أعتقد بأن
الشيخ الصادق الغرياني كان قد أضرّ بنفسه وبزملائه رجال الدين بفتواه
"القاصرة". نعم... اقول قاصرة لأنّها لم تكن على بيّنة. قال الله تعالى
في كتابه العزيز: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ
فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا
فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ }. ما هي مصادر معلومات الشيخ الصادق الغرياني ليتّهم
العازمين على التظاهر في بنغازي على أنّهم من دعاة الفتنة وعلى أن تلك المظاهرة
كانت ستؤدّي إلى إقتتال بين المتظاهرين؟. كان على الشيخ الصادق الغرياني أن يسأل
ويتحرّى (يتبيّن) من المنظّمين للمظاهرة عن نواياهم وعن مقاصدهم قبل أن يصدر فتواه
التي أضرّت به وبسمعته أشد الضرر. إن فتوى الشيخ الصادق الغرياني المبتورة أدت بكل
تأكيد إلى دعم موقف الشباب المتعلّمين والذين يعيشون عصرهم الذي يتميّز بالعلم
والمعرفة والتعامل مع التقنية (الذين يوصمونهم ظلماً بالعلمانيّين... مع عدم
معرفتهم بالمعنى الحقيقي للعلمانيّة التي لا تعني أكثر من التحرّر من عقد الماضي
والإعتماد على العلم والعقل في تسيير شئون الحياة) وإلى زعزعة موقع رجال الدين في
عقول وقلوب الشباب الذين يحتاجون إلى من يفهمهم ويفهم طموحاتهم في هذه الحياة
الدنيا بدل نعتهم بالعلمانيّين ( الطاغية القذّافي كان قد نعت الشباب بالجرذان...
ولا فرق). أنا أعتقد بأن دار الإفتاء في حاجة ماسة وسريعة إلى إعادة نظر من حيث
التحديث وإعادة الهيكلة بحيث تدخل عليها تعديلات تمكّنها من دخول القرن ال21 بما
في ذلك الشفافيّة والصدق وفوق كل شئ إعتماد مبدأ الإنتخاب الحر والنزيه لمن يرأسها
(المفتي) وكذلك تبنّي عامل التناوب على السلطة فيها (على عكس إخوتنا في مصر الذين
يريدون وظيفة المفتي أبديّة ولا تخضع للعزل أو التغيير أو الإنتخاب أو حتى المساءلة...
بمعنى أنّهم يسعون إلى إعتبار المفتي منزّهاً ولا تجوز محاسبته). على هيئة الإفتاء
أن تختار بين إثنين: إمّا أنّها تتفرّغ لشئون النصح والإرشاد في مجال القضايا
الدينيّة وتبتعد عن حشر نفسها في قضايا السياسة ( وهو الأسلم)، أو أنّها تدخل
العصر الحديث من حيث النزاهة والديموقراطيّة والخضوع للمحاسبة والسير على هدى
الشفافيّة. لا أعتقد بأنّه سوف يكون من الصعب على فقهاء الدين في بلادنا بأن
يجتمعوا ويتناقشوا بشأن تحديث دار الإفتاء بما يتواءم مع التغييرات التي حدثت في
ليبيا منذ ال17 من فبراير 2011.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق