذا هو الامر دائما، بان كل مجموعة بشرية تمثل نفسها فقط، وان ادعاء شرعية التمثيل والدعم الشعبي له شروط وأدوات الغير متوفرة. ومن ذلك شرعية الحرص على سلامة الوطن ومصلحة كل الشعب الليبي.
ليبيا هي الوطن، هي التاريخ والجغرافية والهوية، وهي الحاضر والمستقبل والمصير المشترك، بكل تنوعاتها وتعددتها، والتي لايمكن اختصرها في مرحلة تاريخية واحدة فقط، ولا في رقعة جغرافية واحدة فقط، ولا مكون هوياتي واحد فقط، ولا بعد ثقافي واحد فقط، ولا في وجهة نظر واحدة فقط، بل هي التنوع في الوحدة والتعدد في الاتحاد والتفاعل في التضامن، بكل الجمال الوطني والرقي الانساني .
من حقكم ان تعبروا عن رائكم وتعلنوا توجهاتكم، ولكنه ليس من حقكم ومرفوض ان تحتكروا لانفسكم فقط كل الحق، وتخونوا وتهددوا المختلف معكم والمخالف لكم، فذلك ديكتاتورية وارهاب وخبل، لأنكم بذلك لا تختلفون عن فكر وأيديولوجية الارهاب الديني والقوموجي والشوفيني والداعشي.
وختاماً، فالحديث وإن اقتصر لاهلي امازيغ ليبيا، إلا انه ينشد كل اهلنا في ليبيا، لان اعراض التطرف المتشدد والتهييج الضيق وخطاب التنفير تعاني منه كل ليبيا. وايضاً، فمن المهم التاكيد على ان الروح الوطنية المتسامحة والحرص على حرمة الوطن وراحته لا تعني قبول وتقبل التجاوزات على الحقوق الوطنية.
قد اكون مخطئاً او مغلياً في تقديري او تعبيري، ولكنه الحرص على ليبيا، والخوف على اهلنا من شرور التطرف والتشدد وعدم تقدير العواقب. وحفظ الله كل ليبيا وكل اهلنا الليبيين، وأعان الله الليبيين على العبور نحو بناء دولة ديمقراطية سالمة مسالمة، تراعى فيها حقوق الانسان والمواطنة.
اعرف جيداً ان صراحتي هذه- والتي دفعت إليها دفعاً وغير راغب، بعد ملاحظتي الطويلة للسكوت والصبر الطويل من قبل الكثير وعلى مضض توقياً واتقاءً من شراسة وضرر وسلاطة لسان بعض المتربصين والموتورين المعروفين. اعرف بانني سأدافع ثمنها عدواناً وتطاولاً وتخويناً وستفتح علي باب "جنهم" من قبلكم، ولكن مرحباً بلهيب جهنمكم، من اجل سلم ليبيا وسلامة الليبيين، الذين "اللي عندهم ما يسدهم ويكفيهم من معاناة ودم ودموع.". انها محاولة صغيرة لانقاذ الوطن من بعض التطرف والتشدد والشذوذ، نتاج انتهازية الجبناء والمتهورين والمتربصين والمغرورين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق