بعد أن تمكّن الشباب والمتعلّمون والمثقّفون من أبناء بعض البلاد العربيّة من إمتلاك القدر الكافي من الشجاعة للخروج وبكل قوّة على الأنظمة الديكتاتوريّة والتي كانت في الظاهر جمهوريّة لكنّها في واقعها كانت أنظمة قمعيّة ووراثيّة أكثر من أنظمة الحكم الوراثيّة في عالمنا العربي... بعد أن تمكّن أولئك الشباب(رجال ونساء) من كسر حاجز الخوف والخروج للعلن بهدف المطالبة بالحريّة والمطالبة بالإنعتاق نحو غد أفضل ومستقبل أزهر. لم ترض الجماعات الدينيّة المتواجدة في كل مكان في بلادنا العربيّة بظفر الشباب بما خرجوا من أجله، وكان أن خرجت كل المجاميع الدينيّة وبكل مسمّياتها وخلفياتها.. خرجت من جحورها التي قضت بداخلها أكثر من عقدين من الزمان وهي خائفة ومرتعبة من حركة التيّار الوطني التحرّري القويّة والواثقة في فترة ما بعد الإستقلال.
خرجت المجاميع الدينية عن بكرة أبيها وبكل قوّتها لتفرض وجودها مستغلّة الظروف الهشّة التي أوجدتها ثورات الربيع العربي التي وللأسف لم تكن منظّمة ولم تكن مبرمجة ولم تكن لها قيادات وطنيّة براغماتيّة نظراً للظروف التي كانت سائدة في فترة الثمانينات والتسعينات من غياب أي هامش للحريّة ومنع الشباب من التفكير في الغد أو تشكيل كيانات سياسية مستقلّة. خرجت الجماعات الدينيّة بكل قوّة وعملت بكل ما أوتيت على شغر الفراغ الناجم عن ثورات الربيع العربي فإستولت على آماكن صنع القرار في تونس وفي مصر وفي ليبيا، ثم إذا بها تتمدّد لتحدث التغيير بأنفسها هذه المرّة في سوريا وفي اليمن. وبالفعل شعرت الجماعات الدينيّة ولأوّل مرّة منذ عهد الإستقلال بنوع من النشوة والإنتصار مما دفعها للتفكير في بعث حلمها الذي ظلّ سجين الآماني والذي يدفع نحو إعادة مشروع "الخلافة الإسلاميّة" كما كان يحلم به شيوخ الدين في بلداننا وكما كانوا يتصوّروه لكنهم هذه المرّة أطلقوا عليه "الصحوة الإسلاميّة"، وكانوا منتشين بما حقّقوا إلى أن بدأت أحلامهم تتبدّد بعد أن فشلوا في أوّل محاولة للمسك بسدّة الحكم. لقد فشل الإسلاميّون في تونس، ثم فشلوا في مصر، وهاهم على شفا هزيمة أخرى في ليبيا ومن بعدها بكل تأكيد في سوريا... وسوف تشهد اليمن على تبدّد آخر أحلامهم في إعادة مشروعهم السلطوي(الكهنوتي) والذي أطلقوا عليه تجاوزاً مشروع إعادة "الصحوة الإسلاميّة".
هذا بكل تأكيد أعادني إلى أحداث ومجريات ثورات العصور الوسطى في أوروبّا والتي كانت في الإتجاه المعاكس. فقد كانت تلك الثورات موجّهة تحديداً للقضاء على تيّار الكنيسة(شيوخ الدين) وإبعادهم عن الواجهة حتّى يتسنّى للجيل الجديد الإنطلاق نحو المستقبل بدون عراقيل وبدون إرتعاب رجال الدين من العلم والعلماء. ثورة أوروبا ضد الكنيسة أنهت سلطة الكهنوت الديني المتخلّف وبذلك خرجت أوروبا من فلك سيطرة رجال الدين فلم يعد هناك وقتها ما يشد أوروبا إلى الخلف، وبذلك وصلت أوروبا إلى ما وصلت إليه اليوم من تقدّم وإزدهار وفي جميع الأصعدة بما فيها حقوق الإنسان وأخلاق المعاملة بين البشر.
نحن وبكل تأكيد في أمسّ الحاجة للثورة على آساقفة العصر الحديث (شيوخ ديننا) لنقدر على الخروج من الحلقة المفرغة ومن ثمّ قد نرى المستقبل بأعين مختلفة ونتعامل معه بعقليات متفتّحة. لا علاقة للدين بما أقول، فالدين مهما كان مصدره ينادي دائماً بالقيم والأخلاق والإنضباط وحسن الأداء، أما هنا فأنا أتحدّث عن رجال الدين... والفرق كبير وجوهري. رجال الدين وفي أية ديانة هم سبب التخلّف والشد إلى الوراء، وهم في وجود الأدلّة والبراهين من يكذب وينافق ويغش بإسم الرب وتلك هي المصيبة التي يعاني منها البشر الذين يعتقدون في قدسيّة وربّاية رجال الدين. إن أكثر المنافقين والأفّاقين من البشر وفي أي زمان ومكان هم رجال الدين، وعلينا بأن نكون على بيّنة وأن نكون من المنتبهين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق