Translate

الخميس، 16 مايو 2013

نحن عاجزون عن تحديد أولويّاتنا

 لقد برهنت أحداث السنتين الماضيتين على أنّنا في ليبيا لم نتمكّن من أيجاد قيادة بديلة للطاغية المقبور الذي كان بكل جدارة يسيطر على الأمن في البلاد، وفي عهده لم يكن أي من هؤلاء الذين يعبثون بأمن ليبيا... يهينون سيادتها ويدوسون على كرامتها بأخماص بنادقهم وسباطانات مدافعهم... لم يكن أي منهم في عهد الطاغية بقادر على أن رفع سلاحه في وجه "الشرعيّة" التي كانت موجودة وهي بكل تأكيد شرعيّة الطاغية على عكس شرعيّة اليوم والتي هي شرعيّة الشعب من خلال صناديق الإقتراع.

لقد أعمتنا وللأسف مصالحنا الشخصيّة عن مصالح البلد، وأغفلنا الطمع عن حب هذا البلد وصون كرامته، وأصبحنا بالفعل نمشي تائهين لا نقدر على تحديد أولويّاتنا، وبذلك تهنا وتعبنا بدون أن نتمكّن من المضي قدماً ولو بفراسخ قليلة.

هذه بعض الأمثلة على التخبّط الذي تعاني منه بلادنا الآن:

1- قانون العزل السياسي وترك ما يقارب من 500 من كبار أزلام القذّافي وهم يتجوّلون في العالم طلقاء يفعلون ما يريدون بدون أن نقدر على القبض عليهم بهدف تقديمهم للمحاكمة على جرائم نعرف بأنّهم إقترفوها. ألسنا من سهل عليه إصدار قانوناً للعزل السياسي ونحن نعرف بأنّ ضحاياه سوف يكونوا من أبطال ليبيا الذين ضحّوا في سبيلها بكل ما يملكون بدءاً بالدكتور محمد المقريف، والمرحوم الأستاذ منصور رشيد الكيخيا، والدكتور محمود جبريل، والشهيد أحمد أحواص، والأستاذ عبد الرحمن شلغم، والشهيد عبد الفتّاح يونس، والأستاذ عبد الحفيظ غوقة... وغيرهم كثير؟. ألم تجعلوا من هؤلاء كبش فداء لعجزكم في القبض على أزلام الطاغية وهم مازالوا وحتى هذا اليوم يكيدون بالشعب الليبي لأنّهم طلقاء يفعلون ما يريدون، وآخر أعمالهم الخبيثة - لمن لا يعلم - هو إطلاق قناة فضائيّة موجّهة تنفث سمومها بإسم قناة الخضراء Green Channel وهي تبثّ بكل حريّة على قمر بدر "العربي" .Arab Sat والذي تمتلك ليبيا نصيب الأسد في إدارته والسيطرة عليه بسبب التمويل.

2- مسلس الإنفاق الغير محسوب العواقب من خلال برنامج تعويضات لا ينتهي، ومن خلال تقديم هبات ورشاوي للأسر الليبيّة بهدف شراء ولاءها؛ ممّا سوف يستنزف موارد ليبيا التي نحن في أمس الحاجة إليها الآن للبدء في عمليّات الترميم والبناء وإستحداث خدمات جيّدة يستفيد منها المواطن الليبي بدل هذا الهدر الغير مسئول لأموال البلد من قبل أناس لا تفكّر ولا تحسب وتتعامل من خلال العواطف الجيّاشة أو ربّما من خلال خطّة موضوعة تهدف إلى تركيع ليبيا وتسليم إرادة القرار فيها لمن يوفّر لها الأموال من الخارج.

3- عمليّات الصراع الخفي على السلطة في بلد لم تنشأ بعد.... وهذه تذكّرني بصراع الفلسطينيّين على دولة غير موجودة حتّى على الورق.
صراعنا على السلطة والتكالب على فرض الأمر الواقع يبدأ من داخل المؤتمر الوطني ويمرّ على أروقة الحكومة ووزاراتها ويعبر من خلال التنظيمات المسلّحة التي يتحكّم فيها من بعد من لايريد خيراً لبلادنا. ألم يكن من اليسير الشروع في رحلة البناء لولا تلك الصراعات العقيمة على سلطة لم يتم تكوينها وللأسف؟.

4- المشاريع العشوائيّة وتجاهل العقول الليبيّة القادرة والمبدعة بحق. وزارة الصحة تتخبّط وهي لا تعرف كيف تنتقل إلى الخطوة التالية، في حين يتواجد في بلادنا الكثير من خبراء التخطيط الصحّي المؤهّلين من العقول الليبيّة وهم لا يستشارون ولا يحفل بتفكيرهم أحد. نفس المشكلة في الكهرباء وفي التعليم وفي الأمن وفي الجيش وفي المواصلات وحتّى في الزراعة والثروة الحيوانيّة. ألم يكن الأجدر تكوين هيئات إستشاريّة من الخبرات الليبيّة المقيمة والمهاجرة والإستفادة من خبراتها لبناء أسس الدولة الجديدة بدل هذا لتخبّط الذي يهدر ثروات الدولة بدون عائد يذكر؟. ألم يذكّركم الذي يحدث الآن بمثالب نظام الطاغية الذي كنّا ننتقده وثرنا للقضاء عليه؟.

هل آن لنا بأن نصحى من هذا العبط والتفكير العشوائي الذي يسئ إلى بلادنا ويهدر ثرواتها في مشاريع أقلّ ما يقال عنها بأنّها "إعتباطيّة"؟... والمثال القريب للذاكرة هو تعاقد وزارة الصحّة على إستجلاب مستشفيات جاهزة للبلد في حين تمتلئ البلد بالمستشفيات التي لا تحتاج لأكثر من صيانة وبعض التوسيعات الممكنة جدّاً وبأقل التكاليف مع بالطبع إحتساب عامل الزمن وإستغلال الخبرات الليبيّة التي تزدحم بها بلادنا ويعيش الفائض منها في خارج البلد ينتظر دوره للمساهمة في بناء ليبيا الحبيبة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق