حلّت علينا بالأمس ذكرى وفاة الزعيم جمال عبد الناصر، وبغض النظر عن تقييمنا الحالي لإنجازاته وإخفاقاته يظل المرحوم جمال عبد الناصر زعيماً في عيوننا وفي تقديراتنا وفي معتقداتنا لأنّه كان زعيماً بقياس وحسابات غيرنا سواء في ذلك من أحبّنا أو من كرهنا.
لعبد الناصر رحمه الله ميزات وعيوب كبقيّة مخلوقات الله، فنحن نؤمن بأنّنا بشر وبأنّنا مهما إجتهدنا ومهما حاولنا فنظلّ في نهاية المطاف بشراً غير كاملين فالكمال - كما نؤمن نحن "الليبراليّون" - هو لله.... ولله وحده. هناك منهم من يؤمن بالمنزّهين عن الخطأ وبالمعصومين من "أسلافنا الأوّلين" الذين لا يأتيهم الباطل من بين أيديهم ولا من خلافهم، وتلك لعمري تدخل في إطار "إنحسار ملكة الفكر" و"محدوديّة آليّة التفكير".
مهما أخطأ جمال عبد الناصر في نظرهم ومهما أخفق فيظلّ في حسابنا زعيماً عربيّاً تميّز عن معاصريه بالمصداقيّة والإخلاص والإحساس بآلام الفقراء والمغبونين.
عبد الناصر كان صادقاً فيما يقول، ومخلصاً فيما يعمل، وكان لا يتلوّن ولا ينافق. عبد الناصر إختلف مع المنافقين والمتلوّنين الذين كانوا يرتدون عباءة التديّن لأنّهم خانوه بعد أو وثق فيهم وآمن جانبهم فأشركهم في الحكم ليكتشف سريعاً بأنّهم نكثوا عهودهم وخانوا ثقته فيهم. مشكلتنا الكبيرة والعظيمة أن الذين يحكمون بلادنا اليوم وللأسف هم أنفسهم من خانوا عهد عبد الناصر، وهم أنفسهم المتلوّنين الذين لم تنسيهم الأيّام متلازمة الكذب والنفاق والخداع. إن الذي يعيق مسيرتنا ويوقف قطار التغيير في بلادنا هم أنفسهم من حاولوا إيقاف قطار التغيير في عهد الزعيم عبد الناصر فأزاحهم عن طريقه من أجل مواصلة المسير. غاب عبد الناصر فعادت الغربان تنعق من جديد وعاد معها البؤس والحزن الذي لا يبشّر بخير ولا يطمئن النفوس.
إن الذي يصنع التغيير ويدفع بعجلة الحياة إلى الأمام هو ذلك الإنسان صاحب الأفكار النيّرة والعقل المبدع، وهو من يعيش الحاضر ولا يخاف من المستقبل. إن الذي يتشبّث بالماضي ويعمل على عكس دوران ساعة الزمن لا يمكنه أبداً أن يصنع المستقبل، ذلك لأن المتشبّث بالماضي هو فقط من لا يثق في المستقبل ولا يستطيع مواجهة خفايا القدر.... وتلك يمكن تسميتها "جبناً" أو ربّما إعتبارها من بنات "القصور".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق