Translate

السبت، 8 فبراير 2020

أبكي من فيض حسرتي على مآسي أمّتي

 أنت عربي وأمّتك إسلاميّة، وأنا مسلم وأمتي عربيّة. قد نختلف في التوصيف وقد نتخاصم في التعريف، لكنّني أنا أعي ما أقول وأفهم كل ما أرمي إليه. فأنا حينما أذهب إلى بلاد أخرى غير عربيّة لا أتحدّث بلغتي لكنّني أتحدّث بلغة تلك البلاد إن كنت أجيدها أو أتحدّث بلغة أخرى غير اللغة العربية لأتفاهم مع البشر؛ غير أنّني - وهنا بيت القصيد - أحمل معي ديني وأمارسه كما أريد. أنا بوسعي أن أمارس طقوس ديني كما هي وفي أي مكان في العالم، لكنّني لا أستطيع أن أتحدّث بلغتي خارج أهلي الذين يتحدّثونها.
من هنا أنا أقول وأعي ما أقول بأن إنتمائي عربي وديانتي الإسلام، ومن هنا فأنا أنتمي إلى أمّة العرب بغض النظر عن ديني وبغض النظر عن إعتقادي الروحاني. إن إنتمائي لأمّة العرب يجعلني عربي التفكير وعربي المسعى وعربي الأحلام، أمّا إنتمائي الديني فهو في جوهره يعكس علاقتي بربّي الذي أؤمن به وتعبّدي له لأنّني أطلب رضاه ومن ثمّ أمارس ما يرضيه.
إنتمائي العربي لا يمكنه أبداً أن يتجاوز إنتمائي الإنساني، فأنا أحترم غيري.... كل غيري مهما كان إنتمائه وكيفما كانت لغته. إن إنتمائي العربي لا يمكنه أبداً بأن يسمح لي بأن أحتقر غيري من الشعوب أو أقلّل من قيمتهم، بل على العكس، فبقدر إعتزازي بقوميّتي أحترم قوميّات الآخرين، وبقدر حرصي على عروبتي أحترم وأقدّر حرص الآخرين على لغاتهم وإنتماءاتهم؛ فأنا إنسان قبل أن أكون عربيّاً وأنا إنسان قبل أن أكون مسلماً. تلك هي مسلّماتي وتلك هي قناعاتي، وطالما أنّها قناعاتي فهي ثابتة لم تتغيّر وسوف لن تتغيّر.
كنت أشاهد هذا الصباح صوراً من بنغازي وهي مدمّرة المباني مع أن شوارعها أصبحت نظيفة، وبعدها شاء قدري أنني شاهدت صوراً مفزعة ومخيفة من مناطق مختلفة في سراقب في سوريا، وشاهدت من قبل مدن مدمّرة في اليمن، ومن قبلها مدناً مدمّرة في العراق. أنا كلّما أرى بلد من عالمي العربي وهي تدمّر من قبل أهلها أحسّ بالحسرة وأشعر بالأسى، وأقولها بصدق إن مثل تلك المشاهد تدمّر في داخلي الحلم وتزيد من حزني على واقع أمّتي التي وللحسرة أخذت تدمّر كل ما بنت منذ عهود الإستقلال. هناك من يقول إن دمار البنيان يمكن ترميمه، لكن إعادة حياة البشر ليست خاضعة لقانون إعادة البناء أو الترميم أو التجاهل. أنا أرد على أولئك - وهم محقّون - بأنّ الحياة هي تكامل، ولايمكن فصل جزء منها عن الآخر إن كنّا بالفعل نحلم بحياة هانئة وسعيدة ومريحة. الحياة هي إنسان ومعمار وثروة وكيان، ولا يمكن التضحية بجزء على حساب الثاني؛ لكنّّنا حينما ننحاز لصالح حياة البشر على حساب أيّ شئ آخر فإنّنا نفعل ذلك من زاوية "الرمق الأخير".... الحدود الدنيا. إن من يرضى بالعيش على "الحدود الدنيا" هو إنسان معدم وتعيس وعاجز ولا يمتلك إرادة أو إختيار. لابدّ وأن تكون حياتنا متنوّعة وملوّنة ومتكاملة وفق إختياراتنا ووفق رغباتنا وحسب إحتياجاتنا. إن عجزنا عن توفير ذلك النمط من الحياة يعتبر نوعاً من الإحباط، لكنّنا أحياناً نرضى بأن نعيش محبطين ليس حباً في الإحباط ولكن لأنّنا نعجز عن إيجاد البديل.
الذي دعاني لكتابة هذه السطور هو إحساسي بأنّني أصبحت أنتمي إلى أمّة ضعيفة وعاجزة ومهانة ولم يعد قراراها بأيدي أهلها. أنني أصبحت أفتح عيني في كل يوم لأرى المزيد من الهزائم والإنكسارات وهي تحوم حولي وتقابلني وتنغّص مشاعري، لكنّني أجد نفسي عاجزاً عن إحداث التغيير، وأرى بأن الكثيرين من حولي ربما هم لا يعبهون أو لا يبالون أو لا يحفلون. ليس هناك أرذل في هذه الحياة من أن تعيش مهاناً أو مذلولاً أو أن غيرك ينتهز ضعفك ليملي عليك المزيد من الذل والهوان وأنت تقبل بدون أن تستطيع أن تقول لا. ذلك هو وللأسف حال أمّة العرب، أمّا أولئك الذين يؤمنون بشئ إسمه "أمّة الإسلام" فحالهم ليس أحسن وأوضاعهم ليست أفضل وذلّهم وإنكساراتهم تنعكس على تصرّفاتهم وتنعكس على إختياراتهم. يومكم سعيد... وسوف يقيناً يأتي العيد وقد حينها نقدر على لبس الجديد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق