Translate

الأربعاء، 28 أكتوبر 2015

البديل هو الإنفصال

عندما تستمع إلى قنوات كل طرف التلفزيونيّة في ليبيا (البرلمان والمؤتمر) تشعر وكأنّك في بلدين منفصلين، فكل يغنّي على ليلاه بالمعنى الحقيقي والواقعي للأشياء، وكل يعظّم جانبه ويقزّم الطرف الثاني ولا يهتم أي طرف بالشعب الليي أو ليبيا لأن الحسّ الوطني غائب.
أنا لا أستغرب بأن يكون الحس الوطني غائباً ذلك لأنّ أحداث السنوات الأربع الماضية أبانت لنا وبكل جلاء أن كل من تحدّث ونظّر وخرج على وسائل الإعلام وهو "محلّل سياسي" أو "باحث إستراتيجي" إنّما هو في واقع الأمر كان يبحث له عن مكان يمكنه من خلاله الحصول على وظيفة أو سلطة أو أي مركز يمكّنه من الإستحواذ على ما يمكن وبأية وسيلة. الذين كانوا وطنيّون وإستمرّوا وطنيّون ولم تغريهم أية سلطة أو مغانم هم وللأسف قليلين جدّاً أو أنّهم أصبحوا بعيدين عن الأضواء بسبب حياءهم ووقارهم أو بسبب إقصاء الآخرين(الطمّاعين) لهم.

الموضوع الذي وددت التعرّض إليه هذا اليوم هو... إلى أين نحن سائرون؟.
في المناطق الشرقيّة بدأت نغمة الفيدراليّة ودعوات الإنفصال هي المعزوفة الأكثر قبولاً رغم محاولات القليلون مقاومة مثل هكذا توجّه. لقد بدأت "برجة" أو برقة تتقدّم على ليبيا بشكل مخيف، حتى أنّه ربما لم يعد هناك من يتحدّث عن ليبيا في تلك المناطق. كذلك فقد بدأت الفيدراليّة تتجذّر بشكل ملفت للنظر في المناطق الشرقيّة أو "برجة" كما يفضّل أهل الشرق تسميتها. مثل هكذا ثقافة ومثل هكذا إتّجاه أرى بأنّه سوف يقودنا حثيثاً إلى الإنفصال، وعلى من يحب أن يرى ليبيا دولة موحّدة أن يكون على بيّنة من هذا الأمر.
الكل يعرف - بما في ذلك الفيدراليّون أنفسهم - بأنّ الفيدرالية كانت مرحلة مؤقّتة تم إعتمادها في البداية بعد الإستقلال بغرض الحفاظ على تماسك ليبيا الذي كان مهدّداً حينها وذلك بإرضاء كل طرف وإعطائه ما يريد. وما إن إستقرّت أوضاع البلاد وبدأت تتحوّل إلى دولة لها كيانها حتى تسارع الوطنيّون وكل من يحب ليبيا إلى توحيدها، وبالفعل حينما عرض مشروع توحيد البلاد على مجلس النوّاب من قبل النوّاب أنفسهم تم إعتماد ذلك المشروع بالإجماع وأصبحت ليبيا دولة موحّدة منذ ذلك التاريخ وإلى يومنا هذا.
لقدتم تعديل الدستور بناء على ذلك القرار الوطني الجرئ في عام 1963، ومن حينها أصبحت الفيدرالية في حكم الماضي الغير مأسوف عليه، وبدأت ثقافة الوطن الواحد تنتشر بين الناس حتى نشأت أجيالاً جديدة وهي لا تعرف برقة أو طرابلس أو فزّان كآقاليم وإنّما الناس بدأت تتحدّث عن ليبيا كبلد ومناطق ليبيا كمناطق جغرافية ليس إلّا، فأصبح الحديث عن ليبيا يتم من خلال المناطق الشرقية والمناطق الغربية والمناطق الجنوبية والمناطق الشمالية وهكذا... وكان ذلك هو المسار الصحيح لشعب يريد أن يبني دولة لها وزنها بين شعوب العالم.
الآن... ونتيجة للضياع الذي أصابنا بعد إنتصار ثورة 17 فبراير عام 2011 بسبب إستحواذ الحقراء عليها ونتيجة لعجز الليبيّين عن بناء دولة تشرذمت ليبيا من جديد ووجد الإنفصاليّون - وهم قلّة - فرصتهم للعبث بوحدة البلاد، وبدأت نغمة "برجة" تعزف على أسماعنا كل يوم وكل ساعة وكل لحظة، وبدأ إخوتنا أهالي المناطق الشرقيّة يدفعون إلى إعادة الفيدرالية لليبيا بشكل أكثر من حثيث... بشكل إصراري لم يسبق له مثيلاً.
لقد فرض أهالي المناطق الشرقية على المجلس الإنتقالي إعتماد النظام الفيدرالي القديم حينما بدأ التفكير في تأسيس لجنة الدستور، ورضخ المجلس الإنتقالي وللأسف الشديد لمطالب الفيدراليين وبالفعل قسّمت ليبيا من جديد إلى ثلاثة مناطق على نسق النظام الفيدرالي الذي ألغي رسمياً وفعلياً ودستورياً في عام 1963.
قرار المجلس الإنتقالي سيئ الذكر ذلك كان وللأسف هو البداية الفعلية لإعادة ترسيخ العقلية الفيدرالية في بلادنا إستجابة لمطالب بعض الإنفصاليين في الشرق الليبي وكان هذا القرار قد فرض على أهالي المناطق الغربية والجنوبية بدون أخذ رأيهم فيه.. أي بدون إستفتاء !.
الأن وللأسف أصبح كل شئ في ليبيا أصبح يقاس على قاعدة ذلك القرار، وبدأت العقلية التقسيميّة تعود للوجود والفعالية من جديد، وأعتقد بأن ليبيا هي متّجهة بكل قوة نحو الفيدرالية أو التقسيم وهو الأكثر إحتمالاً من الناحية الواقعية. يجب التنبيه إلى أن الفيدرالية في ليبيا في هذه الظروف الصعبة لا تعني أي شئ أكثر من الإنفصال.
بدأ أهالي المناطق الشرقية يتغنّون ببرقة، وبدأت معزوفة التهميش والحرمان تطغى من جديد في المناطق الشرقية، وبدأت المطالبات بإعتماد بنغازي عاصمة ثانية لليبيا، وبدأت الإنقسامات تكبر وتتضخّم في بلادنا في كل يوم يمر ونحن نتفرّج تاركين المجال للإنفصاليين كي يعبثوا بوحدة بلادنا وكأن الأمر لا يهمنا في شئ.
رفض مشروع الحكومة التوافقية والمماطلة التي مازال مجلس النوّاب يمارسها حتى اليوم كلها تصب في نفس المعين، وأقولها لمن لم يفهمها بعد.... إن رفض مشروع الحكومة التوافقية هو قبول بمشروع تقسيم ليبيا.
برغم كل المآخذ على طريقة تفكير السيّد ليون، وبرغم إصرار كل طرف على إستمرار الوضع كما هو عليه الآن (حكومة في الغرب وحكومة في الشرق، وبرلمان في الغرب وبرلمان في الشرق) إلّا أن القبول بحكومة التوافق يبقى هو الحل لأمثل للحفاظ على وحدة ليبيا لمن مازال يحرص على وحدة البلاد ويفكّر جدّياً في بناء دولة لها مكانتها بين دول العالم.
نظراً لعجز الجيش الليبي في حسم الأمور في بنغازي فما بالك به الحال في كل ليبيا، أصبح الإعتماد على الجيش الليبي الضعيف نوعاً من السراب أو ربّما يدخل في إطار التمنّي، ومن هنا فلم يعد لنا من خيار غير قبول حكومة التوافق والإنطلاق إلى الأمام من خلالها على أمل أن تستب الأمور ويعود الليبيون إلى رشدهم ويعود حب الوطن إلى قلوبنا من جديد، وبعدها قد تتهيأ الفرص للجيش الليبي كي يفرض سلطته على كل ليبيا وحينها بوسعنا القيام بإنتخابات جديدة وبوسعنا الإستفتاء على شكل ونظام الدولة بكل حرية وبعدها يترك المجال لكل.... كل الشعب الليبي كي يفرّر مستقبله. وهذه هي وجهة نظري المتواضعة وأنا قابل للنقاش حولها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق