كنت أصلّي الظهر في مكتبي وفجأة دخلت السكرتيرة للمكتب فوجدتني أصلّي. توقفت فوراً ثم إنسحبت بهدوء بعد أن أوصدت الباب من ورائها بكل رفق.
عادت إليّ بعد قليل لتقول لي بأنّها آسفة جدّاً لأنّها أزعجتني. قلت لها بأنّها لم تزعجني على الإطلاق، وبأنّني كنت أصلّي وقت الظهر.
هذه الحادثة ذكّرتني كيف كنّا نحن المسلمين متأدّبين ومتواضعين ونحب غيرنا ولا نكره أحداً من البشر. تذكّرني هذه الحادثة كيف كنّا زمان لبقين في التحدّث، صادقين في التعامل، طيّبين في المعشر، مسالمين في التواصل؛ وبذلك فقد كان الدين الإسلامي من أكثر الديانات إنتشاراً في العالم أجمع.
هذه الحادثة وضعت أمامي مقارنة سريعة بين حالنا اليوم وبين حالنا بالأمس الغير بعيد. ففي عالم اليوم الذي نعايش أحداثه الآن، تتصدّر جرائم داعش وبقيّة الجماعات الدينيّة المتشدّدة واجهات الأخبار اليوميّة وتلك الإنطباعات التي تتركها في عقول وآحاسيس غيرنا من البشر على الإسلام وعلى المسلمين فبدأت بصدق أخجل من نفسي حينما أقول بأنّني مسلم أوبأنّني عربي.
لقد أصبح الناس من حولنا يكرهوننا ويتوجّسون منّا فعل الشر دائماً ومهما تجاهلنا تلك الأفعال الإجراميّة فإن أصديتها الكارثيّة أصبحت تلاحقنا في كل مكان وكأنّنا نحن من يفعلها.
وعندما أعود بالذكريات إلى ذلك الماضي الغير بعيد، وأعني هنا فترة الستّينات والسبعينات حيث كان "التيّار الوطني" هو المسيطر في منطقتنا، وكيف كان الناس في بلادنا يتميّزون بالطيبة والعفّة والصدق والقناعة وحب الغير. عندها أتذكّر كيف كانت قلوبنا مملوءة بالحب والرحمة والعطف على الناس بغض النظر عن دياناتهم أو ألوانهم أو لغاتهم إنتماءاتهم.
كان العالم من حولنا يحبّنا ويحترمنا، ومن خلال تعاملنا مع بعض ومع الغير أحب الناس من حولنا ديننا وإحترموا قناعاتنا، بل إنّهم بدأوا يهتمّون بأسباب الطيبة وحسن التعامل بيننا حتى إهتدوا إلى أن دين الإسلام هو ما نقتبس منه طرق تعاملنا مع بعض ومع الغير. تعرّف غيرنا على ديننا وأحبّوه فأعتنقوه وبدأ الكثير منهم يبشّر به.
بعد وفاة جمال عبد الناصر (زعيم التيّار الوطني المعتدل بإمتياز) إنحسر التيّار الوطني وبدأ التيّار الديني المتشدّد يحل محلّه وذلك بإنعتاق الوهابيّة التكفيريّة بعد أن ظل ذلك المذهب خائفاً مذعوراً من المد الناصري في فترة الخمسينات والستّينات الذهبيّة في تاريح العرب والمسلمين، وبدأ الوهابيّون يتنفّسون الصعداء بعيد غياب "البعبع" الذين كان يخيفهم فأنطلقوا مثل الصواريخ الفتّاكة وبدأت الكراهية والعنف تدرّس في المساجد وفي دور العبادة ومن على شاشات التلفزيون ثم أخيراً عبر شبكات الإنترنت حتى أنتجوا لنا جماعات تكفيريّة حاقدة على بقية البشر، بل وحاقدة على بعضها فيما بينها نظراً لإختلاف هذه الجماعات في فهم القرآن وتفسير الدين حيث بدأت الآحاديث المنسوبة للرسول تطغى على كتاب الله في عقولهم وفي أسانيدهم وفي تفكيرهم، وبدأت أراء من يسمّون ب"العلماء" من أمثال عبد العزيز بن باز، محمد بن صالح العثيمين، محمد ناصر الدين الألباني، وأحمد تقي الدين بن تيميّة الملقّب بشيخ الإسلام، وغيرهم من أولئك الذين فتوا ونظّروا وفسّروا كما طاب لهم فبدأت جماعات القتل والذبح والتخريب والتدمير تنتشر في كل مكان في العالم الإسلامي وبإسمنا كمسلمين، بينما ظلّينا نحن الشعوب العربيّة والإسلاميّة مشدوهين ولا نعرف ماذا نفعل بعد ذلك الفراغ الكبير الذي تركه فينا رحيل زعيم التيّار الوطني في بداية السبعينات.
وبينما أنا أراجع مسيرة الأحداث في بداية الثمانينات ثم التسعينات ثم الألفية الثانية وجدت بأن ما مرّ بعالمنا العربي والإسلامي خلال العقود الثلاثة الماضية كان اكبر بكثير من كل التوقّعات ويبقى في نهاية المطاف أكبر حدث جلل في تاريخ الإنسانية الحديث هو حادث تفجيرات نيويورك في عام 2001، ومنذ ذلك التاريخ ونحن نشهد تصاعداً مروّعاً في وتيرة العنف بإسم الإسلام حتى تجاوزت الجماعات الدينيّة المتطرّفة المائة وهي في إزدياد مضطرد.
تصارعت الأفكار في رأسي حتى أفقت من سباتي على خبر الإيراني الشيخ مان هارون مؤنس وهو يحتجز ما عدده 40 بين رجال ونساء في مقهى ليندت لمدّة 16 ساعة متواصلة رافعاً علم "الدولة الإسلاميّة". بكل تأكيد قام البوليس الأسترالي في نهاية المطاف بمهاجمة المقهى وتم قتل الشيخ مان هارون مؤنس ومعه ثلاثة من الرهائن بينما تم تحرير البقيّة، وتبيّن أن عدد المخطوفين كان 17 فقط وليس 40 كما كان يظن.
شدّتني في هذا الخبر المؤسف والمؤلم نقطتين:
الأولى تعليق أحد الصحفيين الأستراليين على الخبر حينما كان في بدايته بالقول:
Two Arabic flags similar to those used by Islamic State were seen inside the Lindt Cafe in Martin Place, the City Financial Hub
والنقطة الثانية، حينما سارع الأستراليون بعيد عمليّة الخطف إلى إنشاء موقع على التويتر بعنوان illridewithyou:# بهدف التضامن مع "المسلمين" في أستراليا !!.
قلت في نفسي: هكذا نحن نعاملهم بالعنف ويقابلوننا باللطف، فالفرق بيننا وبينهم هو كالفرق بين الخير والشر... كالفرق بين الحب والكراهيّة.
عادت إليّ بعد قليل لتقول لي بأنّها آسفة جدّاً لأنّها أزعجتني. قلت لها بأنّها لم تزعجني على الإطلاق، وبأنّني كنت أصلّي وقت الظهر.
هذه الحادثة ذكّرتني كيف كنّا نحن المسلمين متأدّبين ومتواضعين ونحب غيرنا ولا نكره أحداً من البشر. تذكّرني هذه الحادثة كيف كنّا زمان لبقين في التحدّث، صادقين في التعامل، طيّبين في المعشر، مسالمين في التواصل؛ وبذلك فقد كان الدين الإسلامي من أكثر الديانات إنتشاراً في العالم أجمع.
هذه الحادثة وضعت أمامي مقارنة سريعة بين حالنا اليوم وبين حالنا بالأمس الغير بعيد. ففي عالم اليوم الذي نعايش أحداثه الآن، تتصدّر جرائم داعش وبقيّة الجماعات الدينيّة المتشدّدة واجهات الأخبار اليوميّة وتلك الإنطباعات التي تتركها في عقول وآحاسيس غيرنا من البشر على الإسلام وعلى المسلمين فبدأت بصدق أخجل من نفسي حينما أقول بأنّني مسلم أوبأنّني عربي.
لقد أصبح الناس من حولنا يكرهوننا ويتوجّسون منّا فعل الشر دائماً ومهما تجاهلنا تلك الأفعال الإجراميّة فإن أصديتها الكارثيّة أصبحت تلاحقنا في كل مكان وكأنّنا نحن من يفعلها.
وعندما أعود بالذكريات إلى ذلك الماضي الغير بعيد، وأعني هنا فترة الستّينات والسبعينات حيث كان "التيّار الوطني" هو المسيطر في منطقتنا، وكيف كان الناس في بلادنا يتميّزون بالطيبة والعفّة والصدق والقناعة وحب الغير. عندها أتذكّر كيف كانت قلوبنا مملوءة بالحب والرحمة والعطف على الناس بغض النظر عن دياناتهم أو ألوانهم أو لغاتهم إنتماءاتهم.
كان العالم من حولنا يحبّنا ويحترمنا، ومن خلال تعاملنا مع بعض ومع الغير أحب الناس من حولنا ديننا وإحترموا قناعاتنا، بل إنّهم بدأوا يهتمّون بأسباب الطيبة وحسن التعامل بيننا حتى إهتدوا إلى أن دين الإسلام هو ما نقتبس منه طرق تعاملنا مع بعض ومع الغير. تعرّف غيرنا على ديننا وأحبّوه فأعتنقوه وبدأ الكثير منهم يبشّر به.
بعد وفاة جمال عبد الناصر (زعيم التيّار الوطني المعتدل بإمتياز) إنحسر التيّار الوطني وبدأ التيّار الديني المتشدّد يحل محلّه وذلك بإنعتاق الوهابيّة التكفيريّة بعد أن ظل ذلك المذهب خائفاً مذعوراً من المد الناصري في فترة الخمسينات والستّينات الذهبيّة في تاريح العرب والمسلمين، وبدأ الوهابيّون يتنفّسون الصعداء بعيد غياب "البعبع" الذين كان يخيفهم فأنطلقوا مثل الصواريخ الفتّاكة وبدأت الكراهية والعنف تدرّس في المساجد وفي دور العبادة ومن على شاشات التلفزيون ثم أخيراً عبر شبكات الإنترنت حتى أنتجوا لنا جماعات تكفيريّة حاقدة على بقية البشر، بل وحاقدة على بعضها فيما بينها نظراً لإختلاف هذه الجماعات في فهم القرآن وتفسير الدين حيث بدأت الآحاديث المنسوبة للرسول تطغى على كتاب الله في عقولهم وفي أسانيدهم وفي تفكيرهم، وبدأت أراء من يسمّون ب"العلماء" من أمثال عبد العزيز بن باز، محمد بن صالح العثيمين، محمد ناصر الدين الألباني، وأحمد تقي الدين بن تيميّة الملقّب بشيخ الإسلام، وغيرهم من أولئك الذين فتوا ونظّروا وفسّروا كما طاب لهم فبدأت جماعات القتل والذبح والتخريب والتدمير تنتشر في كل مكان في العالم الإسلامي وبإسمنا كمسلمين، بينما ظلّينا نحن الشعوب العربيّة والإسلاميّة مشدوهين ولا نعرف ماذا نفعل بعد ذلك الفراغ الكبير الذي تركه فينا رحيل زعيم التيّار الوطني في بداية السبعينات.
وبينما أنا أراجع مسيرة الأحداث في بداية الثمانينات ثم التسعينات ثم الألفية الثانية وجدت بأن ما مرّ بعالمنا العربي والإسلامي خلال العقود الثلاثة الماضية كان اكبر بكثير من كل التوقّعات ويبقى في نهاية المطاف أكبر حدث جلل في تاريخ الإنسانية الحديث هو حادث تفجيرات نيويورك في عام 2001، ومنذ ذلك التاريخ ونحن نشهد تصاعداً مروّعاً في وتيرة العنف بإسم الإسلام حتى تجاوزت الجماعات الدينيّة المتطرّفة المائة وهي في إزدياد مضطرد.
تصارعت الأفكار في رأسي حتى أفقت من سباتي على خبر الإيراني الشيخ مان هارون مؤنس وهو يحتجز ما عدده 40 بين رجال ونساء في مقهى ليندت لمدّة 16 ساعة متواصلة رافعاً علم "الدولة الإسلاميّة". بكل تأكيد قام البوليس الأسترالي في نهاية المطاف بمهاجمة المقهى وتم قتل الشيخ مان هارون مؤنس ومعه ثلاثة من الرهائن بينما تم تحرير البقيّة، وتبيّن أن عدد المخطوفين كان 17 فقط وليس 40 كما كان يظن.
شدّتني في هذا الخبر المؤسف والمؤلم نقطتين:
الأولى تعليق أحد الصحفيين الأستراليين على الخبر حينما كان في بدايته بالقول:
Two Arabic flags similar to those used by Islamic State were seen inside the Lindt Cafe in Martin Place, the City Financial Hub
والنقطة الثانية، حينما سارع الأستراليون بعيد عمليّة الخطف إلى إنشاء موقع على التويتر بعنوان illridewithyou:# بهدف التضامن مع "المسلمين" في أستراليا !!.
قلت في نفسي: هكذا نحن نعاملهم بالعنف ويقابلوننا باللطف، فالفرق بيننا وبينهم هو كالفرق بين الخير والشر... كالفرق بين الحب والكراهيّة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق