ارون ي. زيلين عن معهد واشنطن
نالت ليبيا استقلالها من إيطاليا بحلول نهاية الحرب العالمية الثانية وأعلنت نفسها ملكية دستورية تحت قيادة الملك إدريس. غير أن العقيد معمر القذافي نفذ انقلاباً عسكرياً في أيلول/سبتمبر عام 1969، ليؤسس نظاماً قومياً عربياً يلتزم بالفكر "الاشتراكي الإسلامي". ولم يدم الأمر طويلاً حيث ولد نظامه حالة من الاستياء والتبرم بين الدوائر الإسلامية في البلاد، التي أدت إلى قيام نهضة إسلامية بدأت في أواخر سبعينات القرن الماضي.
«الإخوان المسلمون»
كان أول ظهور لـ جماعة «الإخوان المسلمين» في ليبيا عام 1949. وقد أسس رجل الدين المصري عز الدين ابراهيم مصطفى وآخرون فرع جماعة «الإخوان المسلمين» في ليبيا، حيث منحهم الملك الليبي السابق إدريس ملاذاً آمناً بعد هروبهم من الاضطهاد السياسي في مصر. وقد سمح لهم الملك درجة نسبية من الحرية لنشر فكرهم، ولم يمر وقت قصير حتى جذبت الحركة عدداً من المواليين المحليين. وحصلت الحركة على زخمها عبر المعلمين المصريين الذين كانوا يعملون في ليبيا. غير أن القذافي اتخذ موقفاً أقل مرونة معتبراً «الإخوان» مصدراً محتملاً للمعارضة. وبعد فترة قصيرة من وصوله إلى السلطة، قام باعتقال عدد من «الإخوان» وترحيلهم إلى مصر. كما قامت الأجهزة الأمنية باعتقال وتعذيب أعضاء من «الإخوان المسلمين» الليبيين عام 1973، ووافق هؤلاء تحت الضغط على حل «الجماعة». ونتيجة لذلك، التزم «الإخوان» الصمت حتى نهاية سبعينات القرن الماضي.
غير أن الأحوال تغيرت في بداية الثمانينيات، حيث انتعشت آمال وطموحات جماعة «الإخوان» (التي كانت قد سمت نفسها آنذاك "الجماعة الإسلامية الليبية") لاستبدال النظام العلماني القائم في ذلك الحين بحكم الشريعة الإسلامية، مستخدمة في ذلك الوسائل السلمية، وبدأت مرةً أخرى في حشد الدعم الشعبي. وحظيت الجماعة بدفعة معنوية من عدد من الطلاب الليبيين الذين عادوا من المملكة المتحدة والولايات المتحدة، وساهموا بدور فاعل في المساعدة على نشر فكر «الإخوان». وعملت الحركة بسرية في مجموعات من الخلايا النشطة المترابطة في جميع أنحاء البلاد، وحظيت بالكثير من التأييد الشعبي من خلال القيام بأعمال خيرية والعمل على رعاية أعضائها. كما جذبت الحركة بشكل خاص أفراد الطبقات المتوسطة وظهرت قوتها بصورة خاصة في المنطقة الشرقية من بنغازي، حيث كانت القبائل الرئيسية تعارض تقليدياً نظام حكم القذافي. غير أنه بحلول منتصف الثمانينيات، تعرض معظم الأعضاء الذين بقوا في ليبيا إما للسجن أو الإعدام.
وفي عام 1999، عادت جماعة «الإخوان المسلمين» الليبية إلى الساحة من خلال الحوار مع نظام القذافي. واكتسب هذا التبادل المزيد من الزخم في الفترة بين 2005-2006، عندما ساعد نجل معمر القذافي، سيف الإسلام، في دفع العملية إلى الأمام. وقد قام سيف الإسلام بذلك خصيصاً لاستمالة «الجماعة». وفي عشية الانتفاضة الليبية في ربيع 2011، أشارت التقديرات إلى وجود ألف عضو من «الإخوان» داخل ليبيا ونحو 200 آخرين في المنفى. وقد تكون «الجماعة» اليوم أقوى من ذي قبل، ففي كانون الأول/ديسمبر 2012، صرح محمد صوان، زعيم "حزب العدالة والبناء" -- الذراع السياسي لـ جماعة «الإخوان المسلمين» -- بأن «الجماعة» تضم الآن أكثر من 10,000 عضو، بإشارته إلى نجاحها في كسب مؤيدين جدد خلال السنتين الماضيتين.
جماعات أصغر
لم تكسب جماعة «الإخوان» الدعم في نهاية التسعينيات فحسب، بل ظهر على السطح عدد من الجماعات الإسلامية أيضاً. ومن بين هذه الجماعات، "حركة التجمع الإسلامي" التي أسسها مصطفى علي الجهاني. وتتركز قاعدتها من المؤيدين بصورة تامة تقريباً في شرق البلاد، ويتشابه فكرها مع فكر «الإخوان». كما نجحت "جماعة التبليغ" العالمية في كسب مؤيدين لها في هذا الوقت، وتركزت بشكل كبير في المناطق الغربية من البلاد. غير أن "جماعة التبليغ" اختارت النأي بنفسها عن الانخراط في العمل السياسي، بعد اعتقال عدد من أعضائها في نهاية الثمانينيات، وتبعاً لذلك، فقد استمالها النظام لصالحه من خلال منح بعض أفرادها الوظائف كأئمة. إن عدد أنصار "جماعة التبليغ" في ليبيا في الوقت الحالي قليل نسبياً، حيث لا يوجد سوى مركز واحد معروف لـ "جماعة التبليغ" في البلاد.
«الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة»
كانت الجماعة الإسلامية صاحبة السيطرة التي تحدت نظام القذافي هي «الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة». ولم تعلن «الجماعة المقاتلة»عن تشكيلها حتى عام 1995، غير أنه يمكن اكتشاف أصولها من خلال حركة جهادية سرية كونها عوض الزواوي في عام 1982. وقد تمكنت «الجماعة المقاتلة»، دون أن تعلن عن اسمها الرسمي ومن خلال عملها في سرية تامة، من التوسع وكسب الكثير من المؤيدين في جميع أنحاء ليبيا على مدى أكثر من عقد من الزمان. وخلافاً لـ جماعة «الإخوان المسلمين»، أيدت «الجماعة المقاتلة» شن عمليات عسكرية ضد نظام القذافي بهدف إسقاطه، كما خططت أيضاً للقيام بهجمات ضد شخصيات بارزة في حكومته. وبحلول عام 1989، اكتشفت السلطات هذا التمرد واعتقلت الكثير من المتمردين، بمن فيهم الزواوي نفسه بعد أن نفذت «الجماعة المقاتلة» عدة محاولات فاشلة لإسقاط نظام القذافي في الأعوام 1986 و1987 و1989. وقد اضطر أولئك الذين لم يتم القبض عليهم إلى الفرار إلى أفغانستان.
اعتمدت «الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة» خطة طويلة المدى للإعداد لحملتها العسكرية، كما اقتنص الكثير من أعضائها فرصة الحرب ضد السوفييت في أفغانستان في الثمانينيات بهدف تعزيز مهاراتهم القتالية. وهناك أقاموا -- بالتعاون مع مواطنين ليبيين آخرين -- معسكرهم الخاص وخضعوا لتدريبات عسكرية، بتوجيهات من أعضاء تنظيم «القاعدة» من حين لآخر. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن أعضاء «الجماعة المقاتلة» كانوا الأكثر أهمية لـ تنظيم «القاعدة» من بين جميع "الأفغان العرب". وبينما هم في المنفي في أفغانستان وباكستان، بدأت الحركة تأخذ شكل جماعة محددة المعالم. فإلى جانب التدريب العسكري، تم أيضاً تلقين المتطوعين الليبيين في أفغانستان على أيدي رجال الدين الجهاديين ذوي التأثير أمثال عبد الله عزام. وبدأ المتطوعون في تطوير مهاراتهم القتالية تحسباً لليوم الذي سيعودون فيه إلى ليبيا لمقاتلة نظام القذافي. وبعد انتهاء الحرب الجهادية الأفغانية ضد السوفييت، عاد الليبيون إلى وطنهم لتكوين خلايا، أو انتقلوا إلى السودان لإنشاء قاعدة للعمليات من أجل وضع خطط الإطاحة بنظام القذافي، أو اتخذوا من لندن كمنفى لتقديم دعم لوجستي ومالي. ووفقاً لنعمان بن عثمان، قيادي كبير وعضو في مجلس شورى الجماعة، فإن الفترة الفاصلة لأعضاء «الجماعة المقاتلة» في السودان لم تكن موجودة في خطط أسامة بن لادن و تنظيم «القاعدة». وبدلاً من ذلك، اختاروا السودان كقاعدة محتملة بعد الحرب الأفغانية في 1988-1989. ولم يقرروا أنه من الملائم التحرك بشكل أقرب نحو الجبهة الليبية سوى عام 1993. ومن هناك أرسلوا بعض الوفود إلى الجزائر لمواصلة التدريب فضلاً عن توفير مساحة لدخول ليبيا سراً.
وفي ليبيا كانت «الجماعة المقاتلة» تؤسس هيكلها التنظيمي تحت قيادة عبد الله بلحاج وتقوم بتطوير المهارات القيادية للمسؤولين عن الخلايا والوحدات في جميع أنحاء البلاد. وكوكانت «الجماعة» تعتزم بناء قدراتها بشكل شديد الدقة، غير أنها سرعت من مخططها بسبب التأمين السيئ لإحدى العمليات في عام 1995. وقد حاول أعضاء في «الجماعة المقاتلة» إخراج أحد رفقائهم من مستشفى في بنغازي، غير أن قوات الأمن الليبية أصبحت على بينة من خطتهم وتحركت بسرعة لقمع الحركة. ونتيجةً لذلك، اضطرت «الجماعة» إلى الإعلان عن نفسها بشكل رسمي لأول مرة في تشرين الأول/أكتوبر 1995.
وما أن كشفت «الجماعة المقاتلة» عن نفسها، حتى بدأت في محاولة تنفيذ مخططاتها بإسقاط النظام بمنتهى القوة. وقد نفذت الحركة طوال فترة التسعينيات عمليات عسكرية ضد النظام الليبي، منها محاولات عديدة لاغتيال القذافي نفسه غير أنها باءت جميعها بالفشل. وقد دخل النظام الليبي في حرب شعواء مع «الجماعة المقاتلة»، تكبدت فيها الحركة العديد من الخسائر، من بينها مقتل أحد أبائها المؤسسين الشيخ صلاح فتحي بن سليمان (المعروف باسم أبي عبد الرحمن الخطاب)، الذي لقي حتفه في إحدى المعارك مع القوات الليبية بالقرب من درنة في أيلول/سبتمبر 1997.
وقد توقف تمرد «الجماعة المقاتلة» وحملتها الإرهابية داخل ليبيا بحلول عام 1998. غير أنه لم يعلن عن وقف إطلاق النار الرسمي حتى عام 2000. وتم سجن العديد من أعضاء الحركة في ليبيا، في حين قرر بعض الهاربين العودة إلى أفغانستان، بمن فيهم أمير «الجماعة المقاتلة» في ذلك الحين، الشيخ أبو عبد الله الصادق، والمسؤول الديني الرئيسي، الشيخ أبو المنذر الساعدي، وأبو أنس الليبي، الذي تورط مؤخراً في "تفجيرات السفارة" عام 1998. غير أن حفنة من أعضاء الحركة بقوا في المنفى في لندن، ولعبوا في النهاية دوراً هاماً عندما بدأت «الجماعة المقاتلة» عملية المصالحة مع النظام الليبي عام 2005.
وبينما كانت «الجماعة المقاتلة» غير موافقة على خطط بن لادن، بما في ذلك هجمات 11/9، إلا أنهم عانوا بشدة من العواقب بعد أن غزت الولايات المتحدة أفغانستان. وعلى عكس الجماعات الجهادية الأخرى التي ظلت تساعد تنظيم «القاعدة» في محاربة الولايات المتحدة، هرب غالبية مقاتلي «الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة» وقادتها في أفغانستان إلى إيران، حيث تم اعتقال العديد منهم وترحيلهم فيما بعد. وبقي بعض أعضاء «الجماعة المقاتلة» في أفغانستان (وباكستان) وانضموا بعد ذلك إلى تنظيم «القاعدة» بصفتهم الشخصية (وسنورد المزيد من التوضيح حول هذا الأمر أدناه). لكن بحلول عام 2004، تم اعتقال غالبية قادة الحركة وأعضائها أو حبسهم أو كانوا قد اختبؤوا أو ذهبوا إلى المنفى.
وفي العام التالي بدأ النظام الليبي عملية المصالحة ونبذ التطرف بمبادرة من سيف الإسلام القذافي. واستغرقت المفاوضات بضع سنوات، لكن في أيلول/سبتمبر 2009، أصدر قادة «الجماعة المقاتلة» في ليبيا "مراجعات" جديدة للجهاد في شكل وثيقة دينية من 417 صفحة بعنوان "الدراسات التصحيحية". وأوضحت المراجعات الجديدة أن الكفاح المسلح ضد نظام القذافي غير شرعي من منظور الشريعة الإسلامية وأعدت إرشادات جديدة تبين متى وكيف يصح الجهاد. ومع ذلك، ذكرت هذه المراجعات أن الجهاد جائز إذا غزا العدو بلاد المسلمين، وتم ذكر أفغانستان والعراق وفلسطين كأمثلة. وقد أدى ذلك في النهاية إلى إطلاق سراح الكثير من قادة «الجماعة المقاتلة» وأعضائها من السجون في آذار/مارس 2010. غير أنه لم يتم إطلاق سراح آخرين -- أمثال الشيخ عبد الوهاب قايد، شقيق أبو يحي الليبي المُنظِّر الأيديولوجي الراحل في تنظيم «القاعدة» في أفغانستان الذي كان أيضاً المشرف على العمليات -- حتى بعد الانتفاضة الليبية ضد نظام القذافي التي بدأت في آذار/مارس 2011. وفي النهاية تم حل «الجماعة المقاتلة» بشكل فعال عندما تم الانتهاء من المراجعات. وفي أعقاب الثورة، قرر العديد من القادة وأعضاء الجماعة إنشاء أحزاب سياسية والمشاركة في العمليات السياسية للنظام الليبي الجديد.
الإسلام والمجتمع
تبلغ مساحة ليبيا نحو 700,000 كيلومتر مربع ويقطنها نحو 5.8 مليون نسمة، منهم 1.5 مليون من الأجانب. ويتبع سبعة وتسعون بالمائة منهم المذهب السني، بينما ينتمي البقية إلى كنائس مسيحية مختلفة. ومن بين المدارس الفقهية في الفكر الإسلامي تهيمن المدرسةالفقهية المالكية على سكان ليبيا (مثل بلدان أخرى في شمال أفريقيا). كما توجد أقلية تفضل التفسيرات السلفية، التي تعتنق عادة المذهب الحنبلي السائد في المملكة العربية السعودية.
ولم يكن للدولة الليبية دستور قبل ثورة 2011، لذا لم تكن هناك أحكام وقوانين واضحة تحدد العلاقات بين الدين والمجتمع أو الدين والدولة. ومع ذلك، تم توفير قدر من الإرشاد في "الوثيقة الخضراء الكبرى لحقوق الإنسان" التي اعتمدت عام 1988. ووفقاً للميثاق، تعاملت الحكومة مع أغلب الأقليات الدينية بتسامح، لكنها عارضت بشدة كافة أشكال الإسلام المتطرف، حيث نظرت إليه على أنه تهديداً أمنياً. كما تم حظر كافة الممارسات الدينية التي تعارضت مع تفسير الحكومة للشريعة.
بلا ومع ذلك، ظل الإسلام دين الدولة، كما كان سابقاً ولا يزال يتخلل كافة مناحي الحياة السياسية والاجتماعية اليومية. وكما هو الحال مع جميع الجوانب الأخرى من حياة المواطن في ليبيا، كانت الحكومة تراقب [تفسير]الإسلام عن كثب وتنظمه لضمان خلو الحياة الدينية من أي بعد سياسي. وقد ضمنت عملية مراقبة المساجد وانتشار ثقافة المراقبة الذاتية بشكل عام بقاء كل من رجال الدين وأتباعهم في حدود الخطوط الآمنة من الممارسات المقبولة، إلا درجة أن المساجد الموقوفة من قبل أسر بارزة قد امتثلت بشكل عام لتفسير الإسلام الذي أقرته الحكومة. وحافظ نظام القذافي أيضاً على سيطرته على المؤلفات الدينية، بما فيها الأدب الإسلامي؛ على سبيل المثال، منعت الحكومة وصول جموع الليبيين إلى الموقع الإلكتروني لـ جماعة «الإخوان المسلمين» الليبية على الإنترنت.
وقد كانت "جمعية الدعوة الإسلامية العالمية" القناة الرسمية لنموذج الإسلام المعتمد من قبل الدولة. ومن خلال تركيزها الاهتمام على الأنشطة التي كانت تتم خارج البلاد، قامت هذه "الجمعية" بتفعيل جامعة -- تديرها الدولة -- خاصة برجال الدين المسلمين المعتدلين من خارج العالم العربي. كما عملت "الجمعية" قبل الثورة على منح 5,000 طالب دورات تعليمية في الفكر الإسلامي وآدابه وتاريخه. وبعد التخرج، شجعت الحكومة هؤلاء الطلاب على العودة إلى بلادهم ونشر تفسيرها للفكر الإسلامي.
ومن جهة أخرى كانت "هيئة الأوقاف" تدير المساجد سابقاً وتشرف على رجال الدين وكانت تتحمل مسؤولية أساسية في ضمان انضواء جميع الممارسات الدينية في البلاد تحت لواء نموذج الإسلام المعتمد لدى الدولة. وكانت التوجيهات الدينية مطلوبة في المدارس العامة، غير أن الحكومة لم تصدر معلومات حول الانتماءات الدينية للأطفال في المدارس العامة، ولم تكن هناك تقارير عن الأطفال الذين ينتقلون إلى مدارس خاصة لغرض دراسة توجيهات دينية بديلة.
وعلى الرغم من هذه الآليات، فقد ثبت أن الليبيين هم عرضة لإغواء الإسلام السياسي. فقد تبوأ مواطنون ليبيون مكانة بارزة في القيادة العليا لـ تنظيم «القاعدة» ما أن بدأت الحركة في إعادة تكوين نفسها في باكستان بعد عام 2004. غير أن ارتباط بعضهم بـ «القاعدة» يعود إلى ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، ومنهم:
• ابن الشيخ الليبي، المسؤول عن معسكر "خالدين" للتدريب العسكري سيء السمعة في أفغانستان. وتم القبض عليه في تشرين الثاني/نوفمبر 2001، وقدم شهادة كاذبة لإدارة بوش بوجود علاقة بين صدام حسين و تنظيم «القاعدة». وقد توفي في سجن في ليبيا مع مزاعم بوفاته بسبب التعذيب بعد ترحيله من معتقل غوانتانامو.
• أبو فرج الليبي، حل محل خالد شيخ محمد كالمسؤول الثالث في تنظيم «القاعدة» بعد أن تم القبض على محمد حتى اعتقاله في ربيع 2005.
• أبو أنس الليبي، كان متورطاً في أحداث تفجيرات السفارة عام 1998 ويعتقد حالياً أنه يكوِّن خلايا لـ تنظيم «القاعدة» في ليبيا، على الرغم من أن هذه المعلومات غير مؤكدة.
• الشيخ عطية الله عبد الرحمن الليبي، والذي ترقى -- قبل مقتله في غارة لطائرة بدون طيار في آب/أغسطس 2011 -- ليصبح نائب زعيم تنظيم «القاعدة» وكان مُنظراً يحظى بالاحترام. وقبل وفاة بن لادن، كان يُنظر إلى عطية الله على أنه الذراع اليمنى له.
بالإضافة إلى ذلك، انضم عدد من القياديين البارزين السابقين في «الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة» إلى تنظيم «القاعدة» بصفتهم الشخصية بعد الغزو الأمريكي لأفغانستان، وتبوؤوا مناصب عامة بارزة في قيادتها وبنيتها التحتية. بمن فيهم:
• أبو الليث الليبي، أحد أبرز القادة العسكريين في تنظيم «القاعدة» الذي قاتل قوات التحالف والقوات الباكستانية. كان مسؤولاً عن ولايات خوست وباكتيا وبكتيكا حتى مقتله من قبل القوات الأمريكية في ربيع 2008.
• أبو يحيى الليبي، الذي ارتقى -- قبل مقتله في غارة لطائرة بدون طيار في حزيران/يونيو 2012 -- لمنصب نائب زعيم «القاعدة» وكان رئيس اللجنة الدينية لـ تنظيم «القاعدة».
• عبد الله سعيد الليبي، كان مسؤولاً خلال عامي 2008-2009 عن المناطق الداخلية (منطقة الحدود الأفغانية الباكستانية) في اللجنة العسكرية لـ تنظيم «القاعدة» حتى مقتله في غارة لطائرة أمريكية بدون طيار.
وكان لليبيين تمثيل بارز في حرب العراق. ففي تشرين الأول/أكتوبر 2007، استولت قوات التحالف في العراق على سجلات في غارة بالقرب من سنجار على الحدود العراقية السورية احتوت على قائمة بالمقاتلين الأجانب الذين انضموا إلى تنظيم «القاعدة» في العراق بين آب/أغسطس 2006 و آب/أغسطس 2007. وقدرت نسبة المقاتلين الليبيين بنحو 18.8 في المائة من المقاتلين الأجانب في العراق ليحتلوا المرتبة الثانية بعد مقاتلي المملكة العربية السعودية الذين كانوا بنسبة 41 في المائة. والجدير بالذكر والملفت للنظر أيضاً أن هؤلاء المقاتلين لم يحاولوا إسقاط نظام القذافي عندما عادوا إلى وطنهم، ويعتقد أن بعضهم أعيد دمجه في المجتمع خلال عملية المصالحة. غير أن هناك إشارات بعودة بعضهم إلى الأعمال القتالية سواء في سوريا أو مع الكتائب الإسلامية في شرق ليبيا.
وبالإضافة إلى نشاط الإسلاميين داخل ليبيا قدم بعض المقاتلين الليبيين، الذين ساعدوا على إسقاط نظام القذافي، يد العون في الحرب الأهلية السورية ضد نظام الأسد. وقد انضم العشرات من الليبيين، إن لم يكن أكثر من ذلك، إلى "لواء الأمة"، وهي جماعة مسلحة من المعارضة في سوريا تحت قيادة مهدي الحاراتي، الذي يحمل الجنسيتين الايرلندية والليبية، والذي كان سابقاً قائد في "لواء طرابلس". ويشكل السوريون أكثر من 90 في المائة من المقاتلين على الرغم من أنهم تحت قيادة ليبيين. ويوجد ما لا يقل عن عشر حالات مؤكدة من الليبيين الذين استشهدوا في ساحة القتال السورية.
وقد أصبحت ليبيا أيضاً نقطة لنقل المقاتلين القادمين من أوروبا الغربية والمغرب إلى سوريا. وتشير تقارير صحفية ومصادر جهادية إلى أن بعض من هؤلاء الأفراد قد حضروا معسكرات التدريب في مصراتة وبنغازي والمنطقة الصحراوية بالقرب من هون و"الجبال الخضراء" في الشرق، غير أن دقة هذه التقارير غير معروفة.
وحتى لحظة كتابة هذا المقال، لم تكتب الحكومة الليبية الجديدة أي سطر في الدستور. ونتيجةً لذلك، لا يوجد في الوقت الحالي أي أحكام تتعلق بالدين والمجتمع. ويرى العديد من الإسلاميين والمسلمين الورعين من غير الإسلاميين على حد سواء أنه يجب الحفاظ على قدسية الشريعة ونصها في الدستور. ويعني ذلك الوصول إلى تفسير يعتمد على اتباع الشخص للفكر التقليدي أو الجهادي. وقد يشتعل الصراع على هذا الأمر مع بدء عملية كتابة الدستور.
التيار الإسلامي والدولة
خلال عملية إسقاط القذافي وبعدها، عاد الإسلام السياسي إلى الظهور مرة أخرى على الساحة الليبية، مغلفاً في عدد من الحركات الإسلامية. وهناك نوعان رئيسيان: أولئك الذين يعملون في ظل النظام، وآخرين يلعبون دور المخربين خارجه.
أعضاء البرلمان الإسلاميين
بدأت عملية التحول الديمقراطي بعد مقتل القذافي في خريف 2011. واعتقد الكثيرون أن جماعة «الإخوان المسلمين» الليبية قد تفوز بأغلبية ساحقة في الانتخابات البرلمانية، سائرة في ذلك على خطى أشقائها في تونس ومصر. وفي آذار/مارس 2012، أسست جماعة «الإخوان المسلمين» الليبية حزباً سياسياً أسمته "حزب العدالة والبناء"، والذي اتبع في تأسيسه خطى "حزب الحرية والعدالة" الذراع السياسي لـ «الإخوان المسلمين» في مصر.
ويترأس محمد صوان "حزب العدالة والبناء". وقد تم تقسيم الانتخابات البرلمانية بحيث تستطيع الأحزاب التنافس على 80 مقعداً، بينما يتنافس السياسيون المستقلون على 120 مقعد. غير أن "حزب العدالة والبناء" فاز بنحو 17 مقعد من إجمالي الـ 80 مقعداً المخصصة للأحزاب، ليحل ثانياً بعد "تحالف القوى الوطنية" ذو القاعدة العريضة، والذي حصل على 39 مقعد. غير أن أداء "حزب العدالة والبناء" جاء باهتاً بالمقارنة مع الأعداد الكبيرة التي صوتت لصالح "حزب الحرية والعدالة" في مصر و"حزب النهضة" في تونس، حيث حصل كل منهما على أكثر من 37 في المائة من المقاعد في الانتخابات البرلمانية التي جرت في بلديهما.
ومن جهة أخرى حافظت «الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة» على كلمتها بمجرد بدء الانتفاضة، ولم تعد إلى الأنشطة الجهادية، حتى أنها غيرت اسمها إلى "الحركة الإسلامية الليبية للتغيير". ومع ذلك، فمع انتشار التمرد، انضم العديد من أعضاء هذه الجماعة إلى المقاومة المسلحة، معتمدين في ذلك على خبرتهم القتالية في السابق، وأبرزهم، الشخصية البارزة في «الجماعة المقاتلة»، عبد الحكيم بلحاج، الذي أصبح رئيس "المجلس العسكري في طرابلس".
وبعد سقوط نظام القذافي، انقسمت «الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة» إلى فئتين سياسيتين تنافستا في الانتخابات التشريعية في تموز/يوليو 2012: "حزب الوطن" المعتدل ذو القاعدة العريضة، والذي انضم إليه بلحاج، والكيان الأصغر، "حزب الأمة الوسط" الأكثر محافظة وذو الصبغة الأكثر إسلامية، والذي انضم إليه أغلب أعضاء «الجماعة المقاتلة» تحت قيادة الشخصية البارزة سامي الساعدي. غير أن "حزب الوطن" لم يفز بأي مقعد في الانتخابات، بينما حصل "حزب الأمة الوسط" على مقعد واحد، تم تخصيصه لعبد الوهاب قايد، شقيق الراحل أبو يحي الليبي.
وبالإضافة إلى ذلك، كان أداء الأحزاب الإسلامية الصغيرة ضعيفاً أيضاً. كما لم يفز "حزب الأصالة" السلفي ولا الحزب الإسلامي "الإصلاح والتنمية"، برئاسة خالد الورشفاني، وهو قيادي سابق في جماعة «الإخوان المسلمين»، بأي مقعد.
الجماعات الإسلامية غير الرسمية
في اللحظة التي ألقت فيها «الجماعة المقاتلة» سلاحها بعد الحرب وانخرطت في العملية السياسية، بدأت جماعات جهادية جديدة في الظهور، كانت أكبرها "كتيبة أنصار الشريعة في بنغازي" التي أعلنت عن نفسها لأول مرة في شباط/فبراير 2012 بزعامة محمد الزهاوي، الذي كان مسجوناً في عهد القذافي في سجن "أبو سليم" سيء السمعة. ويعتقد أن الجماعة كانت وراء الهجوم على القنصلية الأمريكية في بنغازي في 11 أيلول/سبتمبر 2012. بالإضافة إلى صلاتها على الإنترنت مع "جماعة أنصار الشريعة في تونس"، فإن "كتيبة أنصار الشريعة في بنغازي" تربطها علاقات فضفاضة مع عدة كتائب جهادية سلفية في ليبيا، بمن فيهم "كتائب أنصار الشريعة في درنة" غير المعروفة، بقيادة المعتقل السابق في غوانتانامو أبوسفيان بن قمو. غير أنه لا يوجد دليل متاح للعلن يثبت التنسيق بين "كتيبة أنصار الشريعة في بنغازي" و"كتيبة أنصار الشريعة في درنة". وقد شاركت الكثير من هذه الكتائب في "المؤتمر السنوي" الأول لـ "كتيبة أنصار الشريعة في بنغازي" في حزيران/يونيو 2012؛ واستناداً على صور الحدث، فقد حضر ما يربو عن ألف شخص هذا المؤتمر. وتشير آخر التقارير إلى أن عدد أفراد "كتيبة أنصار الشريعة في بنغازي" يقدر ببضع مئات.
جُل ما يهم "كتيبة أنصار الشريعة في بنغازي" هو إنشاء تفسيرهم الخاص للشريعة الإسلامية. وتقوم "كتيبة أنصار الشريعة في بنغازي" أيضاً بتقديم خدمات محلية. فقد عمل أفراد هذه "الكتيبة" على تنظيف الشوارع وإصلاحها، وتقديم المساعدات خلال شهر رمضان، وقاموا مؤخراً بالمساعدة على حفظ الأمن في إحدى مستشفيات بنغازي (غير أن اقتحام المحتجين لقاعدتهم جعلهم يتخلون عن مهامهم الأمنية). وعلى الرغم من أن الجماعة تعترف بتدمير أضرحة وقبور صوفية في بنغازي، فقد حاولت "كتيبة أنصار الشريعة في بنغازي" إيجاد موطئ قدم لها على المستوى المحلي كمدافعة عن التفسير المتشدد للإسلام، بينما تساعد المجتمع بتقديم الاحتياجات الأساسية له.
وتعتبر "كتائب السجين الشيخ عمر عبد الرحمن" لاعباً آخراً جديداً غير معروف على الساحة وسميت تيمناً باسم الزعيم الروحي لـ "الجماعة الإسلامية المصرية" والذي يقضى حالياً عقوبة بالسجن مدى الحياة في الولايات المتحدة لضلوعه في أحداث الهجوم على "مركز التجارة العالمي" عام 1993، بين مجموعة أخرى من المتآمرين. ولا يعرف الكثير عن قيادة الجماعة أو حتى حجمها، غير أنها كانت مسؤولة عن سلسلة من الهجمات في بنغازي في شهري أيار/مايو وحزيران/يونيو عام 2012، بما فيهم هجومين ضد "اللجنة الدولية للصليب الأحمر" وهجوم بالقنابل على القنصلية الأمريكية وتنفيذ هجوم على موكب السفير البريطاني.
ولا يزال تنظيم «القاعدة» مستمراً في تعزيز وجوده في ليبيا أيضاً. هذا ونشرت مكتبة الكونغرس الأمريكي في الآونة الأخيرة، في آب/أغسطس 2012، تقريراً غير سري يشير إلى تزايد أعداد خلايا تنظيم «القاعدة» في ليبيا. كما اعتزم القيادي البارز في تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري فضلاً عن أبو يحيى وعطية الله قبل مقتلهما إنشاء قاعدة للجهاد في ليبيا. ويشير التقرير إلى أن أبو أنس هو "مؤسس شبكة تنظيم «القاعدة» في ليبيا" وأشار إليه على أنه الوسيط بين القيادة العليا لـ تنظيم «القاعدة» في باكستان وقادة الجماعة على الأرض في ليبيا. ويؤكد التقرير أيضاً أن تنظيم «القاعدة» يستخدم اسم "أنصار الشريعة" كواجهة، غير أنه تم تقديم أدلة غير كافية في هذه المرحلة بخصوص هذا الادعاء. وعلاوةً على ذلك، يقدم جزءاً كبيراً من التقرير دليلاً معضد بالقرينة والدوافع والشائعات. ولذلك، هناك حاجة إلى مزيد من المعلومات المتعلقة بطبيعة وجود تنظيم «القاعدة» في ليبيا قبل تقييم قوته الحقيقية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق