Translate

الثلاثاء، 9 يونيو 2015

المسوّده الرابعه "لا تصلح بأي حال من الاحوال" ؟

رأي حول المسوّدة الرابعة للدكتور إبراهيم هبة - أستاذ في العلاقات الدوليّة والسياسات المقارنة 

في هذه المراجعه سأحاول إستعراض روح المسوّده والأسس التي بنيت عليها، فإختصاصي كأستاذ في العلاقات الدوليه والسياسات المقارنه يخوّلني لطرح وجهة النظر الأكاديميّه والمقاصد السياسيه التي يرمي إليها من قام بإعداد هذه المسوّده.
بعيدا عن التحدّث عن التفاصيل وإن كانت مهمّه، وبعيداً عن الجدل القانوني بشأن حكم المحكمه حول شرعية مجلس النواب، وبعيداً عن الحوار السطحي، وبشئ من الموضوعيه سأتطرّق بقليل من التحليل الموضوعي عن المسوّده الرابعه للحوار الليبي-الليبي؟ .
هذه المسوّده إعتمدت في الأساس علي مبدأ تقاسم الإختصاصات التشريعيه والتنفيذيه حيث أنّها أعطت لجسمين سياسيين إختصاصات التشريع بنفس الدرجه وبنفس القوّة، وهما مجلس النواب المنتخب وما سمته المسوّده مجلس الدوله ... فكلا المجلسين عليهما الاتفاق بشكل كامل على تشريع القوانين وإعطاء الثقه للحكومه ونزع الثقه وتعيين كبار الموظفين في الدوله ولا يمكن لجسم واحد الإنفراد بهذه الإختصاصات لوحده ....
قد تبدو للوهله ألاولي للقارئ الغير متخصّص أن هذه المسوّده عادلة وتلبّي طموح الليبيين وتقسّم الكعكه بشكل متوازن بين الليبيين، ولكن في الحقيقه أن هذه المسوّده فيها من السموم ما يقود الى إستمرار الصراع وإطالة أمده وتعطيل عمل الجسم التشريعي والجسم التنفيذي بشكل كامل وتعطيل عمل الدوله والرجوع الي المربّع الاول، وقد يقود الي تقسيم ليبيا؛ وهذا خطر حقيقي سوف يكون نتيجة للمحصّله النهائيه .....
في البدايه أريد أن أتحدّث عن روح المسوّده وما هي المرامي السياسيّه لمن كتب هذه المسوّده.....فهذه المسوّده تهدف الي التأطير لنظام ديمقراطية التوافق ....ولكن ماهي ديمقراطية التوافق ولماذا يسعي من كتب هذه المسوّده الي الدفع بها؟.
 ديمقراطية التوافق هي ليست أساساً ديمقراطيّاً يعتمد نظام حكم الأغلبيه بقدر ما هي نظام حكم الكوتات(الحصص)، حيث يتم تقاسم السلطه عن طريق إعطاء نسب معيّنه في المجلس التشريعي والسلطه التنفيذيه لأجسام سياسيه أو إثنيه أو حزبيه أو الي جماعات سياسيه معيّنه، وإعطاء حق الفيتو أو النقض لكل مجموعه في إتخاذ أي قرار أو تشكيل أية حكومه أو تعيين كبار الموظفين المهمّين في الدوله، وبالتالي يصبح الطريق الوحيد لإتخاذ القرارات أو إصدار التشريعات أوتعيين كبار الموظّفين هو بمثابة التصويت بالتوافق بين الكوتات وليس كما هو الحال في النظم الديموقراطيه المتعارف عليها وهو التصويت بالأغلبيّه البسيطه أو بالأغلبيّه الساحقه....
نظام ديموقراطية التوافق الذي يسعى مندوب الأمم المتحده إلى فرضه علي الليبيين سيقود الي تعطيل عمل الجسم التنفيذي والتشريعي وسيخلق تصادماً وتصارعاً بين الجسمين التشريعيين المبيّنين في المسوّده وهما مجلس النواب ومجلس الدوله، وسينعكس ذلك أيضا على عمل الحكومه التي لن تستطيع تمرير مشاريع القوانين أو العمل بسهوله لأنها بذلك سوف تكون مسئوله أمام جسمين تشريعيين مختلفين، وبالتالي ستكون النتيجه هي تعطيل عمل الحكومه والجسمين التشريعيين ولن تتقدم بذلك الحكومة ولو بخطوه واحده الي الأمام ....
نظام ديمقراطية التوافق المطروح من قبل المبعوث الدولي هو إلتفاف على إرادة الناخبين الليبيين الذين عبّروا بإراده حرّه في إنتخابات نزيهة عن رأيهم السياسي، وذالك بإختيارهم من ينوب عنهم في إتخاذ القرارات السياسيه وقيادة الدوله....هذا الإلتفاف على إرادة الشعب الليبي سوف يعود بليبيا الي مربّع الديكتاتوريه المؤطّره بشكل قانوني منظّم .....
لم يكتف المبعوث الدولي بفرض أليّة التوافق في التصويت على مشاريع القوانين وتشكيل الحكومه وتعيين كبار الموظفين في الدوله، بل إنّه اشار بشكل واضح الي أن آليّة التوافق يجب أن تشمل عمل الحكومه، وهذا شئ خطير جداً لأنّه سيعطّل أيضاً عمل الحكومه وسيخلق تكتّلات داخل الحكومه ويحوّلها من جسم تنفيذي الى جسم تشريعي جامد لا يمكنه إتّخاذ أي قرار أو تعيين أي موظفين بالأغلبيه....
إن أقرب الأمثله لنظام ديموقراطيّة التوافق - والتي أثبتت فشلها الذريع  بل إنّها عكست حالة من عدم الإستقرار السياسي والإقتصادي المستمر - هو النظام السياسي في كل من لبنان والعراق وأفغانستان والصومال.....والمجتمع الدولي يسعى الآن جاهدا لفرض هذا النظام السياسي " نظام ديموقراطيّة التوافق " في اليمن وسوريا وليبيا ......وعلى الليبيين الحذر، ثم الحذر، ثم الحذر.
السؤال الذي يطرح نفسه في الحالة الليبيّة هو: لماذا يدفع المبعوث الدولي في هذا الإتجاه، ولماذا يبنى في روح المسوّده الرابعه نظام ديموقراطية التوافق؟.
 المبعوث الدولي هو ليس شخصيّه مستقله كما نعرف، وبالتالي فإنّ كل ما يعبّر عنه المبعوث الأممي يعتبر إنعكاساً لرغبة الدول التي لها مصالح او إهتمامات وأطماع في ليبيا ....هذه الدول تشمل فيما تشمل المحيط الإقليمي والمحيط الدولي ....من هنا يتأسّس السؤال المهم والذي لا يمكن تجاوزه أو العبور فوقه وهو: ما الذي ستحقّقه الدول الإقليميه والدوليه من فرض نظام ديمقراطية التوافق، ولما لا يتم الدفع في إتجاه نظام حكم الأغلبيه أو النظام الديموقراطي المتعارف عليه عالميا وهو نظام حكم الأغلبيه؟.
 في الحقيقه إن نظام ديموقراطية التوافق أو المحاصصة أو ما يعرف ب"الكوتات" إنّما هو يخدم مصالح الدول الإقليميه والدوليّه بشكل فعّال، حيث يتيح للدول المهتمّه بالشأن الليبي أن تتدخّل بشكل قريب من المباشر في الشأن الداخلي الليبي والتأثير على القرار السياسي والإقتصادي الليبي ....نظام ديموقراطية التوافق يفتح المجال الى تبنّي القوى السياسيّه في ليبيا من قبل دول أجنبيه، ويجعل من هذه القوى السياسيه الليبيه رهينه للدول الإقليميه والدوليه، بل وقد يحوّل القوى السياسيه الليبيه إلى مجرد وكلاء ليس أكثر، وهذا سوف ينعكس سلباً علي سيادة ليبيا وإستقلالها ومستقبلها .....
ستكون لهذا النظام الذي يسعى المبعوث الدولي للتأطير له عواقب سلبيّه على المستقبل السياسي والإقتصادي الليبي والإستقرار السياسي والإقتصادي، وسوف لن يكون في أي حال من الأحوال في مصلحة الشعب الليبي.....
والسؤال المهم الآخر هو: ماذا لو تم تبنّي النظام الديموقراطي المتعارف عليه دوليّاً، وهو نظام حكم الأغلبيه ؟.
النظام الديموقراطي المبني على أساس حكم الأغلبيه يعطي إستقلاليه للقرار السياسي الليبي ويعزّز من سيادة الدوله الليبيه ويقلل من قنوات التدخل الخارجي، ممّا سوف يقود ليبيا الي تعزيز الثقافة الديموقراطيه وإحترام القانون، وسيسرّع  في إحلال الأمن والإستقرار وتكوين جيشاً وأجهزة امن وطنيّه غير ذات توجّه حزبي أو جهوي ....
النظام الديموقراطي القائم علي أسس حكم الأغلبيه بمقدوره أن يعزّز الإقتصاد الوطني ويقلل من إهدار المال العام، كما أنّه  سوف يعزّز السلم الأهلي والتكافل الإجتماعي.....النظام الديموقراطي القائم على قاعدة حكم الأغلبيه بوسعه أيضاً أن يعزّز الإستقلال والسيادة الوطنيّه، وكذلك إستقلال القرار السياسي والإقتصادي الليبي في المحافل الدوليه والإقليميه على حدّ سواء......
النظام الديموقراطي القائم على قاعدة حكم الأغلبيه حتماً سوف يقود الى إستثمار الثروات الليبيه بما يعود بالخير والمنفعه على اللبييين من ناحية، ويجعل من ليبيا دوله تحظى بإحترام وتقدير المجتمع الدولي من ناحية أخرى.

النتائج المتوقعه
لو تم الإتفاق علي هذه المسوّده - والتي أعتبرها أنا شخصيّا بمثابة الخطر الحقيقي الذي سوف يهدّد الإستقرار والأمن،  وكذلك وحدة البلاد - .... ما أتوقّعه كمراقب سياسي ان مثل هذا الإتفاق لو تم سوف يحدث شللاً في عمل الحكومه والمجالس التشريعيه، ونعود بذلك  الي شريعة الغاب أوتماتيكيّا وهي الحرب الأهليّه ....هذا الشلل سوف يفتح الباب على مصراعيه للتدخّل الخارجي الإقليمي والدولي بشكل علني تحت حجج كثيره وواهية منها التقريب في وجهات النظر بين الأطراف المتصارعة وغيرها من المسمّيات والتبريرات ....هذا التدخل سوف يعمّق الخلافات على المستوى السياسي وعلى المستوى المجتمعي، وسوف يعزّز من الإنقسامات الداخليّة،  ممّا قد يقوّي الإتّجاه والنزعه الى تقسيم ليبيا، وبذلك قد تكون تلك هي المحصّله النهائيّه.....
إنّ إدخال ليبيا في هذه الدوامه سوف لن يعود بالخير على ليبيا، وبكل تأكيد سوف يزيد من الطين بلّه ممّا سوف يطيل أمد الصراع وإهدار الثروات والأموال الليبيه، وخلق حالة من عدم الإستقرار السياسي والإقتصادي لأماد طويلة وسوف يرهن سيادة ليبيا وإقتصادها لغيرها.
يقيناً، فإنّ الكثير من المواد الموجوده في المسوّده الرابعه تشير بشكل واضح الى أن القرارات السياسيه وتشريعات القوانين وتعيين كبار الموظفين ورسم السياسات العامه والبرامج السياسيه في الجهاز التنفيذي "الحكومه" والجهازين التشريعيين المقترحين "مجلس النواب ومجلس الدوله"... هذه القرارت الحيويّة بمختلف أنواعها سوف لن تتم إلّا في إطار التوافق، وهذا بكل تأكيد سوف يعرقل عمل الأجسام السياسيه المقترحه وسوف يقود الى إحداث شلل في عمل كل الأجهزه التشريعيه والتنفيذيه، وبذلك فسوف لن يتمكن الليبيون من إصدار التشريعات والقوانين اللازمه لإخراج ليبيا من أزمتها وتعيين كبار الموظفين إلا في إطار إتفاق القوى الإقليميه والدوليه التي سوف تمارس الضغط على وكلائها في ليبيا تحت حجج مختلفه .....هذه المسوّده هي خطر حقيقي يهدد أمن وإستقرار ليبيا ووحدتها، ومن هنا فيتوجّب رفضها وإعادة النظر في روح صياغتها وفي موادها، ويتوجّب بان تكون روح المسوّده أو الإتفاقيه هي تبنّي النظام الديموقراطي "نظام حكم الأغلبيه" وإحترام إرادة الناخبين الليبيين.... حمى الله.

هناك 4 تعليقات:

  1. بارك اللة فيك تحليل منطقى جدأ

    ردحذف
  2. الحديث عن الاغلبية حديث عجيب ونح نعلم ان الشعب الليبي قاطع الانتخابات النيابية بشكل واسع فلم تصل نسبة المشاركة الى 16% وكان عدد الاصوات لايزيد عن نصف مليون ، ومع مقاطعة الشعب للانتخابات هناك مقاطعة اخرى من اعضاءبمجلس النواب تفوق نسبة الاصوات الحاصلين عليها نسبة اصوات المداومين على الحضور للبرلمان البائس .. ويكفي مثلا ان الاصوات التي حصل عليها الاستاذ صالح جعودة فيى انتخابات المؤتمر الوطني تفوق عدد الاصوات التي حصل عليها الستة عشر عضوا عن بنغازي في انتخابات البرلمان .حصل جعودة لوحده على 40الف صوت بينما حصل ستة عشر نائبا عن نفس الدائرة مجتمعين على 33الف صوت ... يقول قائل هذه هي الديمقراطية نقول نعم ولكن الشارع الليبي قال كلمتهعلى مدى اكثر من 40جمعة رافضا برلمان طبرق بينما خرجت مظاهرة واحدة بالقاهرة استمرت لساعتين اطاحت بمرسي

    ردحذف
  3. بارك الله فيك دكتور

    ردحذف
  4. يبدو ان الديمقراطية مقلب كبير سيأكله الليبيين

    ردحذف