Translate

الأحد، 29 سبتمبر 2013

من وحي الإيمان


لكل إنسان محترم إعتباراً لنفسه وتقديراً كبيراً لقيمتها. الإنسان النبيل هو ذلك الذي لا يرضى بالإهانة ولا يخضع للغير ولا يرضى بالركوع للآخرين.
نعم.. قد نرى بعض البشر يركعون لغيرهم، وقد نرى دولاً ترضى بالإستكانة والخضوع لسيطرة دول أخرى أقوى منها بفعل عامل الخوف، لكن كرامة الإنسان إينما وجد تأبى الركوع وتأبى السجود وتأبى الخنوع إلّا أن تجبر على ذلك بفعل القوّة أو بسبب ضعف وخضوع صاحبها.

من أهم فرائض الإسلام نجد الصلاة تصنّف كثالث أهم فريضة بعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. من بين فرائض الصلاة الركوع ومن بين فرائض الصلاة السجود.... فكيف يرضى الإنسان العزيز بأن يركع وكيف يرضى بأن يسجد؟.
حينما يشهد المسلم "أن لا أله إلّا الله" فإنّه بذلك يقرّ بأنّه إعترف بهذه القوّة وخضع لها ومن ثمّ يبدأ بالركوع للرب ثم يسجد له.. فهل يتنازل الإنسان هنا عن كرامته، وهل يعتبر الإسلام إنقاصاً لقيمة الإنسان؟

للإجابة على مثل هذا السؤال علينا بالعودة إلى ثوابت ديننا والتي من أهمّها الإيمان بوجود الله وبأنّ الله هو خالق هذا الكون، ومن ثمّ فهو القوّة التي تتحكّم في كل شئ. الله هو القوّة المطلقة التي لا يوجد شبيهاً لها على الإطلاق ومن ثمّ كان إيماننا به إعترافاً منّا بعظمته وبوحدانيّته فنقرّر عن طواعية وعن رغبة وبمحض إختيارنا وإرادتنا بأن نطيعه ونخضع أنفسنا لسلطانه. فالله كان قد حدّثنا عن كنهه وعن هيئته وعن قدراته، ثم أمرنا بعد ذلك بالطاعة له لكنّه ترك لنا الإختيار في ذلك فلم يرسل لنا حرساً لفرض أوامره، بل هو أرسل لنا أوامره ونواهيه وطلب منّا الإمتثال تاركاً لنا حريّة الإختيار.
لم يجبرنا الله على عبادته ولم يفرض علينا طاعته، بل إنّه قال لنا بأنّه خلقنا وأعطانا من الخصال ما أعطانا وأشعرنا بأنّ مآلنا في نهاية المطاف سوف يكون إليه ثم ترك الإختيار بأيدينا وحسب قرارنا.
قرّر ربّنا على نفسه بأنّه سوف لن يعذّبنا في الدنيا، وأرسل لنا كلمته (وعده) بأنّه أجّل محاسبتنا ومعاقبة المخالفين منّا إلى يوم القيامة حيث نقف بين يديه ونقرّ على أنفسنا بأخطائنا ومن ثمّ يحكم الله بيننا حسب أعمالنا. الله سوف يترك لنا بأن نقرّ على أنفسنا بأخطائنا ومن ثم من يحق عليه القول منّا ينال عذابه. الله لا يعذّب ظلماً بل يعذّب كلّ منهم بما يقرّ به على نفسه وتلك هي من خصال الله الذي يرحم ولا يعذّب البشر من مخلوقاته.
قال الله تعالى في كتابه العزيز: { وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ}، وقال: {وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ}.. بمعنى أنّ الله أقرّ على نفسه بألّا يعذّب البشر في الدنيا بعد أن اكمل لهم دينهم تاركاً لهم باب التوبة مفتوحاً فعساهم أن يتوبوا قبل أن ينتهوا في دنياهم.
الله لا يعذّب البشر في الدنيا حتى يكون الإختيار بأيديهم بعيداً عن التهديد والتخويف وفي هذا كما نعرف يعتبر عدلاً من نوع فريد(ربّاني).
حينما يعرف إنسان بأنّ الله سوف لن يعذّبه في الدنيا وبأن الإختيار كل الإختيار يبقى له وحده ثم يقرّر رغم ذلك بأنّ يخضع نفسه لخالقها فيسجد له ثم يركع وهو سعيداً كريماً عزيزاً حينها يشعر بالعزّة ولا يشعر بالإمتهان... حينها يحسّ الإنسان المؤمن بأنّه إنّما هو يستصغر لخالقه ولا يخضع لمخلوق مثله.

الركوع والسجود هو إختيار من المخلوق طاعة وإحتراماً للخالق يقدم عليه الإنسان العزيز بكل رغبة وبكل إمتنان لأنّه يعرف في قراراة نفسه بأنّه لا يستكين إلّا لربّ العالمين.. وتلك هي من نواميس الإيمان الحقيقي والذي يعني في واقع الأمر "االخضوع" لكنّه خضوعاً واحداً لربّ أوحد.

من هنا إخوتي وأخواتي فإنّنا حين نتفوّه بتكبيرة الإحرام بادئين الصلاة (وهي تعني الشكر) فذلك يعني يقيناً بأنّنا مؤقّتاً كنّا قد تركنا الدنيا بمشاغلها وملذّاتها طواعية وقرّرنا الوقوف بين يدي خالقنا صاغرين له معترفين بقوّته وعظمته معلنين خضوعنا له لأنّه هو ربّنا الذي خلقنا ومن ثمّ رضينا بالركوع والسجود له عن طواعية وعن رغبة.... فهل نجعل من صلواتنا صلة قويّة بيننا وبين ربّنا حتى نحسّ بالسكينة والإطمئنان بين يديه. إن الصلاة الصادقة في الخشوع والخضوع والتفرّغ المطلق تريح الإنسان وتبعد الضيق والضجر عنه وتشعره بإرتياح عميق يهدئ مخاوفه ويقلّل من وساوسه ويزيد من ثقته بنفسه فتكون بذلك الصلاة الخشوعة علاجاً وشفاء لكثير من العلل والأمراض والنفسيّة منها على وجه الخصوص.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق