Translate

الأحد، 2 أبريل 2017

الجيش الليبي يجب بأن يكون جيشاً إحترافيّاً



بدأت أخيراً تظهر علينا أصوات من داخل الجيش الليبي في المناطق الشرقيّة تعبّر عن رأي سلفي متزمّت، وقرارات من قيادات الجيش من الواضح بأنّها ليست أكثر من إملاءات من قبل تلك الجماعات المتشدّدة والتي بكل صدق لاتفهم في السياسة ولا تفقه في فن تسيير الدول.

أنا أرى وبكل قوّة بأن على الجماعات الدينيّة بجميع أنواعها وأشكالها ومدارسها أن تلتزم بما تؤمن به وأن تعبد ربّها كما يحلو لها ولكن أن تتركنا - نحن الشعب - لحالنا. رجائي من كل من يؤمن بفكر معيّن أو يرى رأياً مختلفاً عن بقيّة الناس أن يحتفظ برأيه لنفسه وأن لا يتدخّل في شئون الناس من منطلقات إعتقاده وطريقة تفكيره. إن ذلك لا يجب بأن ينظر إليه على أنّه تحجيراً على الفكر أو محاربة للتفكير، وإنّما أنا أراه يدخل في إطار إحترام الغير وترك الناس لتفكّر كما تشاء وتختار لنفسها ما تشاء وفق حساباتها وإعتباراتها بدون فرض الرأي الأوحد عليها.

بالنسبة لأبناء وبنات الشعب الليبي أنا أتمنّى بأن يكون شعبنا واعياً ومثقّفاً ومتفتّحاً، وبأن يمتلك أفراد هذا الشعب المقدرة على النقاش والحوار والحصول على المعلومة المصحّحة والمنقّحة والمستحدثة حسب معارف ومفاهيم هذا الزمان بدل فرض الآراء والأفكار القديمة - التي عفى عليها الزمن وتجاوزتها مسيرة الحياة - على الناس وإجبارهم على إتبّاعها أو إستخدام القوّة والعنف لتمريرها عليهم بغطاء الدين أو ستار التديّن أو بأية مظلّات أخرى مهما أختير لها من الأسماء ومهما أضفي عليها من القدسيّة ومظاهر التديّن.
الجماعات الدينيّة المتشدّدة علينا بأن نكون حذرين من خدعهم وخزعبلاتهم، فهم مهما إختاروا لأنفسهم من مسمّيات ومهما تفنّنوا في تغيير الأسماء عندما يطّلع الناس على خفاياهم... إنّهم في نهاية الأمر يبقون عبارة عن جماعات متشدّدة لها قناعاتها ولها أبجدياتها ولها مصالحها.... نعم، لها مصالحها التي ليس بالضرورة أن تصب في مصالح الناس أو تحفل بمصالح البلد.


الجماعات الدينيّة هي كلّها تنتمي إلى تيّار واحد مهما تنوّعت أسمائها ومهما تلوّنت شعاراتها ومهما كانت آساليبها لإغواء الناس والتأثير على عقولهم. الجماعات الدينيّة وعبر العصور برهنت على أنّها تسير كلّها وفق متاهات ضيّقة ونظرات محدّدة للحياة، وعلى أنّها جميعاً وبدون إستثناء تسعى لتحقيق مصالحها الذاتيّة وتنفيذ أجنداتها التي تخصّها مهما سبغت ذلك بنواميس الدين ومهما وضعت أسماء الله عليها. الجماعات الدينيّة وعبر العصور إنّما هي في حقيقتها لا تختلف عن الكثير من الجماعات والتنظيمات المتشدّدة الأخرى التي بكل تأكيد تدخل في تقسيمات التطرّف مثلها في ذلك مثل المافيا، والكيوبتز، والهاجاناة، والألوية الحمراء، وكاخ، والتاميل، وإيتا، وبابار خالسا، والطالبان، والقاعدة، وداعش، وأنصار الشريعة، وأنصار السنّة، وجبهة النصرة... وما إليها من التنظيمات الراديكاليّة(المتطرّفة) في العالم.

حينما تخرج أصوات لقيادات سلفية من داخل الجيش الليبي فإن ذلك سوف يسقط المصداقية عن الجيش الليبي بإعتباره جيشاً وطنيّا ويحوّله ذلك بكل بساطة إلى جيش طائفيّ ومؤدلج ممّا ينفّر جماهير الشعب منه ويبعدها عنه بحثاً عن جيش آخر.
على قيادة الجيش الليبي في الشرق الليبي أن تنأ بنفسها وبكل صراحة ووضوح عن الجماعات الدينيّة مهما كانت تسمياتها ومهما كانت لغتها المستخدمة لتخدير الناس وتمرير أبجدياتها عليهم من خلال الإيهام بأن تلك الجماعات إنّها هي تدعو إلى دين الله بالتي هي أحسن ولا تنتهج وسائل العنف لتحقيق أهدافها التي تكون دائماً خفيّة ومتستّراً عنها.
إن كل تلك الآساليب والوسائل المراوغة والمتستّرة ما هي إلّا تعبير أكيد وإنعكاسات حقيقيّة عن الخدع والخزعبلات التي أصبحت تجيدها الجماعات الدينيّة في كل أنحاء العالم وذلك بهدف الإنفلات من المراقبة الدولية والخروج من التصنيفات التي وضعت تحتها، ولنا الكثير من الأمثلة على ذلك:
1- جماعة الإخوان المسلمون وقد تستّرت تحت مسمّيات أخرى من بينها العدالة والبناء والعدالة والتنمية وما إليها من المسميات التي نعرفها وهي مرتبطة إرتباطاً مباشراً بتنظيم الإخوان المسلمون وتحت إشراف قادة ذلك التنظيم الماكر والمخادع والخبيث.
2- جماعة أنصار الشريعة وقد حوّلت إسمها إلى سرايا الدفاع عن بنغازي.
3- جبهة النصرة وقد حوّلت إسمها إلى جبهة فتح الشام.

وهناك الكثير من الجماعات الدينية المتشدّدة والتي غيّرت إسمائها وربّما شعاراتها ورموزها بهدف الهروب من الملاحقة أو الخروج عن المراقبة أو لآن الناس كانت قد تكشّفت أسرارها وعرفت نواياها الخفيّة.
المقصود من هذا الكلام هو أن يعي الشعب الليبي تلك الجماعات وأن ينتبه إلى أن الدين وإسم الله ما هي إلّا مظلاّت تخفي من تحتها حقيقة تلك الجماعات التي لا تختلف إطلاقاً في طريقة تفكيرها ونواياها، وهي تجمع كلّها على عدم الإعتراف بالدولة العصريّة وعدم الإعتراف بوجود الجيش النظامي والمهني، كما هي لاتعترف بشئ إسمه "شرطة محترفة" تكون من بين مؤسّسات الدولة العصريّة، والجماعات الدينيّة بجميع مسمّياتها وطوائفها وآماكن تواجدها هي لا تعترف بشئ إسمه "الديموقراطيّة" أو أي أساس حكم يدعو إلى "التناوب السلمي على السلطة" من خلال صناديق الإقتراع والإنتخابات الحرّة المراقبة والمقنّنة.
الجماعات الدينية كلّها وبدون إستثناء لا تعترف بشئ إسمه "الإختيار الشعبي" ولا تؤمن به إطلاقاً من باب أن الشعب من الممكن أن ينتخب علمانيين لحكم البلد، وتلك من وجهة نظرهم تعتبر خروجاً عن أمر الله.... والمقصود المخفّى عمداً وراء ذلك هو "الخروج عن سلطاتهم".

الخلاصة أنّه على السيّد خليفة حفتر أن ينأى بنفسه وبالجيش الليبي كليّة وبكل وضوح وصراحة عن ما يسمّى بالسلفيين في الجيش الليبي، وأن يعلنها بكل صراحة ووضوح بأن الجيش الليبي لا يمكنه إطلاقاً بأن يحتضن الجماعات الدينية مهما كانت مسمّياتها ومهما كانت توجّهاتها. الجماعات الدينيّة لها الحق في أن تتعبّد بالطريقة التي تراها، وأن تتنعّم بمبدأ "حرية العبادة"... ولكن في آماكن العبادة. أمّا أنّ تلك الجماعات تعمل على فرض أرائها وأفكاها وأجنداتها على الناس بالقوّة أو العنف أو الترهيب فذلك يجب أن يدخل تحت بند الفرض القسري على إرادة وإختيار الإنسان (الديكتاتوريّة) والذي يجب نبذه ومقاومته والوقوف ضد تنفيذه من قبل قوى الشعب التي هي وحدها من لها المصلحة الحقيقيّة في تدبير شئون البلد وطريقة حكمه إن كنّا بالفعل نسعى لبناء دولة عصريّة ومدنيّة ومتحضّرة تحتضن جميع أهلها بكل إحترام وبكل تقدير وبكل إعتبار.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق