Translate

الجمعة، 15 أغسطس 2014

وأخيراً عرفت لماذا نحن متخلّفون

 ذهبت هذا اليوم لصلاة الجمعة في مسجد ليس بالبعيد وحدث بأنّني جلست في مكان كان شاغراً وبدأت أنتظر خطبة الجمعة كغيري من البشر الذين كانوا هناك.
بدأ الشيخ بعد المقدّمة المعهودة بالحديث عن الدنيا الزائلة، وبأن وجودنا فيها هو فقط للعبور إلى الآخرة، وبأنّه يتوجّب علينا كمسلمين بأن ننسى الدنيا وملذّاتها الزائلة وبأن نسعى للآخرة ينتظر كل منّا دنو أجله بشغف حتى يسعد بحياة النعيم الأخرويّة.
وواصل الشيخ قائلاُ: وصيّة لك من النبي صلى الله عليه وسلم، تحملها ثنايا هذه العبارة الموجزة الجامعة من جوامع الكلم التي أوتيها نبيّك محمد صلى الله عليه وسلم، قال ابن عمر: أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بمنكبي وقال: (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل). بعد ذلك عرج على كلام قال بأن علي بن أبي طالب كان قد قاله: [إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة، وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة، ولكل منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل]، ثم أتانا بعد ذلك بكلام نسبه إلى الحسن بن علي حيث قاله لأصحابه: [المؤمن في الدنيا كالغريب لا يجزع من ذلها، ولا ينافس في عزها، لها شأن وللناس شأن]، ثم بعد ذلك بدأ الشيخ يتحدّث عن الموت وكيف أنّها ما يجب أن ينتظره كل مسلم، وكيف أنّها نهاية التعاسة الدنيويّة وبداية السعادة الأخروية، وتحدّث عن ظلام الدنيا ووهج القبر لمن عمل عملاّ صالحاً، وأطال كثيراً وهو يتحدّث عن الموت حتى أنّني "كرهت الحياة"، إذا كانت الحياة هي كما يتصوّرها هذا الشيخ.

كان عدد الحضور لا يقل عن 600 مصلّي حيث كان المسجد برغم التوسيعة الأخيرة مكتضّاً بهم حتى أنّك لا تجد مكاناً تجلس فيه. فبعد إنتهاء الخطبة الثانية والإبتهال إلى الله بأن ينصر المسلمين ويحرّر لنا فلسطين ويخفّف عناء الإحتراب بيننا، طلب الشيخ من المصلّين التراصّ حتى لا يترك أي من المصلّين مكاناً قد ينفذ منه "الشيطان"، وبعدها طلب الإمام من المصلّين بأن يستقيموا ويستووا فالله لا ينظر إلى الصف الأعوج، وهنا طلب منّي الواقف على يميني بأن أتقدّم إلى الأمام قليلاً فتجاهلته، ثم طلب مني ثانية بأن أتقدّم إلى الأمام فتجاهلته، وحينما طلب مني التحرّك إلى الأمام للمرة الثالثة نظرت إليه منبّهاً إيّاه بأنني أنا أقف على الخط المستقيم الذي كان تحتنا على البساط المرسومة عليه سجّادات وكنت أنا بصدق واقفاً على ذلك الخط وهو من تقدّم إلى الأمام متجاهلاً ذلك الخط وأرادني أن أعمل مثل ما عمل... قلت له بعد ذلك: أنا مستريح هكذا فبدأ عليه وكأنّه غضب منّي، فكبّر وبدأ يصلّي !.

إذا كانت الحياة الدنيا هي هكذا عابرة ولا قيمة لها فلماذا إذاً يتكالب شيوخ الدين عندنا على السلطة والمال ولماذا يتقاتل المسلمون في كل بلاد العالم الإسلامي اليوم على فرض أجنداتهم علينا، ولماذا هم يعملون على قتلنا بهدف إخضاعنا لسلطانهم؟. إذا كانت هذه الدنيا زائلة ولا قيمة لها فلماذا هم يركبون السيّارت الفاخرة ولماذا هم يقتنون آخر صيحات الموبايل فون ولماذا هم يتعطّرون بآخر إنتاجات مصانع العطور الباريسية، ولماذا هم يفضّلون ركوب الدرجة الأولى في الطائرات حينما يسافرون، ولماذا هم يبحثون عن أشهر الأطباء لمعالجة نسائهم، وأحسن الكليّات لتعليم أبنائهم، ولماذا هم مشغوفون بهذه الدنيا إذا كانت هي بالفعل زائلة؟.

ذكّرني كلام الشيخ هذا اليوم بكلام شيخ آخر منذ إسبوعين حينما كان هو بدوره يلعن الدنيا ويعتبر أنّ الدنيا خلقت لنا، وأنّنا نحن خلقنا للآخرة. أتى ذلك الشيخ بحديث نسبه للرسول رواه على ما يبدو عن الترمذي، وكان نص ذلك الحديث:{الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالماً ومتعلماً }، وأتى بعد ذلك بحديث آخر نسبه للرسول وبرواية الترمذي أيضاً: { لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء}.

هل يعني هذا بأنّنا كمسلمين ننسى هذه الدنيا ونتركها "للكفرة" كي ينعموا بها ونعيش نحن فقط مترقّبين الموت حتى نعبر إلى الآخرة بسرعة وبدون مكابدة عناء الإنتظار؟.
هل ربّما هذا هو السبب بأنّنا نحن لا نخترع ولا نبتكر ولا نطوّر ولا ننتج حتى أكلنا وشربنا، ولا نستطيع صناعة ملابسنا؟. هل ربّما هذا هو السبب في أنّك أينما تنظر في بلاد المسلمين إلاّ وترى المسلمين وهم متخلّفون وجائعون ويعاني أغلبهم من الفقر والفاقه والجهل والتخلّف؟. هل هذا ربما هو السببب في أنّك حينما تنظر إلى بلاد الإسلام ترى المسلمين فيها وهم يتقاتلون ويتحاربون ويدمّر القادر منهم ما يملكه الأضعف؟. هل يعتبر ذلك بسبب الرغبة في إنهاء هذه الدنيا الزائلة والعبور بأسرع ما يمكن للآخرة دار النعيم الأبدي؟..... لا أدري، كنّني ربما عرفت الآن لماذا يتقاتل المسلمون في كل العالم الإسلامي؟. إنّهم يريدون إستعجال الآخرة.. فطوبى لهم !.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق