Translate

الثلاثاء، 23 أبريل 2013

حان الوقت للتصادم مع الشبح


برهنت أحداث السفارة الفرنسيّة في طرابلس على أن التحدّيات أمام الحكومة الليبيّة مازالت كبيرة وصعبه. وبأنّ من يقومون بمثل هذه العمليّات الإرهابيّة هم من ذلك النوع الذي يستفيد من هشاشة الوضع الأمني في البلاد من ناحية، ومن مجموعة الإخفاقات التي تلت جميع التفجيرات وعمليات الإختطاف والإغتيال السابقة والتي طالت شخصيّات هامة ومهمة في بلد هو في أمسّ الحاجة لكل عقل يفكّر ويد تبدع.
كانت أوّل عمليّة إرهابيّة في ليبيا والتي هزّت الشارع الليبي وأحدثت شرخاً كبيراً في الثقافة الليبيّة التي لم تتعوّد على العنف.. كان ذلك في عمليّة إغتيال اللواء عبد الفتّاح يونس في ظروف وأجواء لم يكن متوقّعاً معها أن تحدث عمليات إغتيال لشخصيّة عرفها الليبيّون طيلة أشهر الثورة الأولى ضد الطاغية معمر القذّافي، وفي وقت كان فيه الليبيّون يضعون أيديهم على قلوبهم حين كان الطاغية القذّافي مازال يمتلك القوّة والإرادة للتشبّث بالسلطة وكان قادراً على الإحتفاظ بها. كانت عمليّة إغتيال اللواء عبد الفتّاح يونس بمثابة زلزال هزّ الواقع الليبي من أعماقه.
مرّت تلك العاصفة الهوجاء بكل بطء، لكن الناس لم يتمكّنوا من إستيعاب فصولها حتى بعد مرور الزمن عليها. كان الليبيّون والليبيّات ينتظرون تحقيقاً سريعاً وتقريراً قضائيّاً وافياً يتم من خلاله تسمية الجاني أو الجناة وتحديد الجهة التي كانت وراءهم.
مضى الوقت بطيئاً أيضاً والكل في ليبيا ظل ينتظر بعض التقدّم ولكن لم يحدث أي شئ وعرف الكثيرون في بلادنا بأن هناك عمليّة تخفية متعمّدة وبأن هناك من قرّر التعمية على هذه  الجريمة بهدف حماية المجرمين وحدث كل ذلك تحت مبرّر "الحفاظ على وحدة البلاد" ومحاولة لتفادي نشوب حروباً أهليّة كانت ربّما تلوح في الأفق حينها... أو كما تصوّر من كان على رأس هرم السلطة في ليبيا.
تقبّل الليبيّون والليبيّات تلك المبرّرات بإمتعاض وبمرارة وبالكثير من التردّد، وبدأ الناس بالفعل في تناسي ما حدث خاصّة وأن الجميع كانوا مشغولين بتلك الأحداث المتتالية والتي أفضت إلى القبض على الطاغية وقتله وإنهاء نظام حكمه رسميّاً وإلى الأبد.
نسى الليبيّون والليبيّات إغتيال اللواء عبد الفتّاح يونس وواصل الجميع حياتهم بما تيسّر، لكنّ القتلة المنتمين للجهات التي إغتالت اللواء عبد الفتّاح يونس لم تتطبّع الحياة عندهم بل إنّهم ربّما شعروا بالإنتصار على الدولة، وربّما أحسّوا عندها بأنّ لهم قوّة "جبّارة" يمكنهم بها فرض أجندتهم  . وبالفعل ما هي إلاّ بضعة أشهر حتى بدأ مسلسل الإغتيالات يتكرّر وراح ضحيّته الكثير من العقول الليبيّة المدرّبة والتي كانت بلادنا في أمس الحاجة إلى خبراتهم، لكن خسارة هؤلاء لليبيا قابلها فوز لمن أراد لليبيا بأن تبقى رهينة أو تتحوّل إلى إمارة تخضع لسلطانهم وتسيّر الحياة فيها بما يشتهون وبما يقرّرون.
قتلوا وفجّروا وإغتالوا وهدموا ونبشوا قبور الموتى وإعتدوا على أضرحة الأولياء وهجموا على منظّمات إنسانيّة جاءت إلى ليبيا لتساعد في تخفيف معاناة الليبيّين والليبيّات مثل منظّمة الصليب الأحمر وكذلك منظّمة الهلال الأحمر الإيرانيّة. لم تتوقّف أعمال العنف عند تلك المستويات بل قرّر الظلاميّون مهاجمة القنصليات الأحنبيّة والسفارات وكانت تفجيرات القنصليّة الإنجليزية في بنغازي ربما هي الحدث الأكثر وقعاً على الليبيّين والليبيّات بعد حادثة إغتيال اللواء عبد الفتّاح يونس.
واصل الإرهابيّون أعمالهم الإجراميّة في حق ليبيا وفي حق ضيوفها وكنّا بعد كل حادثة نسمع الكثير من الوعيد والتأكيدات بالعمل على مسك المجرمين وتقديمهم للعدالة ولكن لم يحدث شيئاً على الإطلاق مما كان يتوقّعه أهلنا في ليبيا والعالم من حولنا.
واصلت الحكومات المتعاقبة الكذب على الليبيين وتواصلت الوعود بالقبض والمحاكمات والجزاء القاسي حتى أصبحت وعود الحكومة في هذا الشأن مجرّد مسلسلات متكرّرة وربما بنفس السيناريو وبنفس الإخراج.  
فقد الليبيّون والليبيّات الثقة في وعود الحكومة وفي تأكيدات الجهات التشريعيّة وعرف المجرمون بأنّهم يستطيعون أن يفعلوا ما يشاءون وأن يصلوا إلى حيث يشاءون وبأن يفتكوا بمن يريدون خاصّة بعد أن زرعوا أنفسهم في كل أجهزة الدولة وخاصّة الأمنيّة والعسكريّة وإستطاعوا بدهائهم إرتداء عباءة الحكومة والإستمرار في برامجهم كما كانت بل وبأكثر ثقة وحرفيّة خاصة حين تأكّدوا بأنّهم أصبحوا هم الحكومة وهم المؤتمر الوطني فسرحوا كما شاءوا وإقتنصوا من أرادوا.
تواصلت عمليات الإغتيالات والقتل والتفجيرات كما أرادها أصحابها إلى أن بلغ بهم الأمر هذا الصباح بوضع سيارة مفخّخة بجانب السفارة الفرنسيّة في مدينة طرابلس فأعادوا بذلك تأجيج مخاوف الليبيّين وعدم إطمئنان العالم من حولنا على الأمن في بلادنا نظراً لمكانة فرنسا في عقول وآحاسيس الليبيّين والليبيّات بما قدمته فرنسا للشعب الليبي أثناء عمليات التحرير من حكم الطاغية القذافي.
تم تفجير السفارة الفرنسية، وعاد أقطاب الحكومة يعدون الشعب الليبي بالعمل على مسك المجرمين وتقديمهم للقضاء كي ينالوا جزاءهم على جرائمهم... ولكن هل تفي الحكومة بوعودها؟. لا أعتقد بأنّه يوجد ليبيّاً واحداً أو ليبيّة واحدة من مازال يثق في وعود الحكومة أو المؤتمر الوطني بخصوص القبض على أمثال هؤلاء المجرمين أو مطاردتهم، ذلك لأنّنا في ليبيا بدأنا نعرف السر الكامن وراء تردّد السلطات الحاكمة في ليبيا في عملية تقصّي هؤلاء المجرمين أو محاولات تقديمهم للمحاكمة فما بالك بمعاقبتهم.
الحكومة تعرف المجرمين وتعرف بأنّهم مسلّحون وتعرف بأنّهم قتلة لا يخشون الموت وتعرف بأنّهم قساة لا يحملون قيماً إنسانيّة في عقولهم. الحكومة أضحت ترى هؤلاء مثل الأشباح المخيفة التي تدمّر كل شئ ولا تحفل بأية قيم. الحكومة غدت تخاف من هؤلاء وترتهب منهم وتفضّل عدم الوقوف في طريقهم خوفاً منهم وحرصاً على عدم تأجيج الوضع حتى لا تندلع حرباً أهليّة في بلادنا... أو كما تظن السلطات في بلادنا. الحكومة بدأت ترى هؤلاء المجرمين - وهي تعرفهم بالإسم - على أنّهم مثل البعبع المخيف فتتصوّر بذلك أن أسلم الطرق للحفاظ على سلامة ليبيا ومنعها من الإنقسام والتشرذم تكمن في عدم التعرّض لهم. من ناحية أخرى بدأت هذه الجماعات تحسّ بنشوة الإنتصارات وتشعر بأنّها قادرة من خلال الميليشيات المسلّحة التي تمتلكها بأن تسيطر على كل شئ في هذا البلد وفرض سلطة الأمر الواقع عليه. أظن بأنّهم يستعدّون لإعلان "الإمارة الإسلاميّة" على كل ليبيا بعد أن سمحت لهم السلطات بالتجهيز لذلك في مدينة درنة التي تعتبر مقر تواجدهم ومركز إنطلاقهم حيث أنّهم هناك يرفضون قبول أي شرطي أو جندي في الجيش لدخول مدينتهم التي قد يسمّوها يوماً عاصمة لإمارتهم المزعومة.... هل تستطيع الحكومة أن تدخل بكوادرها وشرطتها وجيشها إلى مدينة درنة؟.
أعتقد بأنّنا الآن أمام إختيار صعب تزداد صعوبته مع الأيّام وعلينا أن نتصرّف الآن أو أنّنا سوف نفقد هذا البلد بعد أن يتحوّل إلى دولة فاشلة وفق المعايير الدوليّة.... وحينها سوف نصبح بالفعل صومالاً جديداً.   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق