كنت في هذا الصباح أستمع إلى أغانٍ في مذياع السيّارة لحقبة الثمانينات التي من وجهة نظري كانت أغنى فترة هنا في أوروبا من حيث جودة الكلمة وعذوبة اللحن وواقعية التفكير.
كانت كل الأغاني التي إستمعت إليها تتحدّث عن الحاضر.. عن الواقع... عن المعاش من زماننا. كلمات الأغاني كانت تتحّث عن حال الناس، عن معايشاتهم اليوميّة، عن الأشياء التي تلامسهم وتؤثّر مباشرة في حياتهم. ألحان الأغاني ورنيمها كان هو بدوره يتفاعل مع العالم المحيط... مع ثقافة الزمان وثقافة المكان.
وبينما أنا أستمع بكل إهتمام إلى تلك الأغاني الرائعة هرب بي خيالي إلى عالمنا العربي(والإسلامي) حيث أغانينا تتحدّث عن الغيب... عن الماضي... عن الفراق والحرمان... ومشيتي وخلّيتيني بروحي.. ويا ريتني ما شفتك ولا عرفتك.. و تتفكّري ماضيك.. وياريت اللي فات يرجع تاني، وما إليها من عذابات النفس والإحساس بالحرمان والندم على الماضي الجميل !!.
نحن نعشق البكاء على الأطلال لأنّنا لا نعرف كيف نصنع البديل. نحن لا نعرف كيف نصنع الحاضر، فتجدنا نتباكى على الماضي. نحن نلتصق بسير الأوّلين وتغرورق عيوننا بسيل الدموع ونحن نتحدّث عن "السلف الصالح" وكأن سلفنا الصالح كان قد إخترع لنا كل ما نجده اليوم بين أيدينا وكل ما نفتخر بإمتلاكه والتعامل معه في عالم اليوم. إن من يبكي على الماضي هو فقط من يعجز عن صنع الحاضر، ومن يعجز عن صنع الحاضر هو فقط من يعيش في الماضي ويتعامل بأبجديات الماضي.
في عالمنا العربي والإسلامي، تجد الناس يعشقون الغوص في الماضي، وتجد الماضي سرعان ما يثير الأشجان ويدفع الناس إلى ترك جماح عواطفهم فيبكون ويتمتّعوا بالحزن لأنّه يحفّف عنهم الكثير مما تكبته أنفسهم من ضيق ولوعة وحسرة والشعور بالحرمان.
في ثقافتنا المتداولة في عالم اليوم، تجد شيوخ الدين وهم يتحدّثون بكل إسهاب عن النار وجهنّم والآخرة وتلك "الحياة الأبدية" وحوريات الجنّة وأنهار الخمر وتلك الأحلام الوردية التي تعيش في عالم الغيب ولا ندري في حقيقة الأمر كنهها الحقيقي. لا ندري بأن ما ذكر في القرآن عن الجنة والنار وعذابات يوم الآخرة إن كان هو بالفعل كما نراه ونفهمه ونظنّه، أمّ أنّ كل ذلك يدخل في عالم الرب ويحسب بقياسات الرب وأنّه في واقع الأمر يدخل في عالمه الذي لا نعرف الكثير عنه.
شيوخ ديننا يسهبون في الحديث عن عوالم الخيال، لأنّهم عاجزون عن العيش بأبجديات الواقع. فهم يهربون من الواقع لأنّهم يخافونه، ويخافونه فقط لأنّهم يجهلونه، ويجهلونه لأنّهم غير قادرين على إستيعابه، وهم غير قادرين على إستيعابه لأنّهم وبكل وضوح يعيشون في عالم الماضي.
نحن مشكلتنا الجوهرية والفعلية هي في "شيوخ ديننا"، وعلينا أن نعلنها واضحة وصريحة. هؤلاء البشر يجب إبعادهم من الواجهة وإعطائهم حجرات صغيرة في المساجد للتحدّث عن نواقض الوضوء ومفاسد الصيام، وتلك قد تتجاوز قدراتهم لكنّهم ربّما يفيدوا غيرهم فيها.
مشكلتنا هي في ثقافتنا، وثقافتنا هي التي توارثناها من شيوخ ديننا.... فثقافتنا لا تعيش الواقع. أغانينا، شعرنا، مقالاتنا، مسامراتنا، مناقشاتنا... كلّها تسبح في عالم الخيال. حتى غرامنا وحبّنا دائماً يتغنّى عن الفراق والحرمان والغدر والخيانة والوقوع في غرام شخص آخر. نحن نعشق التحدّث عن عالم "الغيب" ونهرب من عالم الواقع، لأنّ حديثنا عن عالم الغيب يهرب بنا إلى عوالم الخيال والأوهام؛ ومن ثمّ فعالم الجن والملائكة والشياطين يشغل تفكيرنا بشكل مثير ومرعب.
ثقافتنا يا أيّها السادة والسيّدات تحتاج إلى تغيير، وعقلياتنا تحتاج إلى ثورة حقيقيّة تهزّ أركانها من جذورها كذلك الزلزال الذي يهز الأرض من فوقه فيدمّر المباني القديمة ليأذن بمشاريع بناء جديدة.. مكلّفة نعم، لكنّها تغيّر الواقع. ذلك بصدق ما نحتاج إليه... هزّات عنيفة تفيقنا من سباتنا وتعيدنا إلى رشدنا فنتمكّن بسببها من رؤية وملامسة واقعنا ومن ثمّ نتحسّس طريقنا التي نمشي عليها ومنها نقدر على المضي قدماً.... يومكم سعيد.
كانت كل الأغاني التي إستمعت إليها تتحدّث عن الحاضر.. عن الواقع... عن المعاش من زماننا. كلمات الأغاني كانت تتحّث عن حال الناس، عن معايشاتهم اليوميّة، عن الأشياء التي تلامسهم وتؤثّر مباشرة في حياتهم. ألحان الأغاني ورنيمها كان هو بدوره يتفاعل مع العالم المحيط... مع ثقافة الزمان وثقافة المكان.
وبينما أنا أستمع بكل إهتمام إلى تلك الأغاني الرائعة هرب بي خيالي إلى عالمنا العربي(والإسلامي) حيث أغانينا تتحدّث عن الغيب... عن الماضي... عن الفراق والحرمان... ومشيتي وخلّيتيني بروحي.. ويا ريتني ما شفتك ولا عرفتك.. و تتفكّري ماضيك.. وياريت اللي فات يرجع تاني، وما إليها من عذابات النفس والإحساس بالحرمان والندم على الماضي الجميل !!.
نحن نعشق البكاء على الأطلال لأنّنا لا نعرف كيف نصنع البديل. نحن لا نعرف كيف نصنع الحاضر، فتجدنا نتباكى على الماضي. نحن نلتصق بسير الأوّلين وتغرورق عيوننا بسيل الدموع ونحن نتحدّث عن "السلف الصالح" وكأن سلفنا الصالح كان قد إخترع لنا كل ما نجده اليوم بين أيدينا وكل ما نفتخر بإمتلاكه والتعامل معه في عالم اليوم. إن من يبكي على الماضي هو فقط من يعجز عن صنع الحاضر، ومن يعجز عن صنع الحاضر هو فقط من يعيش في الماضي ويتعامل بأبجديات الماضي.
في عالمنا العربي والإسلامي، تجد الناس يعشقون الغوص في الماضي، وتجد الماضي سرعان ما يثير الأشجان ويدفع الناس إلى ترك جماح عواطفهم فيبكون ويتمتّعوا بالحزن لأنّه يحفّف عنهم الكثير مما تكبته أنفسهم من ضيق ولوعة وحسرة والشعور بالحرمان.
في ثقافتنا المتداولة في عالم اليوم، تجد شيوخ الدين وهم يتحدّثون بكل إسهاب عن النار وجهنّم والآخرة وتلك "الحياة الأبدية" وحوريات الجنّة وأنهار الخمر وتلك الأحلام الوردية التي تعيش في عالم الغيب ولا ندري في حقيقة الأمر كنهها الحقيقي. لا ندري بأن ما ذكر في القرآن عن الجنة والنار وعذابات يوم الآخرة إن كان هو بالفعل كما نراه ونفهمه ونظنّه، أمّ أنّ كل ذلك يدخل في عالم الرب ويحسب بقياسات الرب وأنّه في واقع الأمر يدخل في عالمه الذي لا نعرف الكثير عنه.
شيوخ ديننا يسهبون في الحديث عن عوالم الخيال، لأنّهم عاجزون عن العيش بأبجديات الواقع. فهم يهربون من الواقع لأنّهم يخافونه، ويخافونه فقط لأنّهم يجهلونه، ويجهلونه لأنّهم غير قادرين على إستيعابه، وهم غير قادرين على إستيعابه لأنّهم وبكل وضوح يعيشون في عالم الماضي.
نحن مشكلتنا الجوهرية والفعلية هي في "شيوخ ديننا"، وعلينا أن نعلنها واضحة وصريحة. هؤلاء البشر يجب إبعادهم من الواجهة وإعطائهم حجرات صغيرة في المساجد للتحدّث عن نواقض الوضوء ومفاسد الصيام، وتلك قد تتجاوز قدراتهم لكنّهم ربّما يفيدوا غيرهم فيها.
مشكلتنا هي في ثقافتنا، وثقافتنا هي التي توارثناها من شيوخ ديننا.... فثقافتنا لا تعيش الواقع. أغانينا، شعرنا، مقالاتنا، مسامراتنا، مناقشاتنا... كلّها تسبح في عالم الخيال. حتى غرامنا وحبّنا دائماً يتغنّى عن الفراق والحرمان والغدر والخيانة والوقوع في غرام شخص آخر. نحن نعشق التحدّث عن عالم "الغيب" ونهرب من عالم الواقع، لأنّ حديثنا عن عالم الغيب يهرب بنا إلى عوالم الخيال والأوهام؛ ومن ثمّ فعالم الجن والملائكة والشياطين يشغل تفكيرنا بشكل مثير ومرعب.
ثقافتنا يا أيّها السادة والسيّدات تحتاج إلى تغيير، وعقلياتنا تحتاج إلى ثورة حقيقيّة تهزّ أركانها من جذورها كذلك الزلزال الذي يهز الأرض من فوقه فيدمّر المباني القديمة ليأذن بمشاريع بناء جديدة.. مكلّفة نعم، لكنّها تغيّر الواقع. ذلك بصدق ما نحتاج إليه... هزّات عنيفة تفيقنا من سباتنا وتعيدنا إلى رشدنا فنتمكّن بسببها من رؤية وملامسة واقعنا ومن ثمّ نتحسّس طريقنا التي نمشي عليها ومنها نقدر على المضي قدماً.... يومكم سعيد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق