Translate

الأحد، 16 يونيو 2013

هل هي الصفات أم الممارسات ما كان يتوجّب علينا إتبّاعه ؟

نحن هنا نتحدّث عن صفات أو أفعال الرسول عليه الصلاة والسلام ما كان يتوجّب علينا إتبّاعه وممارسته ي حياتنا اليوميّة المعاصرة؟.
النقطة الجوهريّة من وجهة نظري هي: هل ما يعنينا هو "أوصاف" الرسول أم "ممارساته"؟... هل علينا أن نتّبع خصائص شخصيّة رسول الله أم كيف كان يعيش في حياته اليوميّة؟. ذلك ما أراه سؤالاً وجيهاً وعلينا الخوض فيه.
نحن نعرف جميعاً بأن عجلة الزمن هي في دوران مستمر، وساعة الحياة لا يمكنها إلاّ أن تدور إلى الأمام. كما نعرف أيضاً أن من طبيعة البشر الوقوع في الأخطاء ومن واجب البشر الإستفادة من أخطائهم حتى لا يكرّروها. قال رسول الله عليه السلام: لا يلدغ المؤمن من جحر مرّتين... وهذا يعني بأن على المؤمن بألاّ يكرّر نفس الخطأ مرّتين... أي أن على المؤمن بأن يتعلّم من أخطائه حتى لا يكرّرها. كذلك فإنّ الله سبحانه وتعالى عمد إلى إبتلاء "إمتحان" البشر بالكثير من "المصائب" منها المرض والزلازل والأعاصير والحروب والكره والحسد وما إليها من التحدّيات التي لم يقصد الله بها معاقبة البشر وإنّما يهدف ربّنا بأن يتعلّم الإنسان كيف يصبر وكيف يفكّر وكيف يتطوّر.
لقد خلق الله الجراثيم لكل تصيب الإنسان فيمرض وأعطى الله له العقل كي يستخدمه فيفكّر، وبالفعل تعرّف الإنسان على الجراثيم والميكروبات وعرف سير حياتها وطريقة تصرفاتها وبذلك فقد إخترع لها المضادّات الحيوية لإنقاذ حياته من أثارها. كذلك خلق الله لنا الإحساس بالجوع حتى نحس بقيمة الأكل فنشكره، وخلق لنا الحر حتى نتلذّذ بالبرودة، والفقر حتى نعرف قيمة المال، والوحشة حتى نقدّر قيمة التواصل الإجتماعي.
معنى هذا أن الله خلق لنا لحياة ديناميكيّة وتسير قطعاً إلى الأمام وطلب منّا بأن نسير معها في سيرانها حتى نتطوّر وتتحسّن أمورنا. وعودة إلى نصرّفات الرسول عليه السلام وخصائصه.... الرسول كما نعرف ما هو إلاّ بشراً مثلنا، ولم يتصرّف الرسول في أي يوم من الأيام طيلة حياته مختلفاً عن البيئة التي عاش فيها وعايشها لأنّه لم يقل للناس بأنّه كان ملكاً أو أميراً أن أنّه ربّما كان مخلوقاً سماويّاً أو ملاكاً، بل إنّه قال لهم كما ورد في القرآن الكريم: {وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَـٰذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ}، وقال الله تعالى أيضاً على لسان نبيّنا محمد عليه السلام: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا }، وقال الله تعالى أيضاً في نفس السياق: {أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِي السَّمَاءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ ۗ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَّسُولًا}، وقال الله أيضاً: {فَقَالُوا أَبَشَرًا مِّنَّا وَاحِدًا نَّتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَّفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ}، وقال الله في وصفه أيضاً: { وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَىٰ إِلَّا أَن قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَّسُولًا }، وقال الله أيضاً: {فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ }... وهذا بكل تأكيد يعني بأن رسول الله - مثله في ذلك مثل بقيّة الرسل - ما كان إلاّ بشراً مثل أولئك الذين بعث إليهم، فهو كان يأكل ممّا يأكلون ولا يستخدم الملاعق لأنّه في زمانه ليه السلام لم تكن توجد ملاعق بل كان يأكل بيديه ويلعقها بعد الأكل، وكان رسول الله عليه السلام يشرب مما يشربون، ويركب على ما يركبون. كان رسول الله يركب الجمل والحصان والحمار حسبما توفّر، وكان يأكل التمر ويأكل القدّيد، وكان يمشي على رجليه ويتواصل مع الناس بما توفّر حينها. كان رسول الله يستخدم السواك لتنظيف أسنانه ولو توفّر له معجوناً لتنظيف الأسنان لكان قد إستخدمه.
كان رسول الله لا يحلق ذقنه لأنّه حينها لم تكن هناك شفرات الحلاقة ولو وجد رسول الله شفرات حلاقة لكان إستخدمها لحلاقة ذقنه، ولو وجد عطر ما بعد الحلاقة لكان إستخدمه. لم يستخدم رسول الله الطائرة في سفرياته، ولم يستخدم الهاتف النقّال في إتصالاته، ولم يكتب ما كان يوحى إليه لأنّه لم يجد أقلاماً وورق حينها للكتابة عليها فما بالك به كان يستخدم الآلات الطابعة أو أنّه كان يستخدم الإنترنت أو يتفرّج على التلفزيون. الرسول كان يستخدم ما توفّر، وكان يتصرّف حسب مقتضى الحال؛ فلماذا إذاً يفرض علينا البعض "العودة" إلى مستخدمات ذلك الزمان، وعادات ذلك المكان؟.

هناك أموراً تنتقل عبر الزمن ونتقل عبر الجينات الوراثيّة وهي "الصفات"... ومكوّنات الشخصيّة (السمات)... وتلك تحديداً ما يتوجّب علينا محاكاة الرسول فيها. كان رسول الله خلوقاً، وكان صادقاً، وكان أميناً، وكان لا ينافق، وكان زاهداً في الدنيا ولا يكترث بجمع المال والثروة. كان رسول الله قنوعاً، وكان رحيماً، وكان لا يؤذي غيره. كان رسول الله صدوقاً وخلوقاً وودوداً، ولم يكن رسول الله منافقاً ولا كذّاباً ولا موراياً ولا طمّاعاً... فهل نتبعه في كل ذلك، أم أن تلك الصفات من الصعب علينا محاكاة رسول الله فيها؟.
هل من الأيسر علينا أن نتحدّث بأن رسول الله كان يجلس على الأرض ويأكل بيديه ثم يلعقها بعد الأكل؟. هذه أموراً متيسّرة ومن السهل محاكاة الرسول فيها، ولكن لماذا نحن نفعل ذلك وتوجد لدينا طاولات أكل وملاعق وسكاكين وشوكات... فهل نحتاج إلى إستخدام أيدينا في الأكل، وهل يتوجّب علينا لعق أيدينا ومصّ صوابعنا بعد الأكل؟. هل نحن ملزمون بتقليد رسول الله عليه السلام فيما كان يأكل وفيما كان يلبس وكيف كان يوظّب شعر لحيته أو شعر رأسه وما إذا كان يحلق شعره أو يتركه يكبر ويطول؟.
هل علينا أن نترك لحانا تكبر لأن رسول الله لم يكن يحلق لحيته لأنّه لم تكن تتوفّر لديه ماكينات حلاقة، وهل يتوجّب علينا حلق الشار أو تحفيفه أو تركه؟.
إنّنا بالفعل حين ندعوا الناس إلى فعل ذلك ونعتبره من الحلال والحرام إنّما نحن وللأسف نعيش بإنفصام شديد في تفكيرنا وفي تصرّفاتنا وفي ملامح شخصيّاتنا ذلك لأنّنا لم نستخدم عقولنا ونفكّر. فلنقتد بصفات رسول الله ولنترك ممارساته الحياتيّة لأنّها كانت تعكس زمانه وكانت تعكس مكانه ولا يتوجّب علينا تكرارها لأنّنا بذلك إنّما نحاول عكس عجلة الحياة، وهذه ليست من قدراتنا ولا من المتيسّر لنا حتى وإن حاولنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق