تقول الأنباء بأن المدعو أبو محمّد الجولاني الملقّب ب"الفاتح" وهو أمير جبهة النصرة في سوريا قد تم قتله في إحدى ضواحي اللاذقيّة في اليومين الماضيين بينما كان يقود إحدى المعارك ضد قوّات الرئيس بشّار الأسد.
التعليق
جبهة النصرة في سوريا هي عبارة عن تنظيم للمتشدّدين الذين يحملون أفكار وعقيدة تنظيم القاعدة التكفيريّة وتعود جذور هؤلاء المتشدّدين إلى المذهب السلفي (الوهابي) فرع "السلفيّة الجهاديّة".
أتباع تنظيم جبهة النصرة في سوريا يعتبر أغلبهم من العائدين من أفغانستان بالإضافة إلى بعض الأفراد الآخرين الذين إنضمّوا إليهم من الدول المجاورة بما في ذلك دول شمال أفريقيا مثل تونس وليبيا والجزائر والمغرب.
مقاتلوا جبهة النصرة يقولون بأنّهم تخلّوا عن السيارات الفارهة وركبوا الخيول لمقتلة جيش النظام
حينما ثار الشعب السوري على نظام بشّار الأسد الديكتاتوري كانت ثورة السوريّين والسوريّات في بدايتها ثورة شعبيّة عفويّة وكان الشباب هم عمادها ومحرّكها، لكنّها سرعان ما تحوّلت إلى حركة عنفوانيّة مسلّحة حينما إنظمّت إليها الجماعات الإسلاميّة المتشدّدة والتي كان على رأسها تنظيم جبهة النصرة الذي يتبع تنظيم الفاعدة والذي ينادي بإقامة "دولة الخلافة الإسلاميّة في سوريا والعراف.
في البداية أبلى أتباع جبهة النصرة بلاء حسناً وبالفعل كان لهم معارك قويّة وحاسمة مع قوّات النظام السوري، ولكن مع مرور الوقت بدأ الخلاف يدب بين أُمراء تنظيم القاعدة في «سوريا الكبرى» وبدأ الشقاق بينهم في داخل جبهة النصرة وبين "جبهة النصرة" وتنطيم "دولة العراق الإسلاميّة" يزداد إحتداماً، حتى وصل الأمر إلى حد الطلاق بين أمير «دولة العراق الإسلامية» أبو بكر الحسيني القرشي البغدادي وأمير «جبهة النصرة لأهل الشام» أبو محمد الجولاني؛ مما إستدعى زعيم تنظيم القاعدة أنور الظواهري للتدخّل المباشر بهدف تخفيف الإحتقان بين المتقاتلين لكنّ جهوده لم تصل إلى نتيجة مرضية.
كانت محاولات إحتواء الخلاف بين قادة جبهة النصرة تركّز على «حصره بالقادة من دون تسرّبه إلى الإعلام والعسكر»، حيث أن جبهة القتال في سوريا بدأت تشهد إنشقاقات عدد كبير من «المجاهدين» وإنضمامهم إلى صفوف فرع القاعدة الوليد المسمّى بـ«الدولة الإسلامية في العراق والشام»، تحت راية الشيخ البغدادي. كما بدأ يسري بين المجموعات الجهادية خلاف شرعي حيال «خطيئة» مخالفة ولي الأمر التي إرتكبها الشيخ الجولاني برفضه النزول عند رغبة أميره، مقابل من يعتبرون أن البغدادي إرتكب خطأً بإعلانه الإندماج من دون إستشارة قيادة «القاعدة»، كون سوريا «ولاية مكانية» لـ«جبهة النصرة» ويرأسها الجولاني، في حين يقتصر حكم البغدادي على العراق؛ علماً بأن الخلاف بين الجهتين كان مردّه رفض "الجولاني" عرض "البغدادي" بالعمل على دمج الجماعتين تحت مسمّى واحد، وإصرار الأخير على الدمج ما إستدعى تدخّل زعيم «تنظيم القاعدة» الدكتور أيمن الظواهري للفصل في الخلاف بينهما، فإقترح إبقاء القديم على قدمه حتى >>>> يُقضى الأمر بشأن النزاع المستجد<<<< وأعتقد بأن في هذا رسالة قويّة للمعارضة السوريّة الشريفة والبعيدة عن تسييس الدين لكي تستعد لما هو أكبر وأخطر من مجرّد تغيير نظام الحكم في سوريا رغم صعوبة هذا لمسعى من حيث الأساس.
الجماعات الدينيّة التي تقاتل الآن في سوريّا وفي وجود عدوّ واحد من المفترض بأنّها - في الوقت الحاضر على الأقل - يجب أن تتوحّد من أجل هدف واحد وهو القضاء على نظام الأسد الديكتاتوري، وهذا ما حدث في ليبيا إبّان فترة الصراع مع نظام الطاغية معمّر القذّافي حيث كانت جميع الجبهات في ليبيا موحّدة بالكامل بهدف إسقاط ذلك النظام وبالفعل نجحت تلك الجهود لأنّها كانت موحّدة. الجماعات الدينيّة في سوريا وجدت نفسها تتقاتل من أجل أشياء غير واضحة ومن أجل غايات غير مفهومة بدل التركيز على إسقاط نظام الأسد، وقديرجع هذا إلى جوهر التفكير عند هذه الجماعات وهو ذلك المنهج "التكفيري" الذي لا يقبل رأي الآخر على الإطلاق... ومن هنا تسمّى الجماعات الدينية بالمتشدّدة أو المغالاة في التفكير والإعتقاد.
الذي يحدث في دهاليز المعارضة السوريّة الآن يعكس العلاقة المتأزّمة بين الوطنيّين "التحرّريين" الحقيقيّين وبين غلاة الدين والمتشدّدين فيه والذين لا همّ لهم غير إحكام سيطرتهم على العباد بهدف فرض طريقة تفكيرهم ومعتقداتهم المتكلّسة على الناس وبأية وسيلة بما في ذلك إستخدام سلاح القوّة والترهيب ولو أدّى ذلك إلى اللجوء إلى القتل والإغتيالات والغدر كما يحدث الآن في ليبيا بعد سقوط ما كان يوحّد المقاتلين وإنتهاء نظام حكمه.
"المجاهدون" في جبهة النصرة والتفكير في إنشاء دولة الخلافة الإسلامية في كل سوريا بعد القضاء على نظام حكم بشّار الأسد
النهج التكفيري للجماعات الدينيّة المتشددة بمختلف تسمياتها يتعارض كليّة مع أسس الدولة العصريّة المتمدّنة والتي ترتكز على مبدأ التشارك في الحكم وإحترام رأي وتفكير الآخرين من أبناء وبنات الوطن، ومن هنا فإنّه يستحيل على هذه الجماعات بتفكيرها الحالي أن تؤسّس لبناء دولة مستقرّة ومعتبرة. هذه الجماعات سوف تستمر في الإختلاف فيما بينها، وسوف تستمر في التناحر والتقاتل لآنّ عنصر التفكير عندهم يتبنّى نظريّة "فرض الرأي" في غياب أي نوع من المرونة أو الإعتراف بحق الغير في التفكير وهذه في حد ذاتها تعتبر مصيبة وكارثة كبرى على هذه الجماعات - التي بدون علمها تسعى إلى "التحلّل الذاتي" من خلال غرابة تفكيرها وإستهجان الناس لأساليبها الزمنيّة التي ترفض التحديث وتكفر بالحداثة - أن تعمل على التخلّص منها إن كانت بالفعل تسعى للبقاء والإندماج في المجتمعات التي تعيش بها. على هذه الجماعات - بما فيها أنصار الشريعة في ليبيا والجماعة الليبيّة المقاتلة - أن تستشعر الحاضر وتعمل على فهم أجنداته وحيثيّاته حتى تستيع التعايش معه وإلّا فإنّها والله سوف تنتهي وتتبخّر بقوّة وإرادة الناس.... عموم الناس ومعهم عوامل التغيير الطبيعيّة التي تعتبر بعض من سنّة الخلق ومشيئة الخالق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق