Translate

الأحد، 18 يناير 2015

الوطن باق وأنتم كلّكم ذاهبون

 أنا وبكل صدق مازلت لم أتمكّن من هضم أن تخرج مجموعة من الليبيّين في وضح النهار وتقوم بإشعال فتيل حرب هي نفسها تعرف بأن عواقبها وخيمة.
مهما كانت شدّة الأطماع، ومهما كانت وهميّة الأحلام، ومهما تعمقّت في النفوس النرجسيّة؛ إلاّ أن فهمها أو إيجاد تفسيراً لها مازال صعباً عليّ تصوّره.
كيف يصل التبلّد ببعضنا كليبيّين لأن نقدم على تدمير كل شئ في بلادنا ونحن نرى ونسمع ونعي ونملك المقدرة على قول كلمة "لا"؟. أعتقد بأنّها كارثة ألمّت بنا ولا أظن بأنّ بلادنا كانت قد شهدت مثيلات لها في كل تاريخها منذ أن أصبحت تسمّى ليبيا.

ذهبت يوم الأمس لإلقاء محاضرة في جامعة وورك أمام تجمّع بحثي يتألّف من آساتذة من إمبريال كولج واليوسي إل من لندن، ومن جامعة وورك مع 12 من المرضى قمت بإختيارهم من بين مرضاي كعينات بحثية لمشروع مستقبلي يقصد منه التجهيز لدراسة متعمّقة يقوم بها أخصائيّون في الأمراض النفسيّة بهدف تقديم خدمات أفضل لأمثال هؤلاء المرضى لإضفاء شيئاً من السعادة على حياتهم تضاف إلى ما يتحصّلون عليه من خدمات حاليّة وهي راقية جداً.
لقد هالني الكثير مما رأيت في طريقي إلى الجامععة وفي داخلها وفي داخل القاعة نفسها حيث أحسستني كل تلك الملاحظات بالمزيد من الألم والحسرة على بلدي العزيزة ليبيا. كنت في كل لحظة أشهد فيها عملاً جيّداً من أجل بريطانيا أحس بالإنقباض وبالمرارة لآنّهم يبنون بلدهم ولآنّنا نحن "ندمّر" بلدنا..... لماذا؟.
كنت زرت جامعة وورك منذ ثلاثة أشهر فقط، وما لاحظته هذه المرّة هو بناء وتعمير في كل مكان في داخل الجامعة. مبان عالية جداً تمخر عباب السماء وكلّها من الزجاج الفاخر، مركز جديد مازال تحت التشييد لدراسات "إدارة الأعمال" التي تشتهر جامعة وورك عالميّاً بها وذلك بتقديم شهادة MBA التي لها صيتها في العديد من دول العالم بما فيها الولايات المتحدة الأمريكيّة.
طريقة الإستقبال والحفاوة البالغة، طريقة تعاملهم مع المرضى المتطوعين لهذه الدراسة التمهيديّة، إيواء المرضى في غرف فندقية راقية على طراز الخمس نجوم في داخل "رادكليف كونفيرانس سنتر" تتوفّر فيها جميع التسهيلات وعوامل الترفيه. إحتسابهم للمرضى كضيوف مبجّلين ومقدار الإحترام المبالغ فيه لكلّ مريض متطوّع بذلك الشكل الذي يشعرك بالبكاء حينما ترى أهلنا في ليبيا وهم يفتقدون إلى أبسط مقوّمات الحياة من ماء وكهرباء وغاز وأكل وأمن وإحترام وتقدير.... تحسّ بأنّنا هناك في عالمنا المتخلّف نعيش بصدق في كوكب آخر ليس هو جزء من هذا العالم.

لماذا يا سادتي.... لماذا نحن هكذا؟. هل نمتلك نحن عقولاً نفكّر بها؟. هل توجد لدينا قيماً إنسانية على الإطلاق؟. هل توجد لدينا مقدرة على التفكير السليم؟.

أعتقد بأنّنا في حاجة ماسّة لأن نعيد كل حساباتنا في كل شئ في حياتنا، وأن يجلس كل منّا مع نفسه يحدّثها عالياً ويستمع إليها بكل إصغاء.... فلعلّ المصالحة مع النفس هي كل ما ينقصنا، ولعل أوّل خطوة للتصالح بيننا تبدأ في داخلنا ومع أنفسنا وليس في جنيف ومع غيرنا.    

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق