Translate

الجمعة، 24 يوليو 2015

نحن لسنا ذئاب وهنّ لسن نعاج

 ظهر هذا اليوم خرجت من قسم الأعصاب متوجّهاً إلى الجامع لحضور صلاة الجمعة، وفي طريقي إلى هناك إستقلّيت المصعد مع أن الكثير من زملائي يعيبون عليّ إستخدام المصعد بدل النزول عبر الدرج !. بالطبع هم يستخدمون الدرج في النزول ولا يستخدمونها في الصعود وأنا هنا أتحدّث عن الطابق الرابع !. أنا دائماّ أرد عليهم بالقول: المصعد هو نتاج عصارة مخ الإنسان وعلينا تقدير مجهودات البشر بالإقبال على إستخدام بضاعتهم، وعندما يكون بجانبك حصان فليس من الذكاء أن تمشي على رجليك !.

المهم، وبعيداً عن الفلسفة والتفلسف.... أخذت المصعد في طريقي إلى الوقوف بين يدي الله ووجدت بداخله شابّة رقيقة وأنيقة ومعها رجلين قمّة في التأدّب والأخلاق.
بدخولي أنا إلى المصعد أصبح بداخله ثلاثة رجال وإمرأة، وهنا نظرت إلى الشابّة النظرة المسموح بها، ونظرت إلى الرجلين نظرة تدبّر وعدت بناظريّ إلى داخل عقلي ففتحت معه حواراً إستمر حتى تركي المصعد وشروعي في المشي عبر الممر الطويل الذي يؤدّي إلى جامع المستشفى (أنظروا إلى العلمانييّن الذين من فرط "كفرهم" إحترموا المسلمين العاملين بالمستشفى وفتحوا لهم مسجداً وعيّنوا لهم إماماً من بينهم ودفعوا أجره الشهري !)... المهم، أنّ الحوار بيني وبين دماغي إستمر حتى إقتربت من الجامع فأوقفته بدون الوصول إلى نتيجة !.
نقطة الحوار الجوهريّة كانت حول تلك الشابّة وذلكما الشابين وأنا رابعهم. كانت الشابة غير مصحوبة بمحرم، وكانت لا ترتدي حجاباً ولا نقاباً ولا برقعاً، وبكل يقين لم تكن "متبرّجة"؛ وإنّما هي كانت ترتدي ملابس عصريّة محترمة وكانت تحترم نفسها.
المهم في الأمر أنّه برغم وجودها في مصعد بدون محرم ومع ثلاثة من الذكور الغير محرمين عليها لم يمسسها أذى ولم يعتد عليها أي من الذكور، ولم يصبها أذى، وقياساً بنفسي لم يكن أحد منا الثلاثة يفكّر في أبعد من رحلته في المصعد حتى مبتغاه ومقصده.
هنا قلت في نفسي: ما الفرق بيننا كبشر والحيوانات؟. وأجبت: إنّها الإرادة، وكبح الجماح، والقدرة على التحكّم في الغرائز، والتفكير بقعولنا وبإنسانيّتنا بدل التفكير بأصلابنا وشهواتنا.
هنا أيضاً تمادى بي تفكيري لينقلني من مملكة الإنسان إلى مملكة الحيوان، وتخيلت أمامي مشهد "عنزة" و"تيس" في مصعد وماذا كان سيحدث بينهما؟.
ألسنا نحن بشر لنا القدرة على التحكّم في غرائزنا وشهواتنا، وألسنا نحن بشر نحسّ ونتألّم ونقدّر آحاسيس الغير ونحترم حرمة غيرنا ونتعالى بأخلاقنا وقيمنا كبشر بعيداً - عن الدين - عن إيذاء الغير أو التعدّي على حرماتهم؟. ألسنا نحن البشر من يملك المقدرة على قول "لا" عندما نريد أن نقول "لا"؟. 
وإنتقل بي تفكيري إليها... أليست هي إنسانة كما نحن أناس، وأليست هي أيضاً لها إرادة كما أنّنا لنا إرادة، وأليست هي من يستطيع أن يقول "لا" إن هي لا تريد ما قد يريده منها الرجل؟. أليست هي إنسانة بإرادة وبمقدرة وبإحترام لنفسها ولكيانها ولكينونتها كإمراءة وكإنسانة؟. لماذا لا يفكّر شيوخ ديننا في المرأة غير أنّها "دمية" متحرّكة لا حول لها ولا إرادة، وإذا رغبها الرجل فإنّها تستجيب مثل العنزة؟. لماذا هم شيوخ ديننا ينظرون إلى المرأة على أنّها "صيد ثمين" في كل مرّة يمر بجانبها رجل أو يركب معها في مصعد واحد، أو يمشي بجانبها في طريق، أو تركب معه في طائرة مسافرة وهي بدون "محرم" يراقبها ويمنعها من أن تتحوّل إلى غنيمة سهلة للرجل الذي بمجرّد إقترابه منها لا يفكّر في شئ على الإطلاق إلّا أن يوقعها في شراكه؟. لماذا ينظر إلينا شيوخ الدين على أنّنا مثل الحيوانات بدون إرادة وبدون نخوة وبدون قيم وبدون أخلاق؟. 
أفيقوا يا شيوخ الأفق الضيّقة من سباتكم وأخرجوا من عزلتكم إلى العالم الذي يحيط بكم وأنظروا إلى غيركم من البشر الذين إرتقوا بأخلاقهم وبقيمهم وبأولوياتهم في الحياة التي تتجاوز ملذاتهم وشهواتهم إلى عقولهم وأفكارهم وطموحاتهم.
الحياة ملوّنة يا سادتي وبكل تأكيد فيها من التنويعات ما يتجاوز "الجنس" و"الوقيعة" والبحث عن إشباع الغرائز والإنصياع وراء إيعازات الشبق وعقلية "الغنيمة". الحياة ملوّنة يا سادتي، وبألوانها تجعلنا نرتقي بتفكيرنا ونرتفع بأخلاقنا إلى مستويات تجعل الرجل فينا ينظر إلى المرأة على أنّها أخته وزميلته وشريكته في الحياة بكامل حقوقها كإنسانة لها رغبات ولها إختيارات..... ولها المقدرة على حماية "حرماتها" وهي تعرف بأن القانون يحميها وبأن قيم البشر من حولها تجعلها تحسّ بأنّها في أمان على نفسها وعلى خصوصياتها، وبأنّها بالفعل تعرف كي تحمي نفسها من الأذى.
 فلماذا ننصّب - نحن الرجال - من أنفسنا ولاة لأمرها ووكلاء على إختياراتها، وأكثر حرصاً منها على خصوصياتها، وأعرف منها على ضوابطها وكوابحها وأخلاقيّاتها؟.  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق