Translate

السبت، 15 يونيو 2013

الفرق بين إتِّباع النبي وتقليده

للمستشار أحمد عبده ماهر (محام بالنقض ومحكم دولي وكاتب إسلامي)

إن الذين يتبعون الهيئات والشكل وظاهر الكلمات من القرآن والسُنّة إنما هم فى غفلة فكرية ورِدَّة حضارية، فحين تجد رجلا يأتيك متهللا ليهديك بلفافة من عود الآراك «السواك» وقد جلبه من الخارج باعتبار أنه سُنّة عن النبى فى تنظيف الأسنان وبخاصة قبل كل صلاة، فاعلم بأن عضلاته الفكرية والإدراكية مفتولة رغما عنه، فأمثال هؤلاء يظنون فى أنفسهم القوة الفقهية ب
ينما هم يمثلون صورة من صور التخلف الإدراكى، وهم يتصورون بأنهم سلفيون لكنهم أبعد الناس عن الصحابة الأجلاء الذين كانوا لا يقفون عند حدود وظواهر النصوص بل كانوا يحكمون بلُب وأهداف النص القرآنى، أو الحديث النبوى.
لكن أساطين أهل الدعوة ببلادنا أصيبوا بالتقليد واستسهلوه، فتراهم لا يفرقون بين التقليد والاتباع، كما لا يفرقون بين الساعة والقيامة، فلا تعجب إن رأيتهم وأساطين من يسمونهم متخصصين يتصورون بأن حلق اللحية حرام، بل منهم من يُفتى بأن تمتد تلك الحرمة إلى الحلاق الذى يُقدم على حلاقة شعر ذقن الزبون، وهم يرون فى ذلك بأنهم سلفية من الدرجة الأولى.
لكن الصحابة ـــ رضوان الله عليهم ـــ لم يكونوا كذلك، فالصحابة فهموا من قوله تعالى «قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ» آل عمران31
إن المطلوب ليس التقليد، لكن الاتباع، وشتان الفرق بين التقليد والاتباع، لذلك ترى جحافل المقلدين وقد قصروا الجلباب وأطلقوا اللحى وتختموا بخاتم زواج من فضة لأن الذهب عندهم حرام، وتنقبت نساؤهم، وقست قلوبهم، وصاروا لا يفكرون ولا يتدبرون، ويسعدون بالتقليد أيما سعادة، وتجدهم حالمين يرفرفون فى نشوة ويحلقون ــ بمشاعرهم الطيبة والساذجة ــ فى سماء شيدها لهم علماؤهم ودعاتهم، ويظنون بأنهم أتباع السلف، وأنهم من أهل الله وخاصته.
وهم بمناهجهم فى التقليد الأعمى يرتوون من شعار لا اجتهاد مع النص، ويقولون صحيح المنقول قبل صريح المعقول، مع أن أصل شريعتنا أن نجتهد ونتدبر، وهى شريعة لأولى الألباب، وآياتها لقوم يعقلون، ويتفكرون، ولأولى الألباب، لكن هيهات أن يُدركوا نكول حالهم عن إدراك معنى كلمة نص، ومعنى كلمة سُنّة، فهم يقرأون تلك الآيات التى تؤكد دور التعقل والتدبر، لكنها لا تصيب منهم بصيرة، فهم تماما كالذين قال الله عنهم:
«اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ»التوبة.31
ولنضرب لكم الأمثال.. فما أمر سيدنا رسول الله بالسواك إلا لنظافة الأسنان وصيانة نعمة الله علينا فيها، فظن أصحاب الغبار الفقهى المُقَلّد، أن السُنّة فى عود السواك، لذلك تجد أكثرهم يتسلحون به، ويستخدمونه بصورة فيها كل البعد عن قواعد النظافة بل وعن الحضارة، حتى اخترع لهم بعض الأذكياء معجون أسنان أسموه «مسواك»، لا لشىء إلا استغلالا لفرط جهل المقلدين بمقاصد الشريعة، لأنهم لا يعرفون الفرق بين الاتباع والتقليد.
فهم كأسلافهم من فقهاء الأمويين الذين فهموا من قوله تعالى مرادا غير مراد السوية، حيث قال تعالى:
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ» الحجرات6
فتصوروا بأن الله ينهانا أن نتناول خبرا من فاسق، فقاموا بتبين حال الذى أتى بالخبر، أيكون فاسقا أم صالحا، وشيدوا لذلك ما أسموه علم الرجال، الذى راحوا يطعنون فيه فى هذا وذاك ويغتابونهم، ويظنون بأنهم مهتدون، وتصوروا بأنهم ينفذون أمر الله، وراحوا يمتنعون عن خبر من يظنونه فاسقا.
بينما لم يأمرنا الله بالآية المذكورة أن نرفض خبر الفاسق ولا غير الفاسق، إنما أمرنا بالتبين حتى وإن كان من جاء بالنبأ فاسقا فسقا مشهورا، فهو التبين من حقيقة الخبر وليس التبين من المُخْبِر للخبر.
والتّبَيُن فريضة إسلامية، فهذا ما أراه صالحا ولا يتناقض مع باقى آيات كتاب الله التى حرَّمَت الغيبة والنميمة ولمز الناس وهمزهم، فهذا كاذب وذاك شيعى، وآخر كذا وكذا، ثم نقول صنعنا علم الرجال، فهل يصح أن نغتاب الناس ونذمهم ونشهر بهم إلى يوم القيامة بدعوى وزعم أننا نصنع علما، فأى علم هذا الذى تم تشييده على معصية الله، ثم بعد ذلك تجده ولم يتفق عليه أحد.
وحين قال سيدنا رسول الله [ تسعة أعشار الرزق فى التجارة] لم يكن على عهده صناعة ولا بحث علمى ولا مخترعات من تلك التى تقوى بها اقتصاديات الدول أكثر من التجارة، فهل نترك الصناعة ونعمل جميعا بالتجارة كى نكون على سُنة الملتحين، وهل نمنع إطلاق اللحى لغير المسلمين لأنها سنة المسلمين.
ولكى نفهم أكثر الفرق بين التقليد الذى يدعو إليه الدعاة، ومن يدعون السلفية، والاتباع الذى أراده الله فى كتابه، أضرب لكم هذا المثل:
هب أن معلمك لقيادة السيارات وهو جالس بجوارك أمرك عند الكيلو 33 طريق مصر إسكندرية الصحراوى بتهدئة سرعة السيارة لأنه شاهد حمارا يعبر الطريق، فالذين يقلدون تجدهم كلما مروا عند علامة الكيلو 33 يقومون بتهدئة سرعة السيارة، لأن المعلم قال هذا، بينما الذين يتبعون لن يهدئوا من سرعتها إلا إذا وجدوا خطرا، وعند أى علامة كيلو متر، وبهذا الطريق أو غيره، بما يعنى أن التقليد يكون أعمى أما الاتباع يكون بتدبر وتعقل الأهداف.
وللأسف فإن عند السلفية دعاء ركوب الدابة ينتهى بأن يتبسموا، أتدرون لماذا.. لأنه قيل فى أسفارهم بأن النبى حينما قال الدعاء تبسم بعده، فهم يتبسمون تبسم البلهاء دون أن يدرون لماذا تبسم النبى، ويظنون بأنهم يحصدون ثوابا عند الله بالتبسم.
والذين يقولون بالطب النبوى ويعالجون الناس بالحجامة والحبة السوداء ومن يعتقدون الشفاء فى أبوال الإبل، والذين يقومون بأعمال يقلدون فيها السلف، فإن أقل ما يمكن أن يوصفوا به أنهم أصابتهم علل بالإدراك ويحسبون أنهم أصحاء ويحسنون صنعا، بل الأدهى أنهم يريدون منا أن نكون مثلهم، والأَمَرّ أنهم يتصورون بأنهم على سُنَّة النبى.
فمقصد تلك الأحاديث التى تناولت أمر الحبة السوداء والحجامة وأبوال الإبل إنما كان طلب الشفاء، ولم يكن يستهدف الوسائل البدائية بذاتها، وحين تم اكتشاف البنسلين مثلا، فإنه مهما كانت ديانة من اكتشفه لكنه يكون إحدى آيات الله لشفاء البشر، لقوله تعالى: «وَإِن مِّن شَىْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ» الحجر21
فالعلم ينزل من خزائن الله على جورج أو وليام أو محمد، لذلك فالتداوى بالبنسلين مثلا يكون هو السُنّة، لأننا مأمورون أن نتبع أحسن ما أنزل إلينا من ربنا من النعم، وهو قد يكون القرآن بالنسبة للمنهج، ويكون أفضل طرق التداوى وممارسة الحياة بالنسبة للوسائل، لذلك أرى بأن من يتمسكون بالعلاج القديم إنما هم مفرطون ولا ثواب لهم، بل عليهم ذنب جذب الأمة للبدائية وللتخلف فكريا وفقهيا، وما سقطوا إلا لعدم تمييزهم بين الاتباع والتقليد.
وعلى ذلك نقول لكل الملتحين، ومن قصروا الجلباب، وأصحاب السواك، كل أولئك عليهم أن يراجعوا طريقة إدراكهم للأمور، لأنهم صنعوا أصناما وظلوا لها عاكفين، سواء أكانت أصناما من كتب، أو أربابا من الدعاة، أو طقوسا يقومون بتكرارها وهم لا يفهمون مغزاها، فكل أولئك لابد وأن يجددوا إيمانهم لأنهم عندى وعند العقلاء إنما يرتادون حانات الشرك بفقههم وتقليدهم، والله تعالى يقول: «وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ» يوسف.106
فالصنمية ليست منحصرة فى أصنام من حجارة أو عجوة، فقد تكون الأصنام كتاب البخارى أو غيره، والمشايخ يكونون أربابا وليس بالضرورة أن نعبدهم، لكن نأتمر بأوامرهم المخالفة لدلالات كتاب الله.
أما الطقوس فهى تلك الحركات والتحركات والأقوال التى نقوم بها ولا ندرك ماهيتها ولا حقيقتها ولا مغزاها ونقول بأنها عبادة نتقرب بها إلى الله، فلسنا فى جبلاية القرود، وكل من يعبد الله بالتقليد فهو قرد إلا أن كان من ذوى الاحتياجات الخاصة «المعوقين ذهنيا».
فإذا أضفنا لذلك فتاوى مشايخ التطرف من عينة مضاجعة الوداع والسماح للرجل بمضاجعة زوجته بعد وفاتها، ومنع نوم المرأة بجوار الحائط لأن الحائط مذكر وهى أنثى وقد يقع عليها فتحمل منه، وفتوى ضرورة قتل ميكى ماوس لأن النبى أمر بقتل الفئران فى الحِلْ والحرم، وجواز أكل لحم العفاريت، وحدوث الإخوة والتحريم إذا ما رضع الصغيران من جاموسة واحدة، وأن يقول أحدهم بأن وجه المرأة كفرجها، وغير ذلك من الأمراض العقلية التى تؤكد ضرورة سرعة الاستغناء عن هذا المستوى الفكرى بأكمله، حتى يحفظ المرء على نفسه عقله ودينه، ونتخلص من سطوة التشرد الفقهى والفكرى.
لذلك أرجو أن يتحرر العبيد وأن يقوم الناس بالناس ولتفهموهم تلك الأمثلة التى ذكرتها حتى يفيقوا من تلك الإغماءة التى يبثها فيهم رموزهم، لأنهم يشدون أمتنا لأسفل سافلين وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق