Translate

الجمعة، 28 نوفمبر 2014

نحن والعالم الغير منظور (الأشباح)

 
الواقعيّة هي أن تنظر حولك وتتعرّف على عالمك المحيط فتتعامل مع معطياته المنظورة ومعطياته المدروكة ومعطياته المحسوبة، أمّا تلك التي لا تراها ولا تستطيع أن تدركها ويمكنك عمل حسابات بشأنها حتى وإن إجتهدت فإنّها قطعاً لا تؤثر فيك إلا من خلال ضعفك وخضوعك لها.
الجِنّة والشيطاين والملائكة هي كائنات موجودة حسب إيماننا لكنّنا لا نراها ولا نلمسها ولا ندركها ولا تستطيع هي أن تلمسنا أو تؤذينا أو تؤثّر فينا إلا من خلال إذعاننا لها وسماحنا لها كي تؤثّر فينا، وذلك الإذعان حتماً سوف لن يكون أكثر من عمليّة نفسيّة تختلف من شخص لآخر بمقدار الإعتداد بالنفس والثقة في القدرات والمقدرة على التحدّي والثبات... تتعلّق وتتأثّر عكسيّاً بمقدار الثقة بالنفس.
توجد الكثير من القصص في القرآن عن الجن والملائكة وعن الشيطان، لكنّها من وجهة نظري كانت مجرّد قصصاً تبيّن لنا بكل وضوح بأن تلك المخلوقات هي فعليّاً تشاركنا هذا العالم حتى ون كنّا لا نراها، لكنّها لا تستطيع أن تؤثّر فينا إلا بمقدار قبولنا نحن لها بأن تؤثّر فينا.
أنا أعرف بأن الإنسان هو عبارة عن روح وجسد، وبأن الروح هي من عند ربّنا وبأنّنا لا نعرف عن كنهها الكثير، ومن هنا فأنا لا أضيّع وقتي في البحث عن كنهها أو طبيعتها أكثر من إيماني بأنّها موجودة. الروح هي جزء من الله نفثه في جسد كل منّا وبذلك بعث فيه الحياة، وسوف يبقى كل منّا يعيش بتلك الروح إلى أن يدعوها مرسلها كي تعود إليه فيبقى جسد كلّ منّا عبارة عن كتلة لها وزن ولكن لا حياة فيها، ولا توجد لديّ مشكلة في فهم هذه الأليّة والإيمان بها لأنّني درست جسم الإنسان وتعرّفت على الكثير من أسراره وتريبته ووظائفه بما في ذلك جوانب الموت والحياة.

بالنسبة للشيطان، أنا أراه ليس أكثر من ذلك الجانب السيئ في تركيبة كل شخص منّا، ومقدار تحكّمنا في ذلك الجانب السيئ من تركيبتنا يعني بمفاهيم أخرى مقدرتنا على قهر الشيطان، وقطعاً بإمكاننا قهره إن نحن رأيناه ليس أكثر من ذلك ، وأنا على يقين بأنّه ليس أكثر من ذلك. أمّا أولئك الذين يصوّرون لنا الشيطان على أنّه بعبعاً يقف أمامنا حيث مشينا ويتربّص بنا حيث إنتهينا ويحاول أن يسيطر علينا حيث توجّهنا فأقول لهم إنّكم "واهمون". 
إن الشيطان هو ليس أكثر من تلك النفس الأمّارة بالسوء وهي موجودة في داخلنا وتنتقل معنا حيث توجّهنا وحيث إنتهينا، ومقدرتنا على قهر شهواتنا والسيطرة على رغباتنا والتحكّم في تصرفاتنا هي العوامل التي تغلّب الجانب الحسن في تركيبتنا على الجانب الردئ الذي من وجهة نظري هو الشيطان بعينه. لا يوجد شيطان يمسك بيدك ويقودك إلى إرتكاب المعاصي أكثر من شيطان نفسك وخضوعك أنت لذلك الشيطان وهو الجانب الردئ في تركيبتك.

أمّا الجن، فهو من وجهة نظري عبارة عن مخلوق غير مرئي وغير مدروك وغير محسوس إقتنعنا بوجوده لذكره في القرآن ليس إلاّ، لكنّه بالنسبة لي لا يوجد له مكاناً في حياتي ولا في تفكيري ولا حتّى خيالي. أنا بصدق وعن يقين لا أخاف الجنّة ولا أخشاها ولا أفكّر في شأنها ولا تهمّني في شئ، فهي مخلوقات ليست منّا ولا وجود لها في مدركاتنا، ومن ثمّ فهي لا تستطيع أن تؤثّر فينا أو تؤذينا بأية طريقة إلاّ أن نكون نحن جاهزون للقبول بها تعبث بعقولنا وتشوّش على تفكيرنا من نافذة قبولنا بمقدرتها على إيذائنا ولو كان ذلك عبر من "يسخّرونها" بهدف محاولة إيذائنا. 
إن الذين يقولون بأنّهم يتعاملون مع الجنّة أو أنّهم يقدرون على تسخيرها أو أنّهم يستطيعون ان يسلّطوها علينا من خلال السحر أو الخزعبلات أو الكتاتيب فإنّهم إنما هم كاذبون ومنافقون وأفّاكون، وكل من يصدّق بأنّهم يستطيعون تسخير الجن ودفعه إلى إيذائنا إنّما هم واهمون تسيّرهم مخاوف أنفسهم ولا يعطون فرصة لعقولهم كي تسعفهم ببعض من قدراتها.
لا يستطيع أحد أن يسحرك أو يؤثّر عليك إلاّ أن تكون أنت جاهزاً للقبول بذلك، وبذلك فإن الأثر سوف يكون "نفسانيّاً" فقط وتلك هي مصيبتك أنت ولا علاقة لها بالساحر أو مسخّر الجن أو ضارب الودع أو قارئ البخت أن ناظر الطالع أم المسبّب أو طارد الشياطين والسحرة أو قاهر الدجّالين والمتعاملين مع الجنّة والشياطين. كل أولئك المشعوذين هم ليسوا أكثر من مجموعة من الجهلة المفلسين الذين يضحكون على الضعاف من البشر قليعبون بمشاعرهم ويربكوا تفكيرهم كما يفعل الرعب وكما تفعل المخاوف وكما يؤثّر الهوس في الإنسان. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق