أنا أرى بأن من أهم أسباب المشاكل في ليبيا هو غياب شخصيّة وطنية بوزن ثقيل تكون في موضع "رئيس الدولة" الذي يجمع جماهير الشعب ورائه ويوحّد مواقف الدول بخصوص ليبيا.
كان الخوف من "الطغيان" ومآثر الطاغية معمر القذّافي هو ما أدّى بالمجلس الإنتقالي إلى إلغاء منصب رئيس الدولة أو عدم الإشارة إليه أثناء صياغة "الإعلان الدستوري". ذلك القرار يعتبر خطأ إستراتيجيّاً، وأحس الآن بأنّه هو ما أوصلنا إلى الوضع المتأزّم الذي تعيشه بلادنا الآن.
بكل تأكيد، لا يمكن لوم المجلس الإنتقالي لوحده على هذا "الخطأ" وإنّما يتوجّب علينا كليبيّين وليبيّات أن نلوم أنفسنا عليه أيضاً لأنّنا ساهمنا في إستمرار غيابه طيلة الأربع سنوات الماضية.
الرئيس اليمني عبد ربّه منصور هادي الفضلي رغم كل المآخذ التي يمكن لومه عليها، إلاّ أنّه يبقى الرمز والمرجع والشخصيّة الإعتباريّة في اليمن الذي يعاني الآن أوضاعاً شبيهة - مع أنّها أقل ضراوة - بما نعاني منه في ليبيا.
اليمن تمّت السيطرة على عاصمته والمناطق المحيطة بها من قبل جهة إنقلابيّة وهي جماعة الحوثي، وهذه الجماعة لا تمثّل الشعب اليمني في شئ ولا تحمل أية صفة قانونيّة أو أي نوع من التفويض الشعبي، وليبيا هي بدورها كانت قد عانت من نفس الأوضاع مغ أنّها في ليبيا بكل المعايير والمقاييس كانت أكثر ضراوة وأشد خطورة.
في ليبيا قامت المليشيات المسلّحة في هيئة "فجر ليبيا" و"القسورة" وأخيراً "الشروق" بالسيطرة على العاصمة والمناطق المجاورة لها وأعلنت هي بدورها عن تأسيس مجلس تشريعي وحكومة تتبعه في غياب التفويض الشعبي وتعتبر هذه المليشيات مماثلة تماماً لمليشيات الحوثي، وقد يكون الفرق الوحيد بينهما هو غياب "العنف التدميري" عند جماعة الحوثي التي لم يعرف عنها بأنّها دمّرت مطارات أو حرقت خزّانات النفط أو إعتدت على موانئ تصدير النفط. أمّا فيما عدا ذلك فالطرفان يتشابهان تماماً ولا يحتلفان إلا في المكان والتوقيت.
اليمن رغم كل شئ مازال يوجد بها "الرمز" والذي يتمثّل في شخص السيّد عبد ربّه منصور الذي إستطاع الهروب من المحاصرة إلى عدن، ومن هناك فإنّه سوف يؤسّس كيانات سيادية للدولة اليمنية ولو كانت مؤقّته، ومن خلال تلك المؤسّسات فسوف يتواصل معه العالم وبها فقط سوف يتعافى اليمن وسوف تعود دولة السيّد عبد ربّه منصور هادي منتصرة إلى صنعاء وسوف تعاد إلى اليمن وحدته.
نحن في ليبيا وللأسف لم نتمكّن من الإتفاق على شخصيّة وطنيّة تجمعنا حولها، وبذلك فقد إحتار العالم من حولنا في موضوع التواصل، وغياب "الرمز" في ليبيا هو ما سوف يضيّع ليبيا وقد يؤدّي إلى تقسيمها وربّما تفكيكها كدولة.
أنا أتمنّى بأن تلملم مؤسّسات الدولة الحالية من مجلس نوّاب وحكومة نفسها وتحاول الظهور للعالم كجهة ممثّلة لكل الليبيّين والليبيّات فعساها أن تنال إهتمام دول العالم والتي سوف لن تتواجد لديها مشكلة كبرى في هذا الشأن حيث أنّ كل دول العالم تعترف بشرعيّة تلك المؤسّسات وقد تجد نفسها مضطرّة للتعامل معها من الناحية القانونيّة.
على مجلس النوّاب وكل المفكّرين والمثقّفين الليبيّين والليبيّات الذين تهمّهم ليبيا ويحرصون على إبقائها موحّدة أن يفكّروا جدّياً في آليّة معيّنة يتمكّن من خلالها الشعب من إنتخاب رئيساً للبلد يكون رمزها والمعبّر عن كل شعبها، وذلك من وجهة نظري هو الطريق - ربما الوحيد - الذي قد يخرجنا من هذا العبث وهذه الفوضي التي نعاني منها الآن. حوارات الأمم المتحدة سوف لن تجدينا نفعاً، والأمم المتحدة كانت قد تخلّت عن اليمن وهو في أوج محنته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق